طباعة هذه الصفحة

لم تعترف بهزيمة حزيران واستنفرت كل القوى العربية ضد العدو الإسرائيلي

الجزائر ... دور حاسم في حرب أكتوبر 1973

بقلم: جودي عبد النور ماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر

 الحلقة (2)

 في الخامس من ماي 1972 قام السادات بزيارة الجزائر حيث صادف هذا نفس اليوم الذي زار فيه جمال عبد الناصر الجزائر قبل 9 أعوام. وقد أبدت الجزائر استعدادها لاستقبال السادات؛ حيث كانت هذه الزيارة فرصة لفتح باب الحوار بين البلدين والذي كان توقف لأسباب سبق لنا الإشارة إليها  وكان الهدف من هذه الزيارة، أنها زيارة لمناقشة عدة قضايا مهمة أولها: عودة اللقاءات الودية بين مصر والجزائر بعدما أصابها فتور بعد قبول مصر لمبادرة روجرز 1970، وثانيها تعبئة الإمكانات وكيفية التخلص من الاستعمار الصهيوني الذي احتل الأراضي العربية منذ النكسة ومعرفة حقيقة الموقف في حوض البحر المتوسط. ومما هو جدير بالذكر أن هذه كانت  الزيارة الأولى لأنور السادات إلى الجزائر ولقاءه بهواري بومدين. ومن الواضح أن السادات ألا تصل العلاقة إلى نقطة اللاعودة بين الجزائر والقاهرة. لذلك اعتمد أسلوب المصارحة المباشرة فرأي أن يزور الجزائر ويلتقي مع هواري بومدين، الذي رحب بدوره بالفكرة واعتبرها تتوافق مع سياسته التي تدعو إلى قيام موقف عربي موحد ضد الأخطار الخارجية الموجهة ضد البلاد العربية.

زيارة أنور السادات إلى الجزائر 1972:

 لما وصل أنور السادات ونزل من الطائرة تعانق مع هواري بومدين، وأطلقت المدفعية الجزائرية 21طلقة لتحيته وتحية العقيد معمر القذافي الذي كان بصحبته ولما توجّه الرؤساء الثلاثة إلى قصر الشعب غصَّت الطريق بالآلاف من الناس الذين كانوا يهتفون بحياة الرؤساء وحياة الصداقة بين مصر وليبيا والجزائر وحياة الشعب الفلسطيني، كما حُملت أعلام الجمهورية العربية المتحدة وأعلام الجزائر، وقدم محافظ العاصمة مفتاح المدينة كإهداء للرئيسين.

