طباعة هذه الصفحة

المختصة في القانون الدستوري فتيحة بن عبو لـ(الشعب):

مهمة لجنة الخبراء متابعة الصياغة القانونية للأحكام محل التعديل

حاورتها: زهراء.ب

توضح المختصة في القانون الدستوري الدكتورة فتيحة بن عبو، في هذا الحوار الذي أجرته معها «الشعب»، أن مهمة اللجنة التقنية المنصبة لتعديل الدستور محددة، وليس كما قيل «لها دور مطلق»، وإنما تتابع الصياغة القانونية للنص، ولا تخرج من الإجراءات التي حددها الدستور.
 واعتبرت بن عبو، أن نظام الحكم الأمثل هو النظام الذي يضم بعض المبادئ وهي التوازن بين السلطات، تحقيق حريات المواطن واستقلالية السلطة القضائية، مشيرة إلى أن هذه الأخيرة يجب أن لا تكون لصالح مجموعة مهنية وإنما لمصلحة المواطن، لأن دولة القانون هدفها المحافظة على حرياته وحقوقه.
وترى بن عبو، أن الفصل بين السلطات نظرية تجاوزها الوقت، والمظهر الجديد للفصل بين السلطات هي التوازن بين السلطات، أي كل سلطة تكون لديها وسائل تأثير على الأخرى.

