طباعة هذه الصفحة

تبدأ بالجغرافيا السياسية والصراع الداخلي وخروقات العقود

إدارة مخاطر السياسة العالمية

خالد رحماني

في بداية هذا الشهر صدر كتاب مهم لكندوليزا رايس Condoleezza Rice  وزيرة الخارجية الامريكية السابقة والباحثة آمي ب. زقارت Amy B.Zegart من جامعة ستاندفورد، تحت عنوان: المخاطر السياسية: كيف تساهم الأعمال والتنظيم في توقع انعدام الامن العالمي.
Political Risk: How Businesses
 and Organizations Can Anticipate Global Insecurity


الكتاب هوثمرة التدريس المشترك لكل من كوندوليسا رايس وامي زقارت في كلية الاعمال بستنادفورد، لتقديم محاضرات حول: السياق العالمي،  كمادة اجبارية لطلبة ماجستير الأعمال بالجامعة.
أن أحد اهم افكار هذا الكتاب هي توسيع الطرق التي ينبغي على المرء أن يفكر فيها بشأن المخاطر السياسية. وتقوم بإدراج عدة فئات من المخاطر، تبدأ بالجغرافيا السياسية، والصراع الداخلي، والقوانين، والتنظيم، والسياسات، وخروقات العقود، والفساد، والوصول إلى خارج الحدود، والتلاعب في الموارد الطبيعية، والنشاط الاجتماعي، وتنتهي بالإرهاب، والتهديدات السيبرانية.
في مجال الاقتصاد بشكل عام وفي الاعمال بشكل خاص تؤثر الاحداث والازمات الطارئة على مسيري الشركات، وهناك قناعة دائمة ان ثمة مخاطر سياسية قد تغير السير العادي للأعمال، وان عليهم اتخاذ الحيطة لتجنب هذه المخاطر، وهوما يجعلهم يهتمون بما يحدث من تطورات سياسية في العالم. ويتم ذلك بالاقتراب من مصادر صناعة القرار السياسي، والحصول على الاستشارة من اهل الاختصاص ولكن واقع السياسية الدولية تكتنفه التعقيدات والتطورات المفاجئة والدرامية في كثير من الأحيان.
والسؤال المقلق هوكيف يمكن تحديد حجم المخاطر السياسية؟ وما الذي ينبغي عمله للتأكد من أن هذه المخاطر لن تطغى علي مصير الشركات بالشكل الذي يفوت عليها اقتناص فرص صفقات مربحة؟
منذ جيل مضى، شملت المخاطر السياسية في الغالب جملة من الصناعات التي تتعامل مع الحكومات في عدد قليل من الأسواق التي تتعدى حدود الدولة، ولكن اليوم تنبع المخاطر السياسية من طيف واسع من الاطراف والجهات المؤثرة، تشمل قرارات المسؤولين المحليين ومستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، والناشطين السياسيين والإرهابيين، وقراصنة الهاركيرز المتسللين الى مواقع الشركات والمؤسسات الحكومية، وغيرهم.
ويبين كتاب كوندوليزا رايس وامي زقارت كيف ان الشركات التي تضع مخططات مسبقة وتحضر لإجراءات الوقاية من المخاطر السياسية المعقدة، تعاني من مفاجآت أقل وتتعافى بشكل أفضل من انعكاسات هذه المخاطر على أعمالها.
وفي الوقع، كوابيس الشركات من المخاطر السياسية تكاد لا تنتهي، خاصة فيما يتعلق بالخوف من الفشل في الاستجابة في الوقت المناسب، وتقدم حالة شركة سوني للصورSony Pictures نموذج في عواقب عدم القدرة على التكيف السريع، فقد فشلت هذه الشركة في الاستجابة بشكل صحيح لفيلم وثائقي تضمن انذار عن وجود برامج قرصنة، تبعتها تغريدات على شبكات التواصل الاجتماعي للتعليق حول الموضوع، بينت وجود رسائل إلكترونية داخلية مسروقة، يزعم أنها من كوريا الشمالية، وفشل في التعامل مع انهيار اسهمها، وهي عكس حالة ً شركة فيدكس FedEx لتوزيع البريد السريع، التي توظف مجموعة من خبراء الأرصاد الجوية يعملون على مدار الساعة، لاستباق ماقد يعترض اداء اعوان الشركة.
 القاعدة الاساسية في التعامل مع المخاطر السياسية تبدأ بتفصيل خطوات الإطار العام لهذه المخاطر، وتحليلها وتوضيح خطوات تخفيفها والرد عليها ضمن خطة متكاملة، مع أسئلة مفيدة يجب على قادة الأعمال أن يسألوها «كيف يمكننا الحد من الضرر في حالة حدوث أمر سيئ؟
وماهي الإجراءات التي ينبغي على فريق الأزمة اتخاذها في وقت مبكر مع أدوار محددة؟
ومن المهم التأكيد على ان هذه الاجراءات يجب ان تكون مكتوبة بشكل واضح، ويتم تنفيذها في الوقت المناسب.
وحسب كوندوليزا رايس وامي زقارت فان العالم يمر بمرحلة فارقة من مراحل تسريع العولمة، فليس هناك رهانات امنة، فالمؤسسات والقوانين ذاتها التي كان من المفترض أن تقلل من عدم اليقين والمخاطر في الأعمال التجارية، غالباً ما يكون لها تأثير معاكس.
ان المخاطر السياسية لشركات الاعمال هي جميع العوامل والاحداث السياسية والاجتماعية التي تؤثر في بيئة الاعمال ويترتب عليها خسائر مادية أو انخفاض في ربحية الشركات.
ولذلك فان رهانات المخاطر السياسية تبدأ بالاستعداد لمواجهة هذه المخاطر، وتحليل مشاهد تطورها وما يمكن أن تقوم به الشركات للانتقال من اوضاع الاستقرار إلى اوضاع الاضطراب، وما يمكن أن تعلمه حول كيفية فهم هذه الديناميكيات السياسية العالمية المتغيرة بسرعة والتعامل معها بشكل أفضل.
وتنطوي إدارة المخاطر السياسية management of political risks على عدة جوانب منها تحديد الاخطار والتنبؤ بها ورصد وتقييم الآثار المترتبة عن حدوثها، وتحديد الطرق البديلة المناسبة للمواجهة اوالتجنب، حسب درجات الاستعداد والأوضاع القائمة.
وتعتمد عملية تقيم المخاطر على أسلوب علمي منظم، لتقييم مدى احتمال ان يؤدي الخطر الى احداث ضرر على الشركة، وتقييم حجم الآثار المترتبة عليه، ووضع الاحتياطات لتقليلها الى الحدود المقبولة، في حين تشمل عملية السيطرة على المخاطر تقييد درجة الخطورة، ووضع الاحتياطات لتقبل الاثار الضارة الى الحدود المقبولة لدى الشركات.
ومن أساسيات نجاح إدارة المخاطر السياسية هوتوفر المعلومات اللازمة أثناء عمليات تحديد وتحليل المخاطر، ووضع خطط الإستجابة الفورية لها، لأنه من دون نظام معلومات دقيق ومحكم وفعال، لا يمكن الحديث عن إدارة المخاطر السياسية.
وتواجه دول الجنوب معضلة شديدة التعقيد وهي صعوبة جذب رؤوس الأموال اليها كاستثمارات في مشاريع التنمية الوطنية، لان جاذبية هذه الأموال للاستثمار في هذه الدول ضعيفة جدا، بسبب الحواجز والعراقيل التي تعيق تدفق الاستثمارات اليها، كما ان هذه الدول تعجز في توفير الحوافز التجارية والضمانات الكافية لولوج رؤوس الأموال الى السوق المحلية.
ومن الواضح انه لا يمكن وضع لائحة تضم جميع المخاطر القائمة، لأن المخاطر قد تحدث وتتطور بشكل مفاجئ. ولذلك من الحكمة تسليط الضوء على تلك المخاطر نعتقد انها لم تفهم خطورتها كما ينبغي، على الرغم من أن كل المخاطر السياسية تؤثر بشكل اساسي في مصير الشركات، قد نجادل أن هذا صحيح حول معظمها، ولكن أيها قد يحدث ؟ ما هي تلك التي ظهرت بالفعل في الأفق الآن؟
لقد أوجد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وضعية جديدة مفاجئة، لعديد من الشركات الأوروبية وبعض الشركات الأمريكية التي لديها عقود تجارية مع إيران، والتي وتشمل العقوبات الأمريك>ية أيضاً مكوناً ثانوياً لم يكن في الحسبان، فقرار الرئيس الأمريكي يتيح فرض العقوبات خارج الأراضي الأمريكية مما يشكل قيداً على الأفراد والشركات غير الأمريكية، ويعني ذلك أن أي شركة، حيثما وجدت، يجب أن تمتثل للعقوبات الأمريكية إذا كانت تستخدم الدولار في معاملاتها، أولديها شركة تابعة في الولايات المتحدة أوخاضعة لسيطرة الأمريكيين.
وعلى الرغم من ان مسيري كبار الشركات العالمية يعرفون ان المخاطر الجيواستراتيجية من الصعب توقع وقوعها، فهي مخاطر كامنة في العمق تندلع شرارة حدوثها باسرع ما يمكن توقعه، وكل شركات النفط تعرف دائمًا أن هناك مخاطر جيوسياسية، حتى وان تعد بالضرورة في شكل قرارات تامين ومصادرة، ولكن تشريعات جديدة قد تعصف بأرباح الشركة وخططها الاستثمارية.
ومن المرجح أن تفاجأ الشركات التي تتخذ نهجا جادا ومنهجيا لإدارة المخاطر السياسية في كثير من الأحيان، وتتعافى بشكل أفضل. لكن الشركات التي لا تحصل على هذه الأساسيات بشكل صحيح هي أكثر عرضة لمواجهة تأثيرات المخاطر السياسية.
وهناك عبارة مشهورة لجاك ولش jack welch، الرجل الذي شغل منصب الرئيس التنفيذي لـ«جنرال إلكتريك» خلال عقدين من الزمان بين 1981 و2001، ارتقى خلالها بها لتصبح في مصاف أكبر الشركات العالمية،   واحتل ولش الصدارة في عالم الأعمال، وتفرد في فنون القيادة الاستراتيجية، وتربع من دون منازع على قمة قادة الأعمال وحاز رتبة مدير القرن العشرين، واستطاع أن يزيد القيمة السوقية للشركة من 13 مليار دولار إلى أكثر من 400 مليار، حكمة جاك ولش تقول: عليك أن تفهم تفاصيل صناعتك، وان تدرك ان الخطر سيكون اقل حدة اذا كنت تتوقعه، وفي نفس الوقت عليك ان تقتنع ان المخاطر تميل لان تكون اكثر تجريد واطول اجلا، وان لا احد يحصل على مكافأة على الإطلاق بسبب منع حدوث شيء ما، لأنه لم يحدث، وبالتالي يتعين عليك في الواقع أن تثمن للناس الجهود التي تمنع حدوث المخاطر، عندما يكون ذلك صعبًا جدًا.
ويقدم البنك الدولي رؤية اكثر إيجابه وتفاؤلا عن إدارة المخاطر، والتي يراها جزا من عملية بناء القدرة على الصمود وتحقيق التنمية،  حيث أن «عملية مواجهة المخاطر، والتأهب لها، والتكيف مع آثارها» توفر فرصة لا غنى عنها لتحقيق النمووالازدهار والتنمية.
ان جوهر الاختلاف في النظر الى العلاقة بين المخاطر التي تحدق بعالم الشركات والاعمال، والتحول المتسارع الذي تفرضه السياسة الدولية، يكمن في النظر الى الخطر كفرصة قائمة، وكونه احد اساسيات التغيير الجذري الذي تفرضه العولمة، حيث تتحول بموجبه الاستثمارات في إدارة المخاطر من مرحلة التجاهل كما لوكانت نوعاً من العبء الإضافي الذي يتم تحمله على مضض، إلى كونها جزءاً لا يتجزأ من التنمية المستدامة والنموالاقتصادي.
@نائب بالمجلس الشعبي الوطني باحث جامعي.