هواري بومدين.. الخطاب المؤثر

ألقى هواري بومدين خطابًا على مسامع كل من أنور السادات ومعمر القذافي قائلاً: «لقد أتيتمونا سيادة الأخ الرئيس من بلد عزيز علينا عريق الحضارة أصيل التقاليد، رسول شعب يقدر التضحية حق تقديرها، وهو الذي هزم الصليبيين بالمنصورة، وأعاد لمصر شريان حياتها بتأميم القناة وصمد أمام العدوان الثلاثي بالأمس القريب وحقق الجلاء، وأقام السد العالي؛ رمز جرأة الإنسان العربي، وقدرته على مجابهة التحديات، مما يؤكد ثقتنا في أن شعب الكنانة العظيم سيخرج من محنته منتصرًا عزيز الجانب موفور الكرامة».
  نقلت صحيفة الأهرام خبرًا عن صحيفة المجاهد يقول: « إن اجتماع القمة بين الرؤساء الثلاثة سوف يقوي التضامن العربي في مواجهة العدوان الإمبريالي».
 في أثناء زيارة أنور السادات إلى الجزائر، أهدى إلى مجلس الثورة الجزائري وعلى رأسه هواري بومدين وشاح النيل كدليل محبة وإخلاص. ووصف مراد غالب اللقاء الذي جمع بين الرؤساء الثلاثة  بـ «الاجتماع التاريخي»، وقال:« إن السادات والقذافي وهواري اتفقوا على الاستمرار في الكفاح ضد الاستعمار». وضد غطرسة الصهيونية، واعتداءاتها على البلدان العربية .
 أجريت مباحثات بين الرؤساء الثلاثة تمخض عنها العديد من القرارات :
منها : تعبئة كل الطاقات، وتجنيد الإمكانات لخوض المعركة الحتمية المصيرية، وتعزيز الكفاح التحريري للمقاومة الفلسطينية، كما دعا الرؤساء إلى توحيد الصفوف واعتبروه الضامن الأساسي لحماية مسيرتها ضد مؤامرات التصفية التي تعرّضت لها الأمة.   
كتبت وكالة الأنباء الجزائرية يوم 6 ماي تقول : « إن اللقاء الذي يجمع لأول مرة بين الرؤساء السادات والقذافي وهواري بومدين من شأنه أن يساعد على التوصل إلى أفضل الحلول لدعم النضال ضد العدو المشترك، وإن الجزائر تقدر خطورة الموقف بطريقة موضوعية، وتعتبر نفسها مجندة تمامًا للمعركة وإن المعركة هي الطريق الوحيد المؤدي إلى السلام  العادل والدائم لضمان حق الشعوب العربية في استعادة أرضها».
 في ذكرى استقلال الجزائر بعد شهرين من زيارته إلى الجزائر صرح السادات قائلا :
« لسوف تبقى ثورة الجزائر دائمًا وأبدًا رمز الأمة العربية وعلامة بارزة في تاريخها ودعامة قوية لكل كفاح على الأرض العربية ». قائلا : «إذا كانت الأمة العربية تخوض أعتى معاركها ضد القوى الاستعمارية والصهيونية، فإن التضامن بين شعوبنا سوف يضع خدماتها وتجاربها الثورية وقصارى طاقاتها ليكون لانتصارها بعون الله النتيجة الحتمية والوحيدة في هذه المعركة» .
 كان هذا الخطاب موجّهًا إلى الشعب الجزائري؛ للمساهمة في المعركة القادمة التي سيكون من أهدافها تصفية الاستعمار.
  لعب سعد الدين الشاذلي ومراد غالب وأنور السادات دورًا كبيرًا في إعادة العلاقة بين الجزائر والقاهرة بعد فترة كان يسودها التمزق والانعزال بعد النكسة، وخاصة قبول مصر قرار وقف إطلاق النار عقب مبادرة روجرز 1970م.
.. عندما تتعهد الجزائر بدعم صندوق الدفاع العربي

