طباعة هذه الصفحة

مساهمة

الشعريـات الأندلسيـة في رحـاب قسـم اللغـة العربيـة بجامعـة عنابــة

بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بـوفلاقـــــة-جامعة عنابة-

 نوقشت بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الشهيد باجي مختار بعنابة، أطروحة دكتوراه بعنوان: “الشعر الأندلسي في عصر بني الأحمر-دراسة أسلوبية لشعراء المائة الثامنة”، تقدم بها الطالب عزوز زرقان، ولا يختلف إثنان في أن تاريخ الأندلس-على امتداده وغناه- يزخر بحقبات متميزة ازدهرت فيها الحضارة والثقافة، وهذا ما أتاح للفكر والإبداع الأدبي مجالاً خصباً للتألق والإبداع، ويعد عصر بني الأحمر من المراحل الثرية والمتفردة، ولم يكن بدعاً أن تتجلى الكثير من الظواهر في الشعر الأندلسي في تلك الفترة، والبحث في خصائص الإبداع الشعري هو الذي تصدت إليه هذه الأطروحة الجيدة التي أنجزها الباحث المقتدر عزوز زرقان، الذي أخذ على نفسه دراسة الشعر الأندلسي في عصر بني الأحمر دراسة أسلوبية خص بها شعراء المائة الثامنة، فقد رصد الشعر الأندلسي في تلك الفترة من خلال خصوصياته، ومميزاته، وسعى إلى كشف الطاقات والقدرات الذاتية التي تشكله.

وإذا كان الباحث قد جعل دراسته حكراً على عصر بني الأحمر فإنه لم يفعل ذلك اعتباطاً، ولكن ليقينه بأن هذه المرحلة تحتاج إلى الدراسة والتحليل، كونها لم تحظ بعناية فائقة حيث يرى الباحث في دراسته أن مختلف أطوار الأدب العربي بالأندلس نالت حظها من الدراسة ولكن بشيء من التفاوت، ففي الوقت الذي حظي فيه القرن الخامس والسادس بالدرس الشامل من قبل عدد لا بأس به من الباحثين، نجد أن المرحلة التي امتدت من القرن السابع إلى غاية القرن التاسع كان حظها ضئيلا مقارنة مع غيرها، ويرجع هذا الأمر إلى بروز الكثير من أعلام الأدب نظما ونثرا، ووفرة ما أُثر عنهم من مؤلفات، ونظراً لما بلغته الحضارة العربية بالأندلس حينها من ازدهار في شتى مناحي الحياة مما جعل الدارسين يركزون جهودهم كافة في هذين الطورين دون غيرهما، ولا يعني ذلك أن بقية الأطوار الأخرى خلت من الدراسات، بل هناك دراسات عنها، ولكن بصورة أقل، ولعل هذا السبب هو الذي جعل الباحث يُسلط الأضواء على مرحلة بني نصر بالأندلس.
عنيت الأطروحة بدراسة الشعر الأندلسي في عصر بني الأحمر ـ دراسة أسلوبية لشعراء المائة الثامنة - أي في مملكة غرناطة، وهو عهد الدولة النصرية كما يُسمى في مصادر الأدب المختلفة.
وبالنسبة إلى أهم المصادر التي أفاد منها الباحث في استخراج المادة الشعرية التي قام بدراستها دراسة أسلوبية، نذكر: “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب” للمقري، و«فتح الأندلس” لابن القوطية،و”آخر أيام غرناطة” لمؤلف مجهول، ثم”الكتيبة الكامنة”لابن الخطيب، وكذا “اللمحة البدرية” والذي أفاد منه الباحث كثيرا فيما يتعلق بالحياة الفكرية والأدبية ، بالإضافة إلى”نثير فرائد الجمان” لابن الأحمر، وغيرها وقد مكنت هذه المصادر الباحث من تدقيق المادة الشعرية، ومن خلالها استطاع رسم خطته.
 كما أشار الباحث إلى أنه اطلع على بعض الرسائل التي لم تُطبع بعد، والكتب الحديثة منها:«أدب المحنة الإسلامية في الأندلس” لصاحبها الربعي بن سلامة، و«ظاهرة التماثل والتميز في الأدب الأندلسي من القرن الرابع إلى السادس هجرياً” لصاحبها سليم ريدان، وقد طُبع هذا الكتاب ضمن منشورات كلية الآداب بجامعة منوبة بتونس،ثم “رسالة الأشعار التي قيلت في سقوط المدن أو تهديمها في الأدب العربي” لصاحبها حسن مصطفى.
وبالنسبة إلى منهج البحث المعتمد في الرسالة، فإن الدراسة لم تقم على اصطناع منهج واحد بعينه، إذ اقتضى الأمر أن يعتمد الباحث على غير منهج، فاتبع في دراسته التاريخية منهجاً وصفياً تحليلياً أعانه على تصنيف وترتيب النصوص على نحو دقيق، بيد أنه ركز في تحليله للأشعار بشكل رئيس على المنهج الأسلوبي الذي يعد واحداً من المناهج النقدية الحديثة، إذ يرتكز على دراسة النص الأدبي باعتماد التفسير والتحليل.
في المقدمة تناول الباحث أهمية موضوعه، وتحدث بشكل دقيق ومركز عن أهمية المرحلة التي يقوم بدراستها، وأشار إلى أن المدونة التي تم العمل من منطلقها كانت محصورة في جملة من الشعراء، منهم المعروف الذي ذاع صيته في الآفاق، ومنهم المغمور الذي يجهل عند القارئ اليوم، ومنهم من لم يخرج شعره إلى الوجود أصلا عدا بعض الأبيات المتناثرة على صفحات بعض المصادر، فكانت هذه الدراسة فرصة مواتية للكشف عن أسمائهم، وأشعارهم في ذات الوقت. ولئن برزت أسماء مثل: ابن الخطيب، وابن زمرك، وابن خاتمة، وابن فركون، والقيسي، وغيرهم، فإن هذا البحث قد كشف عن أسماء أخرى من أمثال: البلوي التجيبي، وأحمد بن إبراهيم بن صفوان، وابن الحاج النميري، والبلقيني أبو البركات، وأبو جعفر الرعيني، واللوشي اليحصبي وغيرهم.
وفي المدخل قدم الباحث لمحة تاريخية عن عصر بني الأحمر، وفي الفصل الأول من البحث تحدث الأستاذ عزوز زرقان عن ازدهار الحركة الشعرية في عصر بني الأحمر، وفي الفصل الثاني تطرق الباحث إلى أهم الأغراض التي اهتم بها الشعراء الذين خصهم بالدراسة والتحليل، وقد كان هدفه من وراء كتابة هذا الفصل تقريب صورة المادة الشعرية التي ارتكز عليها في دراسته الأسلوبية.
وأما الفصل الثالث فقد جعله للحديث عن الأسلوب والأسلوبية بين المفهوم والدلالة، ونلفي في هذا الفصل ثلاثة مباحث رئيسة:
1- مصطلح الأسلوب والأسلوبية.
2-الاتجاهات الأسلوبية.
3-الأسلوبية في التراث البلاغي والنقدي.
 وقد خصص الباحث الفصل الرابع من رسالته لدراسة مستوى التشكيل الموسيقي-البنية الصوتية- في حين تناول في الفصل الخامس من الرسالة المستوى الصرفي، أي البنية الصرفية في شعر شعراء بني الأحمر، وقد قسم هذا الفصل إلى مبحثين رئيسين تطرق في المبحث الأول إلى بنية الأسماء، وفي المبحث الثاني سلط الضوء على بنية الأفعال.
 أما الفصل السادس من الرسالة، فقد تم تخصيصه لدراسة المستوى التركيبي، وقد أماط اللثام في هذا الفصل عن جملة من القضايا التركيبية التي ترتبط بأشعار شعراء المائة الثامنة، وقد اهتم في الفصل الأخير من الرسالة بدراسة الجانب البلاغي، حيث ركز في هذا الفصل على ظاهرتين تميز بهما النص الشعري الأندلسي في عصر بني الأحمر، وهما: ظاهرة الالتفات، وظاهرة الاعتراض.
وتجدر الإشارة إلى أن رسالة الأستاذ الباحث عزوز زرقان هي رسالة ضخمة، وقد بذل جهداً كبيراً في كتابة هذا البحث، ودراسة شعر شعراء المائة الثامنة دراسة أسلوبية، فقد تميز بحثه بالدقة، والموضوعية، وسلامة المنهج، والأمانة في نقل النصوص والروايات.
وقد حقق غرضه من هذا البحث، حيث أضاء على فترة لم تحظ باهتمام واسع من لدن مختلف الباحثين والدارسين وهي تحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة.