طباعة هذه الصفحة

المجتمع الذي نريد

بقلم: السيدة أمينة دباش
29 أوث 2015

تعرف الساحة السياسية في الجزائر منذ عقود تناحرا بين تيارين أساسيين: التيار الإسلاموي والتيار الليبيرالي ذو الميل الغربي. لا أتحدث عن التوجه الاشتراكي أو بالأحرى الشيوعي، الذي اضمحل تدريجيا شأنه شأن ما جرى في باقي أنحاء العالم، أو انخرط في تشكيلات دينية عرقية بعضها متطرف.
ويتوسط هذين التيارين البارزين، التيار الوطني، الذي يشكل حلقة وصل بينهما، مقتنعا بضرورة احترام كل مقومات الشخصية الجزائرية بما لها من أصالة وحداثة وحتمية بناء مجتمع متطور ذي جذور. والأهم من كل ذلك يحرص التيار الوطني على إعلاء الراية الوطنية والغيرة على سيادة البلاد: لا قومية ضيقة، لا عالمية مطلقة، لا دينية متطرفة ولا علمانية مفرطة.
كل الرؤساء الذين تعاقبوا على بلادنا حاولوا إيجاد التوازن بين هذين التيارين، إلا أن الهوة بينهما باتت تكبر مع الزمن، وكل الخوف الآن أن تتوّسع وتتحوّل إلى شرخ، خاصة في ظل أوضاع إقليمية ودولية مضطربة اقتصاديا وأمنيا نعيش تداعياتها.
الواضح للعيان أن التيارين يسيران في طريقين متوازيين، لأنهما يحملان مشروعي مجتمعين لكل منهما جزائره الخاصة.
محاولات التهدئة بينهما تبقى حلولا ظرفية، وتغليب تيار على آخر في حالة أزمات يمكن أن يشكل خطرا، سبق وأن عشنا مرارته في الماضي القريب.
ما العمل إذن؟
الحلول السحرية مستحيلة طبعا، ونرى أن هناك عوامل ثلاثة تبدو بسيطة في الوهلة الأولى، لكنها قادرة على إيجاد التوازن المنتظر أو على الأقل المساهمة في التخفيف من الهزات الارتدادية التي نحن في غنى عنها.
وهذه العوامل هي:
1 تقوية التيار الوطني الذي له تشكيلاته السياسية، وعوض أن نحوّله إلى المتحف أو إبقائه كرافد إداري كما يحلو للبعض قوله، علينا واجب تدعيمه ورصّ صفوفه لأنه تيار ذو مرجعية صلبة يحمل عاليا راية الوطن.
2 إعطاء الحكومة دورا محوريا متميزا، انطلاقا من الوزراء إلى رؤساء الدوائر مرورا بالولاة، الذين يعدّون بحق رؤساء حكومات في أقاليمهم الإدارية، وضرورة اختيار الكفاءات الوطنية، إضافة إلى دعم وتشجيع إطارات الدولة داخل وخارج الوطن دون الحديث عن المؤسسات، لأن الشغل الشاغل يبقى التركيز على القيمة الثمينة للمورد البشري.
3 الاعتناء بالمجتمع ككل وإحداث آليات، إلى جانب التنظيمات الجمعوية ومرافقتها للعب دورها الجامع، الذي يؤثر ويتأثر بما يصول ويجول داخل مختلف الفئات الاجتماعية.
وهكذا وعند تضافر جهود كل من التيار الوطني القوي، الحكومة القوية والمجتمع المدني الفعال، يمكن بناء وطن آمن، مستقر ومزدهر، تتعايش فيه مختلف الحساسيات، ويتفرّغ فيه الجيش والأسلاك الأمنية المشتركة إلى مهامهم المنوطة بهم.