طباعة هذه الصفحة

كتب الرّواية ونظّم الشّعر وأحبّ الطّبيعة والوطن

محمد محافظي..أبدع في هدوء ورحل في صمت

أسامة إفراح

فقدت الساحة الأدبية الجزائرية، بحر الأسبوع الماضي، واحدا من أبنائها المبدعين..رحل الروائي والشاعر محمد محافظي في صمت وهدوء، تماما كما عاش حياته وأبدع في هدوء..رحل عن عمر يناهز 67 سنة، تاركا وراءه نصوصا قيّمة، كانت شاهدا على أحاسيس جزائري صادