طباعة هذه الصفحة

تحدّيات الاقتصاد الجزائري

الأولويـات الثمانيـــــة للسيـاسـة الإقتصـاديــة والإجتمـاعيــة

بقلم الدّكتــــور: عبــد الرّحمـــــان مبتــــــول   خبيــــــر دولــــــي

-1- المصالحـــة الوطنيـــة وتعديـل الدّستـور

لو تطلّب منّا الأمر إعادة النقاط المدرجة سابقا، فإنّنا نؤكد بأنّ الأولوية الأولى هي إعادة السلم المدني  وذلك بتذويب أخلاقية تخلق عميق للحياة السياسية، والإقتصادية والإجتماعية، وتنمية شاملة ودائمة.
 إنّ وضع ميكانيزمات شفافة، هو الضمان الوحيد لعودة الثقة التي هي أساس كل إستثمار، للتنقل الحرّ للأشخاص والثروات. وبهذا يضمن الأمن والملكية الحرّة.
الرّجوع إلى تنمية موجّهة حول خلق مناصب شغل بقيمة زائدة، في إطار التقسيم العالمي للشغل، والذي هو أيضا في تغيير وتحوّل مستمر، ويتمثل أساسه في إصلاح الدّولة، المدرسة، القانون والإقتصاد (إذ نعلم بأنّ النظام المالي هو أساس الرّهانات بين مناصري التفتح وأصحاب الدّخل).

 

 فأنا أعتبر أنّ تحقيق المصالحة الوطنية هو الطريق الأنجح نحو إنشاء جبهة داخلية صلبة ودائمة تخدم الإصلاحات.
 وبالرّغم من تعقد هذا الأمر وحساسيته، فإذا تحلّينا بروح التسامح، واقتنعنا بمحاسن التشاور والحوار المستمر بين جميع المكوّنات الدّاخلية للقوى الإجتماعية وضرورة التواصل للثقافات والحضارات بين الشرق والغرب، مع الأخذ بعين الإعتبار ضرورة التفتح على العصرنة مع المحافظة على أصالتنا، فأنا متيقن بأن في الغد القريب، سيجد شعبنا، وبدون شك، الموارد الأخلاقية والبسيكولوجية التّي ستمكنه على التفوّق والتغلب بكل كرامة وشرف على الأحقاد والكراهية الصلبة، وقد برهن هذا الشعب الأبي على تمكّن هذا عدّة مرات لما قابلته الشدائد والمصائب.

-2- إنتهـاء البيروقراطيـــة

مع تحسين الجانب الأمني لا يزال الإستثمار الوطني والأجنبي يشهد إنخفاضا يرجعه الملاحظون إلى الحواجز البيروقراطية بنسبة 60 بالمائة، حيث ينعكس تأثير الخدمة العمومية على نوعية الخدمات التي يقدّمها للشعب، ممّا يتطلب تحسين هذه الخدمة العمومية وتقليص تكاليفها، لأنّ هذه المصالح الجماعية بالرّغم من أنّها تتوفر على مبالغ مالية هامّة، فإنّها لم تشهد تحوّلات وتغيّرات هامّة منذ الإستقلال السياسي.
فمصالح مثل الإدارة المركزية والمحلية، والجمارك، والضرائب ومصالح أملاك الدّولة تتّجه نحو العمل منغلقة على نفسها كسلطة بيروقراطية مع أنّه يفترض عليها أن تتعايش مع البيئة الوطنية والدّولية ويبقى الهدف المنشود هو إشراك المجتمع المدني الذي يعتبر مؤشر جد إيجابي على حيوية كل مجتمع عبر شبكات لا مركزية، كما أنّ النظرة البيروقراطية تسيطر على مجموع الحلقة الإقتصادية والإجتماعية وتطال أيضا القطاع الإقتصادي لتشكل حلقة جديدة تستمد البيروقراطية قوتها منها.
 في هذا المجال فإنّ العدد الكبير للجان والإجتماعات بما ينجر عنها من تكاليف، يظل يتناسب مع تعطيل القرارات وحالات التردد وفي هذا الإطار يتطلب الأمر إدماج الحلقة غير الرسمية للإقتصاد المشكلة من المقاولين الشباب النشطين في كل المستويات من خلال ميكانيزمات شفّافة ودائمة ومن بين هذه الميكانيزمات إستخراج عقود الملكية مثلا، ويضاف إلى هذا أولوية دعم بناء الدّولة على إعتبار أنّ المواطنة تقاس بالتقدم المسجل في دفع الضرائب المباشرة.