@ «الشعب»: تم تنصيب اللجنة التقنية لتعديل الدستور برأيك ما الذي يمكن أن تضيفه هذه اللجنة، خاصة في ظل تحدث الكثيرين على ضرورة توسيعها لتشمل إطارات وكفاءات أخرى للوصول إلى تقديم وثيقة إجماع وطني حول هذه القضية الهامة؟
@@ فتيحة بن عبو: اللجنة التقنية المنصبة لتعديل الدستور ليست لديها القرار السياسي لتعديل الدستور، بل هي بيد رجال السياسة وهنا أقصد رئيس الجمهورية الذي يملك حق المبادرة بذلك، وإعطاء النقاط الأساسية التي يريد تعديلها، واللجنة عملها لم ينطلق من العدم لأننا في إطار تعديل دستور وليس وضع دستور جديد، وهذا يعني أن مبادرة تعديل الدستور تبقى محددة في إطار قانون وموضوع الدستور الحالي، ولا تخرج من نطاق معين لأن الدستور لديه فلسفة سياسية، لا يجب التعديل أن يغيرها أو يمس بجوهرها، وإلا حدث خرق دستوري، ونحن نعرف أن الدستور يضع حدود للتعديل، وهي محددة في الإجراءات المتضمنة في المواد ١٧٤ ـ ١٧٥ والإجراء الثاني في المادة ١٧٦، أما الحد الثالث فيتعلق بالمواد الثابتة.
والتعديل المرتبط بالقرار السياسي حتى عند الرجل السياسي هو محدد بمواد في الدستور الحالي، وعلى هذه اللجنة أن تلتزم بما جاء في مسودة رئيس الجمهورية، أي أنها ليست حرة حتى تعدل ما هو سياسي فيها، ودورها هنا يقتصر على تصحيح الشكل القانوني والمنطق القانوني حتى يكون النص منطقي داخلي، وليس تغير مضمون القرارات التي وضعها رئيس الجمهورية، فدورها إذن محدد وليس كما قيل لها دور مطلق وإنما لجنة تقنية تتابع الصياغة القانونية للنص، ولا تخرج من الإجراءات التي حددها الدستور.
@ ولكن مسودة تعديل الدستور هي مجموعة من الاقتراحات، التي سبق وأن رفعتها لجنة المشاورات السياسية وكذا تلك التي اقترحتها التشكيلات السياسية في لقاءها مع الوزير الأول، وليس اقتراحات رئيس الجمهورية فقط لأنه تحدث عن تعديل معمق للدستور بإشراك الجميع؟
@@ بالطبع، ربما رئيس الجمهورية قد أخذ من قرارات لجنة المشاورات السياسية التي ترأسها عبد القادر بن صالح، ولكن الأحزاب السياسية ليست لديها المبادرة السياسية لتعديل الدستور، عكس رئيس الجمهورية الذي يملك ذلك، حتى البرلمان ليس له الحق أن يبادر بتعديل الدستور، ولكن يستطيع أن يقترح ذلك والكلمة الأخيرة ترجع إلى رئيس الجمهورية وحتى الأحزاب التي أخذ برأيها ليس لديها حق المبادرة من الناحية القانونية، وأشير هنا إلى أمر مهم أن مبادرة تعديل الدستور التي هي بيد الرئيس يمكن أن تقبل ويمكن أن ترفض لأن التعديلات تمر على المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، وأخيرا على الاستفتاء حسب النص إذا كان التعديل جذري.
أما إذا لم يكن التعديل عميق، فيمرر على المجلس الشعبي الوطني، ليدرسه كأي مشروع ويعرضه للتصويت بأغلبية بسيطة، ويمكن له أن يعدل بعض المواد، ثم يمرر لمجلس الأمة الذي يقبله أو يرفضه ولكن ليس لديه حق المناقشة.
ثم بعد ذلك رئيس الجمهورية لديه ٥٠ يوما لتقديم تعديل الدستور لاستفتاء شعبي والشعب يمكن أن يرفضه أو يقبله فالقرار النهائي يرجع لصاحب القرار السياسي رئيس الجمهورية، والشعب صاحب القرار السيد، هو الذي يضفي الطابع الديمقراطي على النص فبدون الاستفتاء ربما يكون تشكيك في النص.
@ معنى هذا أن التعديل الدستوري المرتقب إذا لم يعرض للاستفتاء لن يكون له طابع ديمقراطي؟
@@ عندما يكون التعديل خفيفا أو تقنيا، لا يعرض للاستفتاء أما إذا أضيفت مواد جديدة، أو أدخلت تعديلات عميقة فهنا يعرض للاستفتاء والإجراء الأول مسبق بثلاثة شروط، وهي أن رئيس الجمهورية يجب أن يطلب الرأي المعلل للمجلس الدستوري، وينشر في الجريدة الرسمية ويعطي مبرراته، ثانيا هذا التعديل الذي يمر عبر غرفتي البرلمان مجتمعة يجب ألا يمس بعض المواد التي تحددها المادة ١٧٦، لا تمس التوازن الجوهري للسلطات، والمبادئ العامة للمجتمع وحقوق وحريات المواطن.
@ على ذكر مجلس الأمة هناك من الأحزاب السياسية من يطالب بتعزيز صلاحياته أكثر في التعديل الدستوري المرتقب هل تشاطرين هذا الرأي؟
@@ ممكن ولكن تعزيز صلاحيات مجلس الأمة ترجع إلى القرار السياسي، وحاليا مجلس الأمة لديه دور حيث يقوم بتحديد مصير القانون، عن طريق الأغلبية بحيث يجب أن يتفق ثلثي النواب لتحقيق الإجماع، وإلا الوزير الأول يستدعي اللجنة المتساوية الأعضاء للتفاهم بين المجلسين في حال وقوع خلاف حول القانون.
@ تطالب بعض التشكيلات السياسية في مقترحاتها بالفصل بين السلطات في التعديل الدستوري المرتقب، برأيك هل الأولوية الذهاب إلى الفصل بين السلطات، أو البحث عن التوازن بين السلطات؟
@@ الفصل بين السلطات نظرية تجاوزها الوقت، والمظهر الجديد للفصل بين السلطات هي التوازن بين السلطات، أي كل سلطة تكون لديها وسائل تأثير على الأخرى، بحيث لا تستحوذ سلطة على وسائل التأثير فيما الأخرى لا تملك شيئا مثلا رئيس الجمهورية لديه حق بحل البرلمان، البرلمان يكون كذلك لديه وسيلة التأثير على رئيس الجمهورية، حتى لا تكون السلطة استبدادية على الأخرى، وأنا أفضل النظام الأمريكي، لأنه لديه توازن بين كل السلطات.
@ وبالنسبة لنظام الحكم ما هو الأنسب للجزائر في نظرك؟
@@ أنظمة الحكم متنوعة منها النظام البرلماني، الرئاسي وشبه الرئاسي، والنظام الذي نعيش فيه حاليا والسائرة فيه أغلبية البلدان التي هي في طريق النمو هو النظام «الرئاساوي»، وهذا النظام ظهر بعد الاستقلال، يتميز بهيمنة سلطة على السلطات الأخرى، وهو نظام دستوري وليس إنحراف، تكون السلطة التنفيذية فيه لديها الأولوية على الآخرين، وخطأ من يقول أن النظام الذي تعتمده الجزائر نظام رئاسي.
فمثلا النظام الفرنسي الذي هو نظام شبه رئاسي  يمكن أن ينحرف إلى النظام «الرئاساوي»، في حالة معينة عندما الرئيس تكون أغلبيته الرئاسية تتوافق مع الأغلبية البرلمانية وهنا يصبح الرئيس يهيمن على الوزير الأول والوزراء وحتى البرلمان الفرنسي.
لا يهمني من هو النظام الأمثل، ولكن من الناحية النظرية النظام البرلماني كما يعرف من الناحية النظرية يمكن أن يؤدي إلى استبدادية ٥٠٠ نائب، فإذا رغبوا في اعتماد النظام البرلماني يجب إدخال عليه ما يسمى بالحدود،  مثلا في ألمانيا أدخلوا عليه ما يسمى بالعقلانية لأن النظام البرلماني يمكن أن ينحرف إلى نظام لديه الأولوية، وهذا النظام يستحيل اعتماده لدينا لأنه يمكن أن ينحرف وتصبح الأولوية للغرفة التشريعية على السلطات الأخرى ونحن رأينا في الجمهورية الثالثة والرابعة أن نظام البرلماني الفرنسي هيمن على السلطة التنفيذية والسلطة القضائية وهذا يؤدي إلى خطر فبدل أن يكون رئيس الجمهورية وحده الذي يهيمن، نجد ٥٠٠ نائب يهيمنون على البلاد ووراء هؤلاء أحزاب سياسية، وهنا يمكن أن نتحول إلى حكومة الأحزاب السياسية ونصبح في سياسة خطيرة قد تجر البلاد إلى الهلاك.
النظام الأمثل هو النظام الذي يضم بعض المبادئ وهي التوازن بين السلطات، تحقيق حريات المواطن واستقلالية السلطة القضائية، وهنا أوضح أن استقلالية القضاء لديها دور مهم لمصلحة حقوق وحريات المواطن، لأن دولة القانون هدفها الحفاظ على حقوق وحريات أفراد المجتمع وعندما تكون استقلالية القضاء يمكن للقاضي أن يسترجع بكل حرية حقوق وحريات أي مواطن، لأنه تحت ضغط أي سلطة تنفيذية رئيس أو إدارة لا يستطيع  القاضي أن يلعب دوره، واستقلالية القضاء لا يجب أن تكون لصالح مجموعة مهنية، وإنما لمصلحة المواطن لان دولة القانون هدفها المحافظة على حريات وحقوق المواطن، كما أن دولة القانون تسمح بتحديد نوعية السلطة.