طباعة هذه الصفحة

لم تعترف بهزيمة حزيران واستنفرت كل القوى العربية ضد العدو الإسرائيلي

الجزائر ... دور حاسم في حرب أكتوبر 1973

بقلم: جودي عبد النور ماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر جامعة عين شمس ـ مصر

في 23 جويلية 1970م، عارضت الجزائر مبادرة وزير الخارجية الأمريكي روجرز  ROGERS التي كانت  تقضي بالاعتراف المتبادل مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967 م، تلك المبادرة    قبلتها مصر والأردن والسودان وليبيا ولبنان، ورفضتها سوريا والعراق ومنظمة التحرير الفلسطينية.
  مما هو جدير بالذكر في هذا المقام أن جمال عبد الناصر قد قبل مبادرة روجرز، ذلك لأن مصر قد استحال عليها نقل البطاريات الصاروخية المضادة للطائرات بسبب أنه كلما حاولت مصر بناء قاعدة صاروخية حتى ولو أثناء الليل تقوم الطائرات الإسرائيلية بتدميرها فورًا، لذلك قبل عبد الناصر المبادرة حتى ينقل مجموعة كتائب صاروخية شكلت الحائط الذي تدمرت عليه كل طائرة إسرائيلية إذا ما حاولت عبور قناة السويس وهذا الحائط الصاروخي هو الذي حمي القوات المصرية عند عبور قناة السويس خلال حرب أكتوبر1973.
 رفضت الجزائر هذه المبادرة، وتوترت العلاقات بين مصر والجزائر التي أمرت قواتها المتواجدة على الجبهة المصرية بالانسحاب. وأقامت مصر في الجبهة المصرية حفل تكريم وتوديع للقوات الجزائرية التي كانت مرابطة هناك. ولما وصل الجيش يوم 24جويلية  1970، خطب فيهم هواري بومدين وقال:« أنتم تعرفون بأن بلادكم رفضت مبدأ وقف إطلاق النار بدون قيد أو شرط؛ لأن ذلك يتنافى مع سيادة بلادنا، ويتنافى مع عقلية شعبنا، ويتنافى مع مبادئ الثورة الجزائرية».
 مما لا شك فيه أن القوات الجزائرية التي كانت متواجدة على الجبهة المصرية بغرب قناة السويس قامت بدور الدفاع والمرابطة ضد قوات العدو الصهيوني ومهما كانت أعداد هذه القوات أو قدرتها العسكرية، بصرف النظر عن أقوال وادعاءات الكائدين والكارهين لاتفاق وجهات النظر والمصالح بين مصر والجزائر والدور الذي قامت به الجزائر حكومة وشعبًا دور مسجل في التاريخ بحروف من نور لا ينمحي ما دامت الأمة العربية موجودة على ظهر البسيطة، وقد كان هذا الدور محورا في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، وانسحاب القوات الجزائرية لم يكن سوى موقف وطني للقيادة السياسية في الجزائر التي كانت ترى بضرورة استمرار الحرب وعدم وقف إطلاق النار، لكن هذه القيادة السياسية الجزائرية لم تكن على دراية ببعض الأمور التي كانت تتسم بالسرية والتي تخص القوات المسلحة المصري وخطط توزيعها وتنقلها والتي لم يكن في وسع القيادة السياسية في مصر _جمال عبد الناصر_ الإفصاح عنها بسهولة حتى ولو لأقرب القيادات السياسية .
بالرغم من التوترات التي كانت على الساحة بين مصر والجزائر، فإن هواري بومدين بعث ببرقية تهنئة إلى أنور السادات بمناسبة انتخابه رئيسًا لمصر. كان ضمن ما جاء فيها :« أعرب لكم باسم الشعب الجزائري وباسم جبهة التحرير الوطني والحكومة الجزائرية وباسمي الخاص بتمنياتنا الصادقة. وإن إجماع الشعب في مصر على اختياركم رئيسًا للجمهورية لدليل قاطع على الثقة التي وضعها في شخصكم للقيادة، والسير به نحو أهدافه  لتحرير الأراضي المحتلة والانتصار على الأعداء، كما هو في نفس الوقت تعبير عن إرادة شعب مصر الشقيق في مواصلة الكفاح والسير على الخط النضالي الذي تفرضه المعركة المصرية للأمة العربية جمعاء».