-3- إصـلاح وتــشــكـيـل المنظـومـة التربـويـــــة

 تعدّ هذه الأولوية أولى الأولويات نظرا لانخفاض مستوى التعليم، والتسرب المدرسي وعدم التكيف مع البيئة وأنّه علينا التأقلم مع تطور العالم، كما أنّ تجربة البلدان التي نجحت في تحقيق التطور والتنمية تؤكد بأنّ المادّة الرّمادية (العلماء) تشكل أساس رفاهية هذه الدّول، وانطلاقا من هذا فالمطلوب هو أن تولى أهميّة خاصّة للطليعة والنخبة في بلادنا بوضع حدّ لهجرة الأدمغة التي تمثل نزيفا خطيرا والمطلوب أيضا هو تنشيط للكفاءات الجزائرية بالخارج من مهاجرين وأبناء الوطن.
 في هذا السياق فإنّ الطبقات المتوسطة التي تشكل قاعدة كل سلطة والإسمنت الضروري لأي نمو سيعاد لها الإعتبار بتفادي تقهقرها إلى مستويات أقل على اعتبار أنّ أساس كل عملية تنمية هو الإنسان المفكر والمبدع وتعتبر إعادة بناء المنظومة التربوية الإجتماعية من الإبتدائي حتّى التعليم العالي مرورا بالتكوين المهني أولوية. فالقرن الواحد والعشرين هو قرن سيادة وسيطرة الإعلام الذي له تأثيرات على جهازنا الإجتماعي التربوي بالإنتقال من عصر الماديات والمحسوس (مرحلة القرن العشرين) إلى عصر العلم (مرحلة القرن الواحد والعشرين) مع التطوّر الشاسع الذي تحدثه التكنولوجيات الجديدة.

 -4- قـانــــون لتنظيــــم جديــــــد للإقتصــــــاد الوطنـــــي مـــن أجــــل التنميـــة المستدامـــة

من أجل نظرة منسجمة وأكثر فعّالية يجب تجنب الخطب المتناقضة من أجل تنشيط وتحريك مجموع شبكة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبر التكامل بين الخوصصة والإستثمار وهذا وفق نظرة إستراتيجية. إذن فالهدف من هذا التنظيم الجديد هو تحقيق الإنسجام والتوافق بين الإستثمار الجديد وطنيا كان أو دوليا، من جهة والخوصصة، بحسب مسعى جديد لإعادة الهيكلة، ورفع الإحتكار بعيدا عن كل نظرة بيروقراطية في إطار التنافس.
 هذه هي الطريقة الوحيدة لتفادي إستمرار التبعية للمحروقات، ومن أجل الزيادة في الإنتاج والصادرات خارج قطاع المحروقات الذي يعد عاملا هامّا للعودة إلى النمو الإقتصادي، وعليه يتوجب علينا أن تتوفر لدينا رؤية أخرى للزوج: “إعادة هيكلة ورفع الإحتكار والخوصصة”، فهذه المصطلحات الثلاثة، تتكامل فيما بينها لكنها لا تتقاطع فرفع الإحتكار لا يجب أن يكون من إحتكار عمومي إلى إحتكار خاص في إطار تنافسي بل عليه أن يشجع الإستثمار بكل أشكاله، آخذا بعين الإعتبار المعطيات الدّولية الجديدة والمصالح ذات الطابع التّجاري والتسويقي.
 يتعلّق الأمر مستقبلا بوضع حدّ للإجراءات البيروقراطية الحالية خاصّة انّه في جو العولمة ستصبح المنافسة أكثر حدّة وشراسة فالوقت هو المال، ورؤوس الأموال تستثمر في القطاعات التي تكون فيها الحواجز والموانع أقل.

-5- إصــــــلاح النظــــــام الـمـالــــــي

يجب أن يشكل تنشيط التوفير والإدّخار وفعالية الوساطة المالية لتفادي عمليات التطهير المالي المتكررة الناتجة عن عجز القطاع العمومي، أولوية أنّ هذه العوامل إذا أضيفت إلى الدّيون العمومية ستؤدي إلى حالة إنسداد. فالهدف هو أن نتجنب مستقبلا أن تتحول البنوك إلى مكاتب إدارية لا مجال لتعرضها إلى مخاطر وتبقى بذلك بعيدة عن التحوّلات المالية الدّولية. إن العمل يتمثل في نظرة شاملة للتنمية من أجل إدخال وإسهام الوساطة المالية غير الرّسمية التي تمثل ما بين 40 و 50 بالمائة لإعطاء الطابع البنكي للإقتصاد. يبقى مطلوبا الآن الإسراع في إعادة هيكلة الفروع المتخصصة للبنوك باعتماد نظام حالة بحالة وبنظرة براغماتية وإدخال تكنولوجيات جديدة للإسراع في العمليات البنكية.

 -6- تنشيــط الزّراعــــــة والــرّي

نظرا للجهود المبذولة والمسجلة في التقويم الذي جرى بين -2000 /2017 في إطار عملية إعادة هيكلة شاملة للإقتصاد فإنّ الإهتمام الخاص يجب أن يولي إلى الفلاحة بمشكل العقار الذي يطرح فيها وكذلك قطاع الرّي الذي سيصبح مشكلا هامّا في قرننا الحالي لأنّ الفاتورة الغذائية تسجل إرتفاعا يوما بعد يوم خاصة وأنّنا نستعد للإنضمام إلى المنظمة العالمية للتّجارة.

-7-  تضـامـن وطـني أكـثـر بفضـل دور الدّولــــــة المنظمـــــة ( الضابـط )

 لا يوجد اقتصاد سوق خصوصي على الطريقة الجزائرية، بل هناك قوانين كونية ( على مستوى المعمورة ) بخصوصيات اجتماعية، التي هي منبع للإثراء على مستوى المعمورة لهدف تحفيز و تفضيل حوار الثقافات. إنّ الليبرالية ذات المقصد الاجتماعي ليست متناقضة مع الدور المهم للدولة، التي هي قوية من خلال نشاطها كضابط ( حيث أن هذه القوة التي تميز الدولة تجد جذورها في أخلاقياتها التي تسمح بدمقرطة المجتمع ). لهذا، فإن التخطيط بحسب وجهة نظرنا، لا يمكنه أن يعبر أو يغطي في اقتصاد السوق، ما كان يعبر عنه أو يغطيه في المعسكر الشيوعي السابق، بل هنا يهتم بوسائل إسناد توجيهية ترتكز على مؤسسات خاصة، من ضمنها النظام الجديد للتنبؤ والإعلام الناجح داخل نظام مفتوح على المنافسة النزيهة والقانونية، مثل ما هو ساري في فرنسا من خلال المعهد الوطني للإحصائيات والدراسات الاقتصادية  INSEE .
من هنا تتضح أهمية اللجوء لتفكيك كل احتكار مهما كانت طبيعته، عام أو خاص، و لهذا على آليات إعادة التوزيع أن تكون شفافة خاصة خلال هذه المرحلة الصعبة للتسوية الهيكلية كما عليها أن تبتعد عن الوصاية البيروقراطية، وبتوجيه الاستفادة من ثمار هذه الآليات نحو من هم في حاجة لها من خلال نشاطات حقيقية للتضامن عبر قنوات مرنة و لا مركزية و تدمج بطبيعة الحال المجتمع المدني.
الإقتصاد والإجتماع هما مرتبطان جدليا ولكن دون نسيان أبدا، أن الأمة ليس في إمكانها أن توزع إلا ما أنتجته سابقا إذا أرادت أن تتفادى تنمية سلبية ميزتها البطالة و التضخم وثقل الدين الداخلي والخارجي. هذا الفحص يقودنا للتعجيل بإعادة تأهيل قيمة العمل.
إنّ الانشغال الدائم هو ضمان وتأمين التلاحم الاجتماعي، وعلى أساس الإقتناع أن المجتمع الذي يقصى مآله الإخفاق. ولهذا السبب فإن نشاطنا يطرح ضرورة التنسيق والملائمة بين الديناميكية الاقتصادية والديناميكية الاجتماعية. لهذا أيضا، فإن النشاط الذي سيمتد بين - 2018/2025 عليه أن يعمل على تفادي التصدع الاجتماعي، خلال هذه الفترة المتميزة بالتسوية الهيكلية. زيادة على ذلك من اللازم تدعيم التضامن الاجتماعي الذي أكدنا عليه في مدخل هذا التقرير، من خلال إرساء آليات إجتماعية للضبط التي تكون متضامنة مع الآليات القانونية والإقتصادية.      
أيضـا، إن نشاط  المرحلة /8/2025201، سيتمحور أساسا حول الحوار الدائم والمشاورة الاجتماعية في إطار العقد الاجتماعي مع هدف تحصيل نمو مبني على المعرفة و محاربة البطالة من خلال خلق مناصب شغل ذات منفعة. هذا العقد سيهم الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين الموجودين على الساحة، كما سيهم مجموع المحاور الأخرى للمجتمع.
بصفة عامّة، إن رؤيتنا للتنظيم والترتيب الاجتماعي هي مرتبطة بالتسيير الجديد للموارد البشرية التي تدمج مسؤولية جماعة العمال من خلال التعددية النقابية، وتشجيع كل الأشكال الجمعوية ذات الطابع الاجتماعي، والتكفل الأحسن بالمحيط بتفضيل الحوار. إن الدولة الضابط تنمي فعاليتها من خلال قنواتها، دون أن تخل بتوازن المؤسسة التي انشغالها الوحيد هو إنتاج الثروات.
 إنّ الهدف الأسمى هو العمل. على أن يكون للاقتصاد مردودية، مع العمل على ضمان التلاحم الاجتماعي من خلال تعميم التسيير الفعال الذي عليه أن يكون القاعدة والمقياس، أما الطابع الخاص للنشاط الاقتصادي لا يمنع أبدا التوزيع الصحيح من خلال إرساء نفس القواعد للحصول على الثروات.
في هذا الإطار، من اللازم إعادة النظر في تشغيل وتسيير صناديق الضمان الاجتماعي و صناديق التقاعد بالعمل على أساس قاعدة تثبيت مؤشرات على الأسعار التي من اللازم الاحتفاظ بها خلال فترة التسوية الهيكلية للنظام، وبحسب التوازن الديمغرافي الجديد والعمل على تحفيز الرسملة الفردية لبناء تكميلات للتقاعد، من خلال الشروع، منذ اليوم في تموينها، وهذا لسبق الانخفاض المستقبلي المترتب عن النمط التضخمي. لا يمكن أن نضحي بأي شكل من الأشكال بالطبقات الحساسة ( الأرامل، الشيوخ، المعوقين...)
 إنّ محاربة الإقصاء والفقر عليها أن تدعم التلاحم الاجتماعي و الفعالية الاقتصادية التي تضمن أخلاقية وأدبيات الدولة حتى من خلال قنواتها اللامركزية. إن الهدف الأساسي هو إيجاد تنسيق بين التنمية والمساواة ( العدل ) من خلال سياسات إعادة توزيع المداخيل من خلال قناة ميزانية الدولة بدون أن يكون ذلك حاجزا أمام حرية المقاولة.

