طباعة هذه الصفحة

الوصيّة

بقلم: فنيدس بن بلة
24 ديسمبر 2019

لا زالت الرسائل غير المشفرة التي بعث بها فقيد الجزائر الفريق ڤايد صالح منذ عشرة أشهر، راسخة في الأذهان تحمل دلالات، اكتشف المواطنون مغزاها وسيميولوجيتها للراهن السياسي لجزائر سيّدة في قرارها، ولا تقبل أي تدخل أوإملاءات.
كشفت هذه الرسائل التي لم يتوقف القائد عن بثها خلال الزيارات المكوكية إلى الوحدات العسكرية قبل رحيله إلى دار الآخرة، شخصية الفريق ومقاربته في إدارة أعقد أزمة عرفتها البلاد، مرافقا للمسيرات السلمية ومطالبها، حريصا على عدم سيل قطرة دم واحدة، متّخذا من تجارب سابقة مرّة، عبرة في المرور إلى المحطة الجديدة لاستكمال بناء الدولة الوطنية.
هذه المواقف التي تنم عن شخصية الراحل الوفي، وجدت الصدى في مختلف مواقع الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، مجيبة عن أسئلة عالقة في المشهد الوطني كيف جمع الفريق أبناء الوطن وصان وحدته وعزّز استقراره دون السماح بأية مغامرة تدخل البلاد إلى نفق مظلم.
هذه الرؤية الاستشرافية لقائد حكيم سابق زمانه، فهم بعد مؤامرة تجار الأزمة وأفشل في اللحظة الحاسمة محاولات الزج بالبلاد نحوالانزلاق والانسداد، وجدت عناية وتحليلا من المواطنين عبر مختلف المواقع والتواصل الاجتماعي، مؤكدين وفاء الراحل لتعهداته ببقاء الجيش ملتزما بمهامه الدستورية، مرافقا لتجسيد مطالب الشعب الشرعية وإحداث القطيعة مع رموز نظام سابق وعصابات الفساد، بإجراء تغيير عميق، بعد استحقاق رئاسي يفضي إلى انتخاب رئيس للجمهورية تقع على عاتقه مسؤولية فتح ورشات الإصلاح ومسار التقويم والتجدّد.
هذا التجاوب والتأثر لفقدان الفريق من قبل عامة المواطنين الذي وجد ترجمة صادقة في كتابات وتصريحات عبر مواقع إعلامية تقليدية وافتراضية، يثبت بالملموس أن ما رافع من أجله الفريق من العلاقة الجدلية والترابطية بين الجيش والشعب، حقيقة قائمة ومعطى ثابت. وهو معطى يجد مفهومه وتفسيره الدقيق في شعارات «الحراك»،»جيش شعب خاوة خاوة» التي هتفت بها الحناجر عالية مدوية.
أظهر الجزائريون وهم تحت التأثر جراء رحيل من أدى الأمانة على أكمل وجه، قيمة القائد الفذّ، الذي قال دوما أن لا طموحات له سوى خدمة الجزائر وشعبها، ودعا الشعب إلى وحدة الصف والكلمة والالتفاف حول الوطن المفدى في كل الظروف لإفشال مؤامرات الداخل والخارج.
وقفة الجزائريين من أقصى الشرق إلى الغرب، من الجنوب إلى الشمال وترديدهم على الملأ أقوال الفقيد والإشادة بخصاله ومناقبه خلال الثورة والاستقلال ودوره الريادي في تسيير مرحلة عويصة افضت إلى رئيس منتخب ومؤسسات شرعية، تؤكد بالدليل القاطع أن رسائل الفريق ڤايد صالح قد وصلت، وأن مضمونها فهم جيّدا، ومن ثمة مسؤولية تاريخية هي الآن أمام المواطنين لاستكمال مسار بناء الدولة الجزائرية الجديدة، مثلما رافع من أجلها الراحل وحملها في القلب وسار على عهد الشهداء.