طباعة هذه الصفحة

مكانة العلم والعلماء.. تساؤلات مطروحة!!

بقلم الشيخ الدكتور التواتي بن التواتي الأغواطي

قال أحد الباحثين المخلصين من هزته الغيرة عن العلماء: وكان قد سأل أحدهم  لما تتعرضون للعلماء بالنقد اللاذع أجيب بأن: هذا بيان للأخطاء والبدع حتى لا تنتشر وتحذير للناس من هذا المبتدع...
فقد يكون بعضهم قد غرر به فيتكلم في العلماء عن حسن قصد فيعتقد أنه يحارب المبتدعة بفعله هذا؛ لأن من يجالسهم يوحون له بهذا الكلام المعسول فهؤلاء يبين لهم الحق حتى يرجعوا إليه ويعرفوا للعلماء منزلتهم ومكانتهم.
والبعض الآخر يتكلم في العلماء لوجود هوى في نفسه قد يكون ناشئا من الحسد لهؤلاء العلماء.انتهى قوله.
ورحم الله شاعر شمال إفريقيا الشيخ محمد العيد آل خليفة:
وجاهل لعالم نافس  وأخ لأخ باخـس
هذه جذوة هل لها قابس
ورحم الشافعي حين قال:
كم عالم متفضل قد سبّه    
من لا يساوي غرزة في نعله
أو هو الكره لأهل العلم فهؤلاء يُنْصحون فليتوبوا إلى الله تعالى فليعلموا يقينا أن الله تعالى يدافع عن أوليائه قال تعالى: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا). إن مكانة العلماء وحفظ أقدارهم لا تنتظر من الجهال والطامعين، فهؤلاء لا ترى منهم إلاّ الهمز واللمز والتنقص، والقدح، ومما يدلك على جهل كثير من الناس بقدر العلم والعلماء، أتعلمون أن العلماء في انتقاص والجهال في ازدياد، أتدرون لما يتناقص العلماء ويزداد الجهال ذلك أن كل زمان يذهب من الأمة عالم لن تجد من يسد ثغرته إلا من رحم الله: عن هشام، عن الحسن قال: كانوا يقولون: «موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار» رواه الدارمي في سننه إسناده صحيح.
ولو كانت الأمة تعرف قيمة هذا العلم ما مات عالم إلا وخلف وراءه أمة ممن هم مثله ممن يأخذ عنهم العلم، وأذكر أن عالما مات كمدا من أجل زلة ارتكبها مجبرا أو مختارا...!في كلا الحالتين له عذر فإن الكمال لله وحده، وكان أحد العلماء المعاصرين قرأ له كتابا في غاية الجودة (وهو الشيخ محمد أبو زهرة-رحمه الله تعالى-)، قال لما علم بقصته: وكيف تفلح أمة تعامل علماءها تلك المعاملة، وربنا القوي الرزاق يسامح ويغفر الذنوب وهي أعظم مما ارتكب هذا العالم، هل نظروا إلى ما أفادهم به وترك لهم وها هو قد مضى وأثره بقي ينبئ أنه حي بأثره الذي خلّفه.
وإني أدعو إلى تبجيل أهل العلم وطلبة العلم، وحملة الكتاب والسنة الذين سلكوا سبيل السلف في الفهم والاعتقاد والسلوك والعبادة دون ذوي الأهواء السياسية، والبدع المضللة، وقد قيل: لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا صاحب الفضل، وقد بيّن لنا ربنا السبيل فقال: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) [الزمر : 9] .أخبر الله تعالى عباده أنه لا يستوي أهل العلم الذين قاموا وقام بهم العلم المطلوب تعلمه والموافقة في الدين كتابا وسنة منزلة مع الذين لم يقم بهم ذلك ،إما تقصيرا ،أو أعراضا أو استخفافا، وهذا التفريق أبلغ في تقرير فضل العلم وأزين في رفع درجات أهله، فإن الشيء لا يعرف إلا بضده ، وبضدها تتميز الأشياء
إن تقدير مكانة العلماء والإعلاء من شأنهم وتكريمهم أحياءً وأمواتاً إنما ينبع من تعظيم الشريعة التي احتفت بهم، والدين الذي كرمهم وحفل بهم، ومن أعلى قدر الشريعة أعلى قدر حملتها، يجب أن يحظى العلم لدى الحكام بمكانة متينة لا علاقة عابرة أثناء حفل عابر ثم يسدل الستار، يجب على الحاكم أن يتفقد العلماء والأخذ بنصائحهم، ولولا خوف الإطالة لذكرت وقائع للاعتبار، ولكني أذكر واقعة واحدة أو اثنين فحسب.
-لما دخل هارون الرشيد على الإمام مالك وجلس بجانبه نزل الإمام مالك وجلس مع الناس، فقال له هارون الرشيد لما نزلت؟ قال له مالك: إن جئت حاكما فلا أنازعك في حكمك، وإن جئت طالبا للعلم فانزل حيث طلبة العلم واجلس حيث جلس الناس، فنزل هارون الرشيد حيث يجلس الناس، وصعد الإمام مالك.
