طباعة هذه الصفحة

مبدأ يختلف حوله الفقه الدولي يستعمل ذريعة لاستغلال واستعمار الدول

إشـكـاليـة التـــدّخـل الدولي الانسـاني وتأثـيره على السيــــادة الوطنيـة

بقلم الدكتور حساني خالد أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بكلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة عبد الرحمان ميرة - بجاية

ومن جهة أخرى، قد لا يتوافر في الدولة التي حدث فيها التدخل العسكري نظام قضائي يؤدي عمله على الوجه الصحيح، مما جعل الأمم المتحدة تدرك بشكل متزايد –خاصة منذ عملية سلطة الأمم المتحدة الانتقالية في كمبوديا- أهمية إعادة النظم القضائية إلى نصابها في أسرع وقت ممكن بعد التدخل من خلال إنشاء المحاكم الجنائية المختلطة، وأخيرا فإنه إذا كان للقوة المتدخلة ولاية حماية حقوق الإنسان ومنع وقوع المزيد من الانتهاكات، فإنه دون وجود نظام يعاقب منتهكي هذه الحـقوق، فستصبح مهام القوة غير قابلة للتحقيق، كما أنها ستفقد مصداقيتها محليا و دوليا.

المطلب الثاني: شروط تطبيق مسؤولية الحماية

وضعت اللّجنة المعنية بالتدخل وسيادة الدولة عدة شروط لتطبيق مبدأ مسؤولية الحماية تتلخص فيمايلي:

الفرع الأول: شرط القضية العادلة Justa causa

يقصد بالقضية العادلة وقوع إبادة جماعية وتطهير عرقي واسع النطاق، فقد أشارت اللجنة المعنية بالتدخل وسيادة الدول أن التدخل العسكري الإنساني يكون مشروعا في مجموعتين عامتين من الظروف، لإيقاف أو تجنب:
-خسائر كبيرة في الأرواح وقعت أو يُخشى وقوعها، سواء كان ذلك أم لم يكن بنية الإبادة الجماعية، وتكون نتيجة عمل مدبر من الدولة أو إهمال الدولة أو عدم قدرتها على التصرف أو لوضع تكون فيه الدولة؛ أو:
-تطهير عرقي على نطاق واسع واقع أو يُخشى وقوعه، سواء أكان ذلك بالقتل أو الإبعاد كرها أو القيام بأعمال إرهاب أو اغتصاب النساء، وعليه إذا توفر أحد هذين الشرطين أو كلاهما فإن شرط القضية العادلة يعد عنصرا من عناصر قرار التدخل قد تحقق.
كما أن معايير القضية العادلة التي يتم التعبير عنها هنا لا تشمل فقط الارتكاب المتعمد كما في حالات البوسنة ورواندا وكوسوفا، إذ يمكن أيضا أن تنطبق هذه المعايير على مواقف تتمثل في انهيار الدولة، وما ينتج عن ذلك من تعرض السكان للمجاعات الهائلة أو الحرب الأهلية كما في حالة الصومال. وتشمل هذه المعايير أيضا احتمالات الكوارث الطبيعية أو البيئية الضارة والتي تكون الدولة المعنية في حالتها إما غير مستعدة أو غير قادرة على المساعدة، وتحدث خسائر كبيرة في الأرواح أو يكون خطر ذلك متوقعا. أما ما لا تشمله معايير حد (القضية العادلة) فهو انتهاكات حقوق الإنسان التي لا تصل حد التطهير العرقي (مثل التمييز العنصري المنظم أو القمع السياسي)، والإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا، وإنقاذ الدولة لرعاياها في أراض أجنبية.

الفرع الثاني: شرط السلطة المناسبة

أكدت اللّجنة المعنية بالتدخل وسيادة الدول أنه لتطبيق مبدأ مسؤولية الحماية ينبغي على مجلس الأمن أن يكون مركز الاتصال الأول بشأن المسائل التي تتعلق بالتدخل العسكري ويجب أن يكون مجلس الأمن الهيئة التي تأذن بأي تدخل بما أنه المسؤول الرئيسي عن حفظ السلم والأمن الدوليين. كما أن ميثاق الأمم المتحدة ينص بوضوح على استخدام القوة اللازمة (لحفظ السلام والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه) عندما يأذن مجلس الأمن بذلك تطبيقا لنظام الأمن الجماعي المحدد في الفصل السابع من الميثاق.
غير أن مجلس الأمن لم يكن حتى الآن متسقا للغاية ولا فعالا جدا في التعامل مع حالات التطهير العرقي واسع النطاق، ويأتي تصرفه في أغلب الأحيان متأخر جدا، ومترددا للغاية أو لا يتصرف على الإطلاق، كما أن إجماع أراء الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن لم يتحقق إلا نادرا بخصوص تحديد انتهاكات السلام، أو إدانة أعمال العدوان، أو الإذن باستخدام القوة العسكرية نتيجة لاختلاف المصالح السياسية والإستراتيجية، حيث أدى عدم الاتفاق هذا إلى عاقبة من اثنتين: عدم الفعالية وتكرار مجازر رواندا (حالات مثل حالتي دارفور وزمبابوي) من جهة، والتدخلات التي يمكن القول أنها مشروعة أخلاقيا ولكنها غير قانونية عسكريا كما في يوغسلافيا (من قبل حلف الناتو)، وليبيريا، وسيراليون (من قبل الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا) على سبيل المثال من جهة أخرى.
في هذا الإطار فقد أشارت اللجنة المعنية بالتدخل وسيادة الدول أن الحل لهذه المشكلة يتمثل في مناقشة الأدوار المحتملة للجمعية العامة والمنظمات الإقليمية في الترخيص بالتدخل العسكري، وتعني مسؤولية الحماية في الترخيص من طرف الجمعية العامة لأنه إذا كان هذا الترخيص مدعوما من قبل أغلبية الدول الأعضاء، فإنه سيوفر درجة عالية من المشروعية للتدخل، وعلى وجه التحديد تقوم مسؤولية الحماية على تأييد العمل العسكري من الجمعية العامة منعقدة في دورة استثنائية خاصة بموجب قرار الاتحاد من أجل السلام لعام 1950 (يتعلق هذا القرار بمعالجة الحالات التي يخفق فيها مجلس الأمن عن ممارسة وظائفه في حفظ السلم، بسبب عدم إجماع أعضائه الدائمين)، وذلك بأغلبية الثلثين.
أما بالنسبة للترخيص من قبل المنظمات الإقليمية فقد أشارت اللجنة إلى أن التدخل الجماعي من قبل منظمة إقليمية أو دون الإقليمية تتصرف ضمن حدودها المعينة تطبيقا للفصل الثامن من الميثاق قد يكون فعالا في معالجة الكوارث الإنسانية، بالنظر إلى المصلحة المشتركة التي تجمع بين الدول المتجاورة، كما أن التدخل في إطار المنظمات الإقليمية يكون في الغالب أفضل من التدخل الجماعي من طرف الأمم المتحدة، شريطة أن يكون تدخل المنظمة الإقليمية متعلقا بأحد أعضائها ولا يقبل التدخل في دولة ليست عضوا مثلما حدث بالنسبة لتدخل حلف شمال الأطلسي في كوسوفا عام 1999.
إضافة إلى ذلك فقد أكدت اللجنة المعنية بالتدخل وسيادة الدول أن التدخل العسكري لا يكون مبررا إلا إذا كان الوسيلة الأخيرة بعد استقصاء كل بديل غير عسكري من أجل تسوية النزاع، أو حله بطرق سلمية، مع توافر أسباب معقولة للاعتقاد بأن الإجراءات غير العسكرية لن تنجح في وقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ويجب أن يكون التدخل العسكري المخطط له في حجمه، ومدته، وشدته في الحد الأدنى الضروري لضمان تحقيق الهدف المحدّد لحماية حقوق الإنسان، ووقف الانتهاكات الجسيمة لها، علاوة على وجوب أن تكون هناك فرصة معقولة للنجاح في وقف المعاناة التي بررت التدخل أو في تفاديها؛ فعواقب التدخل العسكري لا يجب أن تكون أسوأ من عدم التدخل أصلا.
يجب أن يكون الغرض الأساسي للتدخل وقف المعاناة الإنسانية أو تفاديها، حيث توجد عدة طرق تضمن الوفاء بشروط هذا المعيار؛ وتتمثل إحدى هذه الطرق في أن يتم التدخل العسكري دائما على أساس جماعي أو متعدد الأطراف، أما الطريقة الثانية هي معرفة حجم الدعم الفعلي الذي يلقاه التدخل من طرف الناس الذين يكون التدخل من أجل حمايتهم، بينما تتلخص الطريقة الثالثة في معرفة الدرجة التي تم بها الحصول على رأي الدول الأخرى المجاورة ومدى دعمها لهذا التدخل، غير أن الانتفاء التام للمصلحة قد يكون وضعا مثاليا، إلا أنه من غير المرجح أن يكون حقيقة واقعة في جميع الأحوال؛ إذ أن الدوافع المختلطة في العلاقات الدولية كما في كل مجال آخر هي من حقائق الحياة.
إضافة إلى ذلك، فقد تقتضي التكلفة المالية والخطورة التي يتعرض إليها الأفراد الذين يشتركون في أي عمل عسكري، على الدولة التي تقوم بالتدخل، من الناحية السياسية، أن يكون لها جانب من المصلحة الذاتية في التدخل، أيا كان مدى الإيثار في دافعها الرئيسي بالفعل.