-8- مــن أجــــل مجتمـــع أكثــــر شراكــــة مـــن خـــلال إدمــــاج كـــل النـاشـطـيــــن المحلييــــن

 في إطار بناء دولة القانون، من اللازم ملائمة وانسجام كل القوانين والتشريعات. لهذا يجب:
- إعادة النظر في مجموع النصوص القانونية خاصة منها قانون الولاية لإنجاز اللامركزية والجهوية فيما يخص القرارات الاقتصادية التي هي قاعدة لاقتصاد السوق على مختلف المستويات المتداخلة والمرتبطة ببعضها البعض.
- اللامركزية التي لا تعني تحويل أماكن القرار، بل يتعلق الأمر باللامركزية على المستوى المحلي خاصة منها المجالس الشعبية البلدية من خلال حذف الهياكل الإدارية الوسيطية، آخذين بعين الاعتبار خصوصيات الجنوب.
- خلق مجالس جهوية، من خلال فتح ملف الجهوية الذي لا يمكن خلطها مع الجهوية السلبية الإقصائية. على هذه المجالس أن تنشط داخل محاور مختلفة في إطار التعاون الواسع بين غرف التجارة الجهوية ( مقاولون خواص وعموميون)، البنوك و مؤسسات التأمين، الجامعات، مخابر البحث، الإدارة المحلية داخل الأقطاب الاقتصادية.
إنّ الهدف هو السماح لمشاركة السكان المحليين لاختيار مستقبلهم دون انتظار التدخلات الإدارية المركزية. يفهم من هذه المجالس الجهوية، المجالس التي تنشط في إطار المزايا المتبادلة للجهات من خلال التوجيهات الانتقائية، إن الاستثمار هو لا مركزي على مستوى المتعاملين الاقتصاديين. أما الوالي فهو مكلف بتمثيل الدولة، من خلال الهياكل الإدارية. إنه يعمل على رفع كل قيود المحيط التي تعيق مسيرة المبادرات.
كما تم التطرق له آنفا، التحولات الاقتصادية الحاصلة منذ بعض السنوات في بلادنا، بما فيها تلك المنتظرة بأن تحصل في المستقبل القريب ستجد بالضرورة تفسيرا لها في التحولات ذات الطابع الآلي المخصصة بالتكفل وتنظيم إدماجها في إطار نظام اجتماعي الذي هو نفسه المستقبل. النجاح التام لهذه الأعمال يبقى خاضعا لتوفير بعض الشروط نذكر منها:
-         إنتاج ثقافة سياسية شراكاتية،
-          الاتصال (تنقل المعلومات) المؤسساتي الفعال،
-          تهيئ أرضية للتفاهم السياسي الجديد الذي سينبثق عنه أغلبية معبرة داخل الجسم الاجتماعي وحول مشروع مجتمع حقيقي،
يتعلق الأمر هنا، بعمل مهم و واسع يتضمن أساسا:
-         إعادة النظر في التهيئة الفعالة لسلطة الدولة،
-          إعادة هيكلة النظام الضريبي،
-          إعادة تنظيم الساحة الإعلامية والإتصالاتية،
-          إعادة تنظيم الحركة النقابية والجمعوية بصفة فعالة لأنها قاعدة الحكم الراشد.