 ذكر هواري بومدين أيضًا إنه على استعداد لدخول المعركة، وإنه سيدعم الجمهورية العربية المتحدة إذا ما أرادت دخول الحرب حيث قال: « وإن الجزائر لا تزال على العهد في تأييدها ومناصرتها لشقيقتها مصر في كفاحها العادل من أجل التحرير والكرامة والعزة والحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني، وأؤكد لكم أننا على ثقة بأن أمتنا العربية بطاقاتها وإمكاناتها البشرية والمادية تستطيع أن تواجه قوى الشر والعدوان وتنتصر إذا ما صمدت وتمسكت بحقها المشروع» .
كان لدي أنور السادات قناعة بأهمية العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية مع الدول الغربية بصفة عامة والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة.  أعتبر ذلك مدخلا إيجاد حلول لمشكلات مصر ليس فقط السياسية بل الاقتصادية أيضا.
 عمد أنور السادات في بداية عهده إلى تحسين العلاقات العربية وإزالة التناقضات السياسية المصرية الموجودة على الساحة الدولية، وذلك لإدراكه بأهمية الموقف العربي والدولي لمصر خاصة أن المعركة التي كان من المنتظر أن تخوضها مصر كانت تستدعي العمل المشترك بين العرب كلهم وليس عمل الجمهورية العربية المتحدة وحدها؛ حيث أن إسرائيل كانت مدعومةً من الدول الاستعمارية الكبرى.
 في مطلع 1972م، كان على رئيس أركان الجيش المصري والأمين العام المساعد العسكري للجامعة العربية، الفريق سعد الدين الشاذلي، أن يقوم بزيارة الدول العربية للدعم العسكري للجبهة طبقاً لتوصيات مجلس الدفاع العربي المشترك؛ لكن أنور السادات قال له حرفياً: «أوافق على زيارة ليبيا والسعودية؛ لأنهما اللتان ستقدمان يد العون، أما الجزائر والمغرب والعراق فسوف يستفيدون دعائياً من زيارتك». أي أنه لا داعي لزيارة الشاذلي للدولة العربية المذكورة بما فيها الجزائر .
فذكَّره الشاذلي بمهمته كأمين عام قائلاً له: « أنت رجل عسكري، ولا تفهم في السياسة». ومع إصرار القائد العسكري المصري الذي كان يطلق عليه لقب «رومل «العرب، استجاب السادات وأذن له بالسفر للجزائر.
وصل سعد الدين الشاذلي إلى الجزائر  في أفريل 1972 وكانت هذه هي الزيارة الأولى بعد القطيعة التي حدثت بين مصر والجزائر عقب وقف مصر لإطلاق النار مع إسرائيل بموجب مبادرة روجرز في منتصف عام 1970، وكان الهدف من وراء هذه الزيارة أن ترجع المياه إلى مجاريها. والمتتبع للعلاقات المصرية الجزائرية يجد أن السنوات التي أعقبت النكسة حتى هذه الزيارة يجدها خالية من الزيارات، وبعدها سافر وزير الخارجية  مراد غالب إلى الجزائر في أفريل من نفس السنة، وبعدها أتى أنور السادات نفسه إلى الجزائر؛ إذ أحسّ(السادات) أنه لابد من عودة العلاقات المصرية الجزائرية إلى ما كانت عليه قبل خوض أي معركة مع  إسرائيل.
 قال سعد الدين الشاذلي: « أثناء لقائي مع بومدين تحدث لي بمرارة عن القيادة السياسية المصرية بدون أن يذكر اسم السادات»، وكان يقول: « أنتم في مصر تهاجمونني باستمرار وتقولون إنني أريد أن أُنصب نفسي زعيما على العرب بعد موت عبد الناصر، وإنني أريد أن تفهموا أنني لا أفكر في ذلك مطلقاً. إنني أريد أن أضع يدي في أيديكم بنية صادقة لطرد الإسرائيليين من أراضينا المحتلة».
   أبدى هواري بومدين اقتناعه برأي سعد الدين الشاذلي وهو دخول الحرب؛ ولكنه لفت نظره إلى المشكلات المعنوية والإدارية والاجتماعية التي تترتب على إرسال قوات جزائرية إلى مصر لمدة تطول أو تقصر انتظاراً لحرب قد تقوم وقد لا تقوم، وعلق بومدين على قول الشاذلي قائلا: «نحن الجزائريين دماؤنا ساخنة جدًا، إذا كانت هناك حرب فسنقاتل فإذا طالت المدة بدون حرب فقد يثيرون المشاكل لكم ولنا، وهذه المشاكل يمكن تلافيها إذا نحن أرسلنا الدعم العسكري _يقصد إرسال قوات مسلحة جزائرية_ بعد أن يتحدد موعد المعركة»، ويقول سعد الدين الشاذلي: «وكحلٍّ وسط اتفقنا على أن ترسل الإمدادات الجزائرية إلى الجبهة بناء على طلبنا، وبعد التبليغ بأن الحرب سوف تشتعل في أي وقت، وبحد أقصاه 90 يومًا من تاريخ طلب هذه القوات».
