طباعة هذه الصفحة

شكّـل سجالا سياسيا وجدلا

نظرة على الوضع القانوني والسياسي للمهاجرين الأفارقة

بقلم الأستاذة: عجال صبرينة باحثة في القانون العام

  الجزائر : التزام بالمواثيق الدولية الناظمة للهجرة

شكّل موضوع الوضع الحالي للمهاجرين الأفارقة سجالا سياسيا وجدلا قانونيا كبيرا، بسبب الوضعية التي يعيشها الأفارقة من جهة، وبالنظر إلى اللغط الذي عرفته الساحة الوطنية بسبب تصريحات بعض كبار المسؤولين الجزائريين وتعبيرهم عن موقف الجزائر من مسألة المهاجرين الأفارقة والإجراءات التي تعتزم السلطات الجزائرية اتخاذها تجاه هؤلاء المهاجرين.
وقد أثارت هذه المسألة العديد من التساؤلات والجدل السياسي وصل إلى حدّ التشكيك في مدى التزام الجزائر بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان الناظمة لمسألة الهجرة، لكن دون تقصي حقيقة الموضوع وتفحص طبيعة الوضعية الموجود عليها الأفارقة، وهنا ينبغي أن نشير إلى أن لا أحد يمكن أن ينكر بأن الجزائر من الدول الرائدة والتي تعمل بلا هوادة في الدفاع عن حقوق الإنسان ومناصرة القضايا العادلة، بشكل يجعلنا نقول إن التشكيك في أن الجزائر دولة عنصرية ـ مثلما يقول ويفتري البعض - لفهم خاطئ لبعض تصريحات كبار المسؤولين في الدولة الجزائرية، وهو أمر غير مبرر ويجانب الحقيقة والصواب.
توضيحـات لابـد منهـا
ولعلّ الرجوع إلى المواثيق الدولية والقوانين الوطنية الناظمة للهجرة والمعمول بها في هذا المجال، يفضي إلى تقديم التوضيحات التالية:
أولا: يجب الإشارة في البداية إلى أن مشكلة الهجرة الدولية عرفت وتعرف تزايدا مطردا في الآونة الأخيرة بسبب الحروب والنزاعات التي تشهدها بعض الدول، مثلما هو عليه الحال بالنسبة لبعض دول الساحل وجنوب الصحراء، وهو ما دفع بسكانها إلى الهجرة بحثا عن الأمن والسلام والاستقرار.
كما أنه وعلى الرغم من أن كل المواثيق الدولية تعترف بحق كل إنسان في التنقل والهجرة، إلا أنه يجب التمييز والتفرقة بين طائفتين من الهجرة، أما الأولى فهي الهجرة الشرعية التي تكون من خلال احترام والتقيد بالقواعد القانونية التي تحكم دخول وخروج الأجانب إلى الدولة، بينما الثانية هي الهجرة غير الشرعية أو السرية كما يصفها البعض، والتي تتم بصورة سرية دون مراعاة القواعد القانونية التي تنظم دخول المهاجرين إلى الدولة كالحصول على التأشيرة أو بطاقة الإقامة أو الوثائق القانونية الأخرى المستلزمة في مثل هكذا حالات، وهذا النوع من الهجرة غالبا ما يرتبط بالجريمة المنظمة العابرة للحدود، ذلك أن العديد من العصابات الإجرامية الدولية تقوم بتهريب المهاجرين وتنظيم رحلات للهجرة غير الشرعية، وتتخذ من هذا النشاط مصدرا للتجارة والربح على حساب حقوق الإنسان من جهة، واستقرار الدول وأمنها من جهة أخرى.
ولا يفوتنا كذلك التأكيد على أن الهجرة ترتبط ارتباطا وثيقا بمسألة تنظيم دخول الأجانب إلى التراب الوطني لأي دولة، والذي يعدّ من مظاهر فرض سيادتها على إقليمها وفق ما تنصّ عليه مبادئ وقواعد القانون الدولي ذات الصلة، ومن هذا المطلق فإن الدول قاطبة سنّت قوانين تنظم دخول الأجانب إليها، تنقلهم وإقامتهم بها، والجزائر بدورها لم تشذ عن هذا المنحى، حيث أصدرت القانون رقم 08 - 11 المؤرخ في 25 جوان 2008، حدّدت بموجبه مختلف القواعد والإجراءات التي تنظم وتحدّد شروط دخول الأجانب إلى الجزائر وإقامتهم بها وتنقلهم فيها.
وعليه، فإن تطبيق أحكام القانون المشار إليه أعلاه، يشمل كل أجنبي يدخل إلى الإقليم الجزائري، بطريقة قانونية ووفق الإجراءات والقيود التي حدّدها هذا القانون يعد مهاجرا شرعيا، أما إذا دخل الأجنبي إلى الجزائر دون مراعاة الشروط المحددة في هذا القانون، فإن الأجنبي يتحول إلى مهاجر سري تطبق في حقه التدابير المقررة قانونا لمثل هذه الحالة، وهو الوضع بالنسبة للمهاجرين الأفارقة الذي تشير بعض الإحصائيات إلى أن عددهم يقارب 100 ألف مهاجر معظمهم من دول جنوب الصحراء، وقد دخلوا التراب الوطني بطرق غير شرعية، كما أنهم يقيمون في الجزائر إقامة غير شرعية، وبالتالي هم مهاجرين غير شرعيين.
ثانيا: يجب التأكيد بأن مختلف قواعد القانون الدولي والقانون الوطني، حددت الإجراءات التي يستوجب اتخاذها في مواجهة الأجانب المقيمين في إقليم الدولة، ولو بصورة قانونية، لكنهم ارتكبوا أفعال غير شرعية، ومن ذلك القانون الجزائري رقم 08 - 11 المؤرخ في 25 جوان 2008، والذي أشرنا إليه سلفا، حيث حدَّدَّ الحالات التي تستوجب إبعاد الأجانب، وقد ذكرت الفقرة الثالثة من المادة 22 من القانون المذكور أعلاه الحالة الأولى، وهي الحالة التي يتبين فيها للسلطات المعنية أن الأجنبي المقيم يقوم بنشاطات منافية للأخلاق والسكينة العامة، أو أن نشاطاته تمسّ بالمصالح الوطنية، أو أن نشاطاته أدت إلى إدانته عن أفعال ذات صلة بهذه النشاطات.

