طباعة هذه الصفحة

في عرض مسرحي لفرقة الجمعية الفرنسية «الصّداقة بين الأديان»

«نــاثــان الحكيم».. الاختلاف لا يلغـي التّعايــش والـــسّلام

أسامة إفراح

ميهوبي: «الجزائر طبّقت مبدأ العيش معا في سلام على أرض الواقع»

لم يكن العرض المسرحي الذي شهده ركح المسرح الوطني الجزائري محيي الدين بشتارزي، سهرة أول أمس الخميس، من العروض المسرحية المألوفة، عرض قدّمته مجموعة من الهواة ولكنه يحمل رسالة عميقة.. «ناثان الحكيم» مسرحية اقترحتها علينا فرقة جمعية «الصّداقة بين الديانات» بفرنسا، أدّى فيها الإمام دور الدرويش الورع، وأب الكنيسة دور المفتش الكنسي، وتشربت من روح مدينة القدس، مدينة السلام، لتذكرنا بأن الديانات يمكن لها أن تتعايش بسلام.

احتضن المسرح الوطني الجزائري، أول أمس الخميس، عرض «ناثان الحكيم»، الذي رفع شعار «العيش معا في سلام»، وحظي برعاية وزير الثقافة، بمعية وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، والقنصلية العامة الجزائرية بمرسيليا، ونظّم بتنسيق مع مؤسسة «ميد فواياج».
العرض المسرحي من تقديم الأعضاء 32 لجمعية «الصّداقة بين الديانات» من مدينة استر الفرنسية، وهم يمثلون في حياتهم اليومية معتقدات دينية مختلفة بين الإسلام والمسيحية، ويقدّمون منذ سنوات أمثلة حية على التعايش السلمي والحضاري بين مختلف الديانات، والتعامل مع الاختلاف من خلال احترام الآخر. ولهذا قرروا، من خلال اقتباسهم لنص ليسينغ، إنتاج هذه المسرحية وتجسيدها على ركح المسرح الوطني الجزائري بمبادرة من الوكالة المتوسطية لتنظيم التظاهرات والسياحة الثقافية MED VOAYAGES.
في هذه المسرحية، رأينا رجلي دين يؤديان أدوارا درامية، فالإمام أدى دور الرويش، وأب الكنيسة أدى دور رجل الدين المفتش، وذلك دون أي حرج..أكثر من ذلك، تمّ الاحتفال في نهاية العرض بعيد ميلاد الأب جان فرانسوا الـ 63، وقدّم له الإمام جمال بدرة هدية عيد ميلاده، في صورة لا تحتاج إلى شرح أو تعليق.

ميهوبي: الجزائر أرض التّسامح بين الدّيانات

وفي تصريح له عقب العرض، اعتبر وزير الثقافة عز الدين ميهوبي أن المسرحية قدمت بأسلوب خفيف غير معقد «لهذا وصلت الرسالة بصورة بسيطة وتجاوب رائع من الجميع».
كما أكد الوزير ميهوبي أن الجزائر «قدّمت النموذج في التعامل مع قيمة التسامح التي نادت بها ولم تتعامل معها كمجرد شعار فقط بل بصورة عملية، إذ أن تطويب الرهبان بوهران كانت رسالة قوية تجاوب معها العالم، وأكّدت أن الجزائر هي أرض التسامح والمحبة والتفاعل بين مختلف الديانات».
وأضاف وزير الثقافة: «هذا العمل المسرحي يعكس مباشرة هذه القناعة الراسخة لدى المجتمع الجزائري ولدى مختلف المؤسسات في الجزائر، والدليل أنّنا ما إن عرض علينا هذا العمل حتى قبلنا ووفرنا له كل الشروط للنجاح، وهذا الحضور الكبير للجمهور دليل على أن الجزائري يتجاوب مع مثل هذه الأفكار الداعية إلى جعل مساحة التسامح أوسع في أي مجتمع كان».

«ناثان الحكيم»..البحث المتجدّد عن الحقيقة

ألّف نص المسرحية الكاتب الدرامي والناقد الأماني غوتنغولد افرايم ليسينغ سنة 1774، ومع قدم هذا النص، ولكنه يبدو محافظا على آنيته ومواكبته للعصر، وتبدو المسرحية وكأنها «سافرت عبر قرون من الزمن دون أن تفقد من عمق الرسالة التي تحملها، وما تزال أحسن درس في معالجة قضايا الساعة في ما يتعلق بالتسامح الديني».
وفي هذا الصدد، يقول مخرجا المسرحية برتران وآليس كازماريك، إن ليسينغ يحاول الإجابة عن سؤال العلاقة بين الحقيقة والديانة بحكاية الخواتم الثلاثة، التي ضمنت لهذه المسرحية التجدد والتواصل. وتقترح فرقة جمعية الصداقة بين الأديان قراءة جديدة، وتشير إلى أن السابقين طرحوا أسئلة عميقة في الماضي دون أن ينتقص أحد من هوية الآخر، ودون الخوف من الإشارة إلى الاختلافات الموجودة بين مختلف الرؤى.
تحكي المسرحية قصة التاجر اليهودي الثري ناثان الحكيم، الذي بعودته إلى القدس يكتشف أن ابنته قد أنقذت على يد فارس من فرسان المعبد مشارك في الحرب الصليبية الثالثة، وهو أحد الفرسان الذين عفا عنهم السلطان صلاح الدين الأيوبي. يدعو ناثان الفارس إلى منزله ليشكره ويكافئه، ولكن الفارس يقع في شراك جمال الفتاة ريشا، غير أن محكمة التفتيش لن تقبل بزواج الإثنين كونهما من ديانتين مختلفتين، ما يضطر الخادمة داجا إلى كشف سرّ دفين. بالمقابل، يستدعي السلطان صلاح الدين ناثان الحكيم الذي تربطه صداقة بحافي الدرويش، ويطرح عليه سؤالا جوهريا: ما هي الديانة الحقيقية؟
وقد وزّعت الأدوار حسب الظهور بالشكل الآتي: أليس كازماريك في دور الخادمة داجا، كريم ناجي في دور السلطان صلاح الدين، موني ناجي في دور أخت صلاح الدين، جمال بدرة في دور الحافي الدرويش، نوي فلاسيتش في دور المرسال، الأب جان فرانسوا نويل في دور كبير محاكم التفتيش، برونو بييري ودافيد فلاسيتش في دور الراهبين، برتران كازماريك في دور فارس المعبد، فوستين فريشو في دور ريشا ابنة ناتان، وألان ديديي في دور ناتان الحكيم.
كما رافق الممثلين مجموعة من الموسيقيين هم دومينيك بايلي، باسكال دوميني، فيليب بادواسيان، محمد يوسف، وفرانك راكوتوفاو.

قالوا عن المسرحية:

- إبراهيم جلاوجي، مدير وكالة «ميد فواياج» الجزائر ــ مرسيليا
يرى السيد جلاوجي مدير الوكالة المنظمة أنّها تشكّل حافزا لشراكات واعدة على شتى الأصعدة، والهدف منها هو التقريب والوصل بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط. وقد نظّمت الوكالة جولة سياحية لأعضاء الفرقة المسرحية من أجل اكتشاف العمق الثقافي للجزائر، خاصة وأنهم في معظمهم يزورون الجزائر للمرة الأولى، وتقودهم الجولة إلى العاصمة، المدية، بوسعادة وتيبازة، وزيارة بعض الأماكن الدينية كمسجد كتشاوة، مقر زاوية فلغومة، زاوية الهامل ببوسعادة، إلى جانب زيارة متحف الفنان التشكيلي الشهير إتيان «نصر الدين» ديني.

- جمال بدرة، رئيس الجمعية المسلمة لمسجد الرحمة إيستر
يقول رئيس مسجد الرحمة وعضو جمعية الصداقة بين الأديان الذي يؤدي دور الدرويش، إنه «بناء على اقتراح من الزوجين كازماريك، قرّرت فرقة الجمعية التعبير عن أفكار «العيش معا في سلام» على ركح المسرح، ونشر هذه الأفكار للجمهور الواسع في سياق مكافحة التطرف والإرهاب بجميع أنواعه. وهذه المسرحية التي عرضت في الجزائر هي تعبير «عملي» على الحوار بين الأديان: «إنها رسالة سلام، ورسالة للإخاء والعيش معاً».

-  الأب جان فرانسوا نويل، كنيسة إيستر
«إنّ جمعية الصداقة بين الأديان تنخرط في روح العيش معا بسلام بين أدياننا المختلفة»، يوضح جان فرانسوا نويل، مضيفا: «لقد نمت الفكرة أكثر عندما نظمت البلدية أسبوعًا من أجل العيش المشترك، رفقة الجهات الفاعلة الثقافية والاجتماعية». ويشير إلى أن مغزى المسرحية ما تقوله في نهايتها، من أن الحقيقة هي فريدة من نوعها ولا يمكننا الاقتراب منها إلا بلطف مع احترام الاختلافات، مع العلم أن هناك عدة طرق للوصول».

- موني ناجي، عضو الجمعية وصاحبة دور شقيقة السلطان صلاح الدين
موني ناجي ذات الأصول الجزائرية، ترى أن هذا المشروع يعكس صورة التسامح بين الأديان: «نحن نطبق العيش معاً وهي قيمة تحملها مدينتنا إيستر». وتضيف: «رسالتنا للجمهور الجزائري هي رسالة التسامح والإحسان (...) المسرحية مضحكة، لكنها تنقل رسالة تسامح».

- المخرجة والممثّلة أليس كازماريك:
في المقام الأول، إنه مشروع مشترك يربطنا ببعضنا البعض. من خلال هذا المشروع، يتم تأسيس صداقة تتجاوز الاختلافات الثقافية أو المعتقدات. محرك المشروع هو الصداقة التي تم إنشاؤها بين أعضاء المجموعة من خلال هذه المسرحية. وتشير آليس إلى أن معظم الممثلين ليسوا ذوي صلة بالمسرح، ولكن «بخلاف التجربة الفنية، إنها تجربة إنسانية».

❊ المخرج والممثّل بيرتران كازماريك
يعتبر مخرج العمل، وهو أستاذ فلسفة بالثانوية، أن فكرة تكييف نص ليسينغ جاءت للقول إنه حتى لو كانت الأديان مختلفة في جوانب معينة، فهذا لا يمنعنا من أن نكون أصدقاء..العيش معًا ممكن بقبول الاختلافات.