طباعة هذه الصفحة

يكفي أن نكون جزائريين

بقلم: السيدة أمينة دباش
05 جوان 2016

مرة أخرى، يعمّ الجدل الأيديولوجي الساحة العمومية مختارا في الآونة الأخيرة المدرسة أو بالأحرى تلامذتنا.
لقد اُتّهم منذ سنوات، الوزير الأسبق للتربية علي بن محمد بالرجعية والبعثية، وتتعرض الوزيرة الحالية للتربية لتهمة الفرانكوفيلية ومحاولة طمس اللغة العربية.
بروز مثل هذا النقاش من جديد، يدلّ على استمرار وجود مشروعي مجتمع متناحرين في بلادنا منذ أيام الثورة وما قبلها.
إن اختيار الوسط الجامعي والتعليمي كان ولازال الحلبة المفضلة لاستعراض العضلات ومحاولة الفوز والاستئثار بالساحة وإقصاء الآخر. وقد تجرّعنا مغبّة ذلك أيام الثانوية والجامعة، وها هم أبناؤنا يعيشون نفس الموقف عقودا من بعد.
كيف لا والتيار الوطني المعتدل، المفترض أن يكون الجدار الذي تتحطّم عليه كل محاولات الإخلال بتوازن البلاد، يتخبّط في دوّامة الصّراعات الهامشية ويترك الأهم على حساب «المهم».
كيف نفسّر استمرار هذا التناطح وكل نصوص وقوانين الدولة واضحة المعاني، آخرها دستور 2016 الذي ينصّ جليّا على انتمائنا وعلى مكوّنات شخصيتنا ومقوّماتنا، بالإضافة إلى تدعيم أولوياتنا كالتربية وحرية التعبير...  ولا يسعنا هذا الحيّز لسرد كل محتويات أسمى وثيقة في البلاد.
يحصل هذا وكأننا نفتقد إلى ركائز وطنية، رغم مرجعيتنا الاستشرافية المقدّسة ممثلة في بيان أول نوفمبر ١٩٥٤، الواجب الاحتكام له ولكافة مواثيق وقوانين الجمهورية الجزائرية المنبثقة عنه.
علينا تفضيل ما يجمعنا والترفُّع عمّا يفرّقنا ويكفينا أن نكون جزائريين فقط. ساعين إلى جمع شروط التطوّر، متفادين كل ما يجرّنا إلى التدهور والتهور.
خلال الأزمات تتكاثر النزاعات، فلا نترك الفجوات تتحوّل إلى شروخ.
فعلا هناك أخطاء واعوجاجات ترتكبها الحكومات المتعاقبة التي حققت دون نكران إنجازات، فالأجدر أن لا نحوّل «الحبّة إلى قبّة» ونعالج كل أمر بالشجاعة والاحترافية اللازمتين وفي الآجال المحدّدة، لأن الصرامة تكسبنا المصداقية التي تُبنى عليها الثقة؛ الشرط الأساسي لإعادة الاعتبار للدولة.
بما أننا حلقة من حلقات المعمورة وليس هناك من بلد في العالم لا يعاني من مشاكل، وكما يقول المثل الشعبي «إذا عمّت خفّت»، فلنعمل جاهدين على احتواء مشاكلنا ومعالجتها بكل رصانة.
الساحة ملغمة ومليئة بالاستفزازات، فلنعطِ كل قضية حجمها الحقيقي دون تضخيم أو استخفاف. فلتعلُ الأصوات الجامعة ولتصمت أبواق التحريض والتقسيم، ولنتقبل بعضنا بعضا بميزاتنا وتناقضاتنا، لأن لدينا ما يكفي لتحضير وبناء أجيال وأجيال...