أنشطـة تمـسّ بالمصالـح الوطنيـة

ويمكن الإشارة على سبيل المثال فقط لا الحصر إلى بعض النشاطات التي يمكن أن يقوم بها المهاجرون الأفارقة، والتي تعدّ مساسا بالمصالح الوطنية كارتكاب جرائم تزوير العملة الوطنية والأجنبية والإتجار بالمخدرات.
كما أن المادة 30 من القانون رقم 08 - 11 بيًّنت الحالات الأخرى لإبعاد الأجانب، وهي:
- الحالة التي يتبين فيها للسلطات الإدارية أن وجود الأجنبي في الجزائر يهدّد النظام العام و/ أو أمن الدولة، مع الإشارة إلى أن تقدير خطورة ما إذا كان الفعل يشكّل تهديدا للنظام و/ أو لأمن الدولة يبقى خاضعا للسلطة التقديرية للمصالح الإدارية المختصة؛
-الحالة التي يصدر في حقّ الأجنبي حكم أو قرار قضائي نهائي بعقوبة سالبة للحرية بسبب ارتكابه جناية أو جنحة؛
لكن ينبغي التذكير والإشارة إلى نقطة هامة جدا وهي أنه إذا كان الإبعاد والذي أشرنا إليها فيما سبق هو إجراء تتخذه سلطات الدولة في حق الأجنبي المقيم الذي قد يرتكب عملا غير شرعيا يمس بمصالح أو أمن الدولة، فإن الترحيل أو الطرد إلى الحدود يعد إجراء تتخذه السلطات الإدارية في مواجهة الأجنبي أو المهاجر الذي يوجد في وضعية إقامة غير شرعية أو غير قانونية.
علاوة على ذلك، فإن المادة 37 / 1 من القانون 08 - 11 استحدثت ما يسمى بالوضع في مركز الانتظار، وهو إجراء بموجبه يجوز للسلطات الإدارية المختصة إحداث مراكز انتظار، تخصص لإيواء الأجانب الموجودين في وضعية غير قانونية في انتظار طردهم إلى الحدود أو تحويلهم إلى بلدهم الأصلي، وقد استحدثت الجزائر مراكز انتظار في مدينة تمنراست لترحيل الأفارقة، وهي المراكز التي تتوفر على كل الشروط والظروف الملائمة لكرامة الإنسان، من منطلق التزام الجزائر بحماية حقوق المهاجرين وفق ما تنصّ عليه الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

الانتشار الرهيـب كيف ولماذا؟

يتضحّ من خلال ما درسناه أعلاه أن الجزائر حدّدت وبدقة مختلف الإجراءات القانونية الكفيلة بمحاربة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، بسبب الانتشار الرهيب الذي عرفته هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، وهذا بالنظر إلى أن الجزائر وبحكم موقعها الجغرافي المتميز، وكونها بوابة إفريقيا من جهة ونظرا لقربها من القارة الأوروبية من جهة أخرى، فإنها تعدّ القبلة المفضلة للمهاجرين غير الشرعيين لاسيما من دول الساحل الإفريقي، زيادة على أن حرص الجزائر على محاربة الهجرة غير الشرعية مرده تنامي الجريمة المنظمة العابرة للحدود بمختلف أشكالها وصورها (المخدرات، تزوير العملة الصعبة، ارتكاب الأعمال الإرهابية)، وانعكاسات ذلك على الأمن والاستقرار الوطني.
وتبعا لذلك، فقد قامت الدولة الجزائرية بتنظيم شروط دخول الأجانب، إقامتهم وتنقلهم في الجزائر، كما حدّدت الإجراءات والتدابير القانونية الواجب اتباعها ضد المهاجرين غير الشرعيين، والتي تتمثل في إجراءات الإبعاد من الإقليم، والترحيل أو الطرد إلى الحدود، مع توقيع مجموعة من العقوبات الجزائية على المخالفات المتعلقة بالهجرة غير الشرعية.ومع ذلك، فقد تمّ احترام الجانب الإنساني في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين، من خلال ضمان مختلف الحقوق التي يتمتع بها الشخص المرحل أو المبعد وفقا للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بالشكل الذي يدعنا نقول أن موقف الجزائر من مسألة المهاجرين الأفارقة موقف يستقيم ويتفق مع الالتزامات الدولية التي التزمت بها الجزائر في هذا الصدد، كما أنه موقف يتواءم مع ضرورات الحفاظ على الأمن الوطني من جهة، وتطبيق القوانين المعمول بها محاربة الهجرة غير الشرعية من جهة أخرى.