-وحين أراد الرشيد موعظة وقد أحس بضيق في صدره لا تزيله إلاّ الموعظة الحسنة، فذُهِب به إلى أحد العلماء (لا أذكر اسمه احتراما له) فلم تك موعظته شافية، فقال الرشيد لوزيره: إن صاحبك هذا لم يحدث شيئا في نفسي عليّ بآخر فكان الثاني أمره كالأول، فقال الرشيد: عليّ بآخر، فقال الوزير: لآخذنّه إلى الفضيل بن عياض، فدقّ عليه الوزير الباب: فقال الفضيل: من الطارق؟ قال: أمير المؤمنين:  فقال الفضيل: وما شأني وأمير المؤمنين، فقيل: له سبحان الله أليس له حقّ عليك؟ نعم للحكام حقّ الطاعة والامتثال بنص الكتاب، ففتح الفضيل الباب وأطفأ السراج فراح هارون الرشيد يتلمس حتى وقعت يده على كتف الفضيل، وكان ثوبه ممزقا، فقال: أواه ما ألينها من يد إن نجت من عذاب الله، وراح يعظه والرشيد يبكي، فقال له الوزير: أرفق بأمير المؤمنين، رد عليه الفضيل والله أبكاه وأرداه إلاّ أمثالك، زينت له المحارم فاقترفها، وزينت له مظالم فارتكبها، وزينت له الضلالات فخاضها..والقصة طويلة اكتفي بما ذكرت.      
فحين يكون حال أمتنا (حكاما وعلماء) على هذا النهج والقلوب متفتحة لهذه الشريعة السمحاء نكون قد صددنا الباب في وجه كل طامع متقوّل، وجنبنا بلادنا ما يحدث وما يراد بنا من كيد، وإن الأمة التي يقوم فيها ولاة الأمر فيها بتوقير العلماء وتبجيل  العلم والدعوة إلى تحصيله، لدليل قاطع أن البلاد  على النهج الصحيح.
وأختم مقالي بهذه الأسئلة منها: سؤال طرحه أحدهم قبلي-وكان بمرارة فيما قرأت له لما آلت إليه مكانة العلماء من تهميش وتنقيص وتحامل عليهم:
-أين مكانة العلماء فينا، كانوا إذا تكلموا أنصت الناس إلى كلامهم، وإذا أمروا ائتمر الناس بأمرهم، وإذا نهوا انتهى الناس عما نهوا عنه.انتهى كلامه.
-أين مكانة العلماء من القبول والتكريم، يقول الله جل وعلا: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، أيها العلماء العاملون كونوا مخلصين لما حباكم الله به من علم، عاملين به، لا تريدون به جزاء ولا شكورا، واعلموا أن الذي أعطاكم العلم لا يستطيع  أحد أن يذلكم، أو يحط من شأنكم وقد رفعكم الله تعالى.
-أين مكانة العلماء عندنا؟ هل كوّنا لجنة مخلصة أمينة في مسلكها ترصد الذين قدموا علما نافعا وخدموا الأمة في نشره بين الناشئة، ويكون اختيارها بدون محاباة ولا رياء..
-أين مكانة العلماء من هذا الاحتفاء؟ هل العلماء مبجلون مكرمون مشجعون لمزيد من العطاء والإبداع والبحث والتأليف في كل صنوف العلم: فالمشاهد أن مكانة العلماء أصبحت لا شيء؛ حتى إنك لتسمع الآن العالم يريد أن يفتي في مسألة هامة تخص الأمة وتعود بالنفع العام وما يوحّد كلمتها ويجمع شتاتها فيكون حاله بين حالين:
-إما لا يعبأ بما قال؛ لأن الناس في واد وهو في واد آخر، الناس يريدون السياسة وما يستفاد منها لا يريدون إصلاح المجتمع وما لصق به من خيبات وفاسد، يريدون الشهرة وحب الظهور، والكسب المادي والمناصب والحظوة.
-وإن التفت لما قال  فمن معقب وناقد...! قد يكون في التعقيب إثراء فذاك لا ضير فيه، وقد يكون مخالفة من أجل المخالفة لحاجة في نفس يعقوب...وهذه هي المصيبة الكبرى.
وهناك آفة أخرى قد أصبح يتكلم في العلم الشرعي من ليس أهله، ولم يكسب أدواته حتى ذهبت كرامة العلماء، وأصبح العالم كغيره، هل كرمنا العلماء الذين قضوا وقد قدموا للوطن خدمات وأي خدمات...! ها هو ذا الشهيد الشيخ العلامة أحمد شطة الذي كان يحفظ صحيح البخاري عن ظهر قلب ورفع على الرؤوس في تونس لما تخرج ومات شهيدا في سبيل وطنه، هل كرّم؟ ، بل ربما لا يعلم القائمون بالأمر من هو الشيخ العلامة أحمد شطة؟!، وجده المعروف باسم التهامي مؤسس جريدة في تركيا تدعو إلى نبذ الاستعمار في السنوات ما بين 1914-1918.
ها هو ذا الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح عالم اللسانيات يكرم من دولة أجنبية ولم يكرم في بلده، بل كان يلاقي المصاعب والمتاعب حسب ما ذكر لي-رحمه الله تعالى-، تربطني به علاقة صداقة منذ أربيعين سنة خلت.
وأخيرا: لما هذا التجاهل والتغاضي عن علماء قدموا الكثير لهذا الوطن، أيليق بأمة جعلت للعلم عيدا أن تنسى أو تتناسى علماءها، وإن ذكرت تذكر بعضا دون البعض...!
للمقال صلة

 الحلـقـــة 2 و الأخيرة