 في يوم 25 جانفي 1973م، تعهّدت الجزائر بدعم صندوق الدفاع العربي بالقاهرة ؛ حتى يتم الإعداد الجيد للحرب القادمة ضد العدو الصهيوني التي كانت تلوّح في الأفق .
 كتبت صحيفة الأهرام خبرا بعنوان: «بومدين يدعو إفريقيا لقطع وتجميد علاقتها بإسرائيل» في افتتاح المؤتمر الرابع للنقابات الجزائرية كان ضمن ما جاء فيه لقد: «طالب هواري بومدين الدول الإفريقية بتوضيح موقفها من الاحتلال الإسرائيلي لبعض الأراضي العربية»
بالرغم من الجهود السياسية والدبلوماسية التي بذلتها مصر والدول العربية منذ عام 1967 لإيجاد حل سياسيي لأزمة الشرق الأوسط فإنها لم تحقق الحل السلمي، والأمر الأكثر خطورة من ذلك هو أن الولايات المتحدة الأمريكية تعهدت في مذكرة قدمتها لإسرائيل عام 1972م بأنها لن تتقدم بأي مبادرة سياسية جديدة في الشرق الأوسط قبل مناقشتها مع إسرائيل. ومن المعروف أن « ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» وتلك مقولة جمال عبد الناصر، وخلاصة رؤيته مع قوى البغي الصهيوني من الاستعمار والاحتلال الصهيوني.
 على كل حال فقد كان القرار الأمريكي خطرًا على الدول العربية المتنازعة مع إسرائيل؛ إذ وضعت مصر بين أمرين؛ أولهما القبول بالأمر الواقع بمساوئه السياسية والاقتصادية والمعنوية، أو خوض حرب جديدة ضد إسرائيل في ظل الظروف السياسية والعسكرية الصعبة لمصر.
 في هذا المجال يذكر محيي الدين عميمور: «السيد «بيير موروا Pierre Mauroy ، أول رئيس وزراء في الحكومة  الفرنسية التي شكلها فرانسوا ميتران François Mitterrand ، وبحضور «محمد عنتر» داوود القنصل الجزائري العام وأعضاء الوفد الجزائري، قال لي إنه ذهب إلى إسرائيل في جويلية 1973بصفته مبعوثًا لأمين الحزب الاشتراكي الفرنسي فرانسوا ميتران، ليطرح على رئيسة الوزراء الإسرائيلية، وبطلب من الرئيس أنور السادات، إمكانية تحقيق حل سلمي بين مصر وإسرائيل، ولكن جولدا مائير رفضت العرض».
 من المعلوم أن مصر كانت ولا تزال تضمد جراحها؛ فقد كانت قد مرت بأربعة حروب في 25 سنة سبقت حرب أكتوبر، حيث شاركت في حرب فلسطين عام 1948م، ثم واجهت العدوان الثلاثي 1956م، ثم كانت حرب جوان 1967م التي هزمت فيها القوات المصرية هزيمة منكرة، ثم حرب الاستنزاف التي استمرت 1967 حتى 1970.
 لأجل هذا؛ كانت مصر في أمس الحاجة إلى الدعم العربي لها من الناحية المعنوية والسياسية والعسكرية والمادية، وقد كانت أزمة الثقة التي أسفرت عنها حرب جوان 1967 لا تزال تخيم على مصر وعلى الساحة العربية مما فرض عليها مناخًا من الخوف والحذر والتردد .
  لمس أنور السادات قوة وتأهب هواري بومدين لدخول الحرب جنبا إلى جنب مع مصر من أجل تحرير الأراضي المحتلة وتصفية الاستعمار والقضاء على الإمبريالية في المنطقة العربية خاصة أن، هواري بومدين قد أرسل للسادات برقية يؤكد فيها تضامن الشعب الجزائري مع مصر قائلًا له: «يطيب لنا أن نعبر لكم من جديد عن تضامننا المطلق الذي يلتزم به الشعب الجزائري تجاه الشعب المصري الشقيق، وإننا نعرب عن ارتياحنا للقاء المثمر بالقاهرة وأديس أبابا والذي يشكل بلورة للعلاقات الأخوية وقوة واضحة للتضامن العربي الإفريقي».
 عبر بومدين عن جاهزية الجزائر للدخول عسكريا إلى جانب مصر في معركة المصير القادمة ضد إسرائيل التي تحتل الأراضي العربية، وخلال مؤتمر القمة الأفريقي بأديس أبابا سعى السادات بكل ما أوتي من قوة لكي يوضح لرؤساء الدول الأفريقية مخاطر إسرائيل وعدم تنفيذها لقرارات الأمم المتحدة بالانسحاب من الأراضي المحتلة بعد 1967، وأكد السادات على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وقد كان ذلك المؤتمر في ماي 1973 فرصة ذهبية لدعوة الدول الأفريقية لمقاطعة إسرائيل.
قال أنور السادات لبومدين وقتها بأنه قرر أن يدخل الحرب؛ لأنه فقد الثقة بأي حل سلمي، ولم يحدد الوقت المناسب للحرب. فأجابه بومدين، وهو يتذكر حواره مع الفريق سعد الدين الشاذلي: « لست أريد منك تواريخ محددة، كل ما أريد معرفته هو ما الذي تريد منا تقديمه بالضبط، ومتى تريد ذلك لتكون له فعاليته المطلوبة؟».
 كان قد تفهم عقلية أنور السادات من خلال متابعته الدقيقة لما يحدث في مصر عبر ما كان يُقدم له من تقارير، ومن خلال الحوار مع بعض الإعلاميين المصريين وكذلك مع الفريق الشاذلي، وكان اهتمامه الأكبر بالشعب المصري نفسه. وبضرورة الإعداد لمعركة عبور قناة السويس لاسترداد سيناء والأراضي العربية المحتلة.