خـاتـمـة
انتهينا من خلال هذه الدراسة إلى أن المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه التدخل الإنساني هو استخدام القوة العسكرية بهدف حماية حقوق الإنسان ومنع حدوث انتهاكات جسيمة وصارخة لهذه الحقوق، وقد تطور التدخل الإنساني بشكل كبير خلال القرن التاسع عشر، وازدادت شدّة تطبيقه بعد نهاية الحرب الباردة بسبب تغيّر طبيعة النزاعات التي تقع في العالم من نزاعات فيما بين الدول إلى نزاعات داخل الدول.
 غير أنه وبغض النظر عن مشروعية التدخل الإنساني أو عدم مشروعيته، إلا أن الممارسة الدولية أثبتت أن تطبيقه تم بازدواجية في بعض الحالات وخروجا عن الضوابط والقواعد العرفية التي تحكمه مثلما حدث في الصومال، كما عرف تطبيقا متأخرا في حالات أخرى مثلما هو عليه بالنسبة لرواندا، في حين لم يتم اللّجوء إلى تطبيقه في حالات أخرى إطلاقا.
يضاف إلى ذلك أنه نتيجة الانتقادات الموّجهة للتدخل الإنساني من منطلق تعارضه مع مبدأ السيادة، ظهر بالمقابل مبدأ مسؤولية الحماية الذي يسعى إلى حماية حقوق الإنسان لكن دون المساس بسيادة الدول، ولعل التطبيق السليم لهذا المبدأ الأخير وفق الأطر القانونية التي حددتها اللجنة المعنية بالتدخل وسيادة الدول سيشكل ضمانة هامة لحماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد واحترام السيادة المتساوية للدول ومنع أي تدخل خارجي في شؤونها لأغراض إنسانية.
 هذا لن يتحقق إلا بتوافر إرادة سياسية صادقة لدى الدول الأعضاء في المجتمع الدولي مع احترام الشروط والضوابط التي حدّدتها اللجنة المعنية للتدخل والسيادة في كل تدخل عسكري من أجل حماية حقوق الإنسان مثل ضرورة استنفاذ الوسائل السلمية لحل النزاع، ووجوب أن تكون الغاية من التدخل إنسانية بحتة بعيدة عن المصالح السياسية للدول المتدخلة، علاوة على ضرورة الحصول على ترخيص من طرف مجلس الأمن يأذن بالتدخل العسكري الإنساني أو من طرف الجمعية العامة والمنظمات الإقليمية في حالة عجز المجلس عن ذلك، وأخيرا يجب أن تتناسب الانتهاكات التي وقعت في الدولة المتدخل فيها وطبيعة الإجراءات المتخذة لوقف عمليات التطهير واسع النطاق أو ردع انتهاكات القانون الدولي الإنساني، لكن تبقى الحلول السياسية السلمية هي الوسيلة الأفضل لتجنب التدخلات العسكرية التي كشفت الممارسة الدولية عن استعمالها لتحقيق المصالح الذاتية للدول المتدخلة مثلما حدث في العراق، الصومال وليبيا، ويجب على الدول العربية التي تشهد حاليا موجة من الثورات الشعبية أن تعمل على تحقيق مطالب شعوبها بطرق سلمية وديمقراطية قصد تفادي أي تدخل عسكري قد يتم ضدها مثل التدخل المحتمل في سوريا ان استمر النزاع بين نظام الحكم والجيش الوطني الحر بسبب النتائج الخطيرة التي يشكلها على السلم والأمن الدوليين من جهة، وتزايد معاناة المدنيين من جهة أخرى.
«انتهى»