 لم يوافق أنور السادات على طلب بومدين في ضرورة تحديد موعد الحرب وإبلاغ الجزائر به وحيث كان وقت الحرب سرا خافيا لم يكن من المناسب ولا من الممكن إبلاغ أحدا به، فبعض وحدات الجيش المصري التي عبرت القناة لم تعلم أن هناك حربا ضد إسرائيل إلا قبل ساعات من نشوب الحرب .
لقد كانت جموع الشعب المصري، خاصة شباب الجامعات كانت تضغط على أنور السادات بإعلان حرب تحرير واستعادة سيناء، ومما لا شك فيه أن ذلك كان ضمن المحركات التي حركت السادات لاتخاذ قرار الحرب ضد إسرائيل، إلا أن السادات لم يكن بوسعه فعل ذلك إلا بعد استكمال الوحدات العسكرية وتدريبها وتسليحها بأسلحة حديثة تمكنها من مواجهة العدو وكسر إرادته وتدمير قواته خاصة وأن المعركة مع إسرائيل كانت تتطلب معركة دقيقة ومضمونة لكيفية عبور القوات المصرية للمانع المائي وهو قناة السويس.
 في الوقت نفسه، كانت الصحف المصرية تضغط على أنور السادات من أول يوم تولى فيه الحكم لمواصلة الكفاح حتى الوصول إلى الهدف المنشود واسترجاع الأراضي المسلوبة  1967م.
 في تلك الظروف حضر زكريا محيي الدين إلى الجزائر لاطلاع بومدين على النتائج المتوصل إليها من الاتصالات مع بريطانيا للبحث في الطلب الخاص بإعادة العلاقة السياسية معها، وهذا يعكس اهتمام الدول العربية كلها خاصة مصر بعودة العلاقات مع القوى والدول الغربية التي كانت لها اليد العليا في النكسة التي تكبدتها مصر في 5 جوان 1967م.
ولقد صرح هواري بومدين لصحيفة جون أفريك بأننا : « لسنا خياليين ولكننا ثوريون, نؤيد الوحدة العربية التي لا تستهدف تصفية المقاومة الفلسطينية أو التعاون مع النظام القائم في الأردن».
حيث يعبر بومدين عن رفضه للصراع الفلسطيني الأردني الذي وقع في سبتمبر الأسود1970 مما أضر بالقضية العربية والفلسطينية , وكان بومدين لا يتفق مع ما تتوصل إليه مؤتمرات القمة العربية التي كانت غير مجدية في نظره .
وقال: «و لعل من الضروري أن نعرف دواعي هذه الاجتماعات التي كانت من أجل الإسراع في إيجاد تسوية للقضية الفلسطينية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الأسس التي نتوخاها في تسوية هذه القضية ؟ فهل ننتظر قرار مجلس الأمن، أم مشروع روجرز، و كيف لشعبنا أن يقبل مثل هذه الأسس ؟».
  كانت الجزائر بلا شك متكاتفة مع الموقف العربي في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وطالبته الجزائر في 10 أكتوبر 1971بضرورة الانسحاب العاجل من والشامل غير المشروط للقوات الإسرائيلية من جميع الأراضي العربية وقد صرّح وزير الخارجية المصري مراد غالب يوم 5 أفريل 1972م أنه لمس استعداد الجزائر لدعم الموقف العربي بلا حدود  وتقديم كل المساعدات الممكنة إذا أُعلنت الحرب، وذكر أن الجزائر مصممة على إبرام صفقات لشراء الأسلحة الحديثة ردًا على ما تتلقاه إسرائيل من مساعدات تهدف إلى النيل من معنويات القوات المسلحة المصرية. ونفي مراد غالب ما تردد عن أن ثمة قوة هي التي تملي على مصر سياستها، حيث قال: «أن مصر هي التي تقرر السياسة التي تريدها».
قال مراد غالب: أن علاقة مصر بالاتحاد السوفيتي تمثل القاعدة الأساسية للدعم السياسي والاقتصادي  والعسكري.

يتبـــع