طباعة هذه الصفحة

بقلم : رفيدة بوبكر

قراءة مركبة في زيدية “لعنة التيه”، تيمة حداثية للقصة القصيرة جدا

وأنا أهيم تائهة بين طيات لعنة التيه، استوقفتني ذاكرتي في ما كتبه، أرنست همنغواي كأقصر قصة فاتحا بها باب القصة  القصيرة جدا: “ للبيع، حذاء طفل، لم يلبس قط”  « For sale: baby shoes , neverworn »، استجمعت قواي، لأني أدركت وفي الصفحات الأولى فقط، من أنني سأصاب بلعنة تيه حقيقية، مدججة بجمال منفرد.
من شرفات الإبداع، تطل بنا “لعنة التيه” على أحدث الأجناس الأدبية ذيوعا وانتشارا في عصر التحولات الكبرى التي يشهدها العالم ، حيث تنطوي هذه الأخيرة، تحت ما يسمى بالقصة القصيرة جدا، أو القصة الومضة، وهنا نفتح قوسا على المصطلحات المتعددة والمتوافرة في الساحة النقدية والأدبية الملتفة حول هذا الجنس الادبي كالقصة الومضة »« Flash fiction، القصة المفاجئة « Sudden fiction »، القصة المصغرة « Micro- Story » أو القصة القصيرة جدا« short short story » وغيرها الكثير من المصطلحات التي تفترش الساحة.
لعنة التيه، قصص قصيرة جدا، تقع في 48 صفحة تحمل صفحاتها قصص متنوعة المواضيع، حيث ترفق كل قصة بعنوان معين ، فهي متفرعة البنى  والدلالات، ارتأى محمد الكامل بن زيد أن يجمعها تحت عنوان واحد ،متضمنا وصمات متفرعة الجوانب الفنية والفكرية، ومن المفيد جدا أن يعلم القارئ، بأن الكاتب ها هنا قد عمد على رصد ومضات مفاجأة، وهي سمة للإبداع، يختص بها إلا من اوتي الفطنة، والذكاء، متصيدا بذلك كل صغيرة وكبيرة جاعلا منها حرفا للإبداع والفن، مستوحاة من هدم وبناء سابق لفعل الكتابة، يتخذ فيها الكاتب صفة النص الملغم، حاملا ميثاق التأويل من جهة وغواية السرد من جهة أخرى، وعليه فإن البنى الدلالية المشكلة للخطاب السردي في لعنة التيه ،تنمذج صفة الدوال المفتوحة، وهو ما يشكل دينامية حداثية معاصرة بامتياز(داخليا وخارجيا)، حيث يتكئ النص – في مجمله- على محورين أساسيين: محور اللعب بالكلمات، ومحور اللغة المتعدية ،ليكون معبأ بالعلامات المتفاوتة، من المرجعي إلى الرمزي، ومن الواقعي إلى الفلسفي، وما يميز(الخطاب/النص) كونه ذات مرتحلة بحثا عن الآخر، لذلك من نافلة الذكر أن قراءة لعنة التيه بسنن أحادي المنهج، لتقصير في كينونة الدلالات العائمة والسابحة فيها ، كما يحتاج قارئها إلى فكرة المحايثة ، لأنها تبتعد عن صفة النمط المخصوص والنسق المغلق، ومن القصد العام إلى الهدف العام (للنص/الخطاب)، وبهذا تنسج الآليات الجمالية للنصوص الزيدية  المحتواة في لعنة التيه بل وتخلق التفرد والتميز من نص لآخر.
ومن اللافت للنظر، أن الخطاب الافتتاحي الأول الذي يجذب القارئ، هو العتبة النصية الاستفتاحية للخطاب الإجمالي الذي أمامنا ، فما بدأ به محمد الكامل بن زيد ليبعث في نفس القارئ الدهشة، وروح الرحلة والمغامرة، للبحث عن المقصدية من تسمية هذه الباقة بلعنة التيه،و انزلاق القارئ في العنوان ، ينمي على كياسة المبدع في الانتقاء، وحذاقته في اختيار التكنيك المناسب لاقتناص قارئه ، في أول لقاء حميمي بينه وبين النصوص، ليعيد إحياءها من جديد، ويكون هنا الكاتب/ المبدع قد تمكن من رهن قارئه نتيجة ما تحمله العنونة من نظام رمزي مشفر، يسعى القارئ عبر آليات متنوعة ومتعددة لفك هذه الشفرات، ومقدرته على استنطاق واستقراء البنيتين: العميقة والسطحية المتضمن في الخطاب/النص. لعنة التيه...تعويذة الجمال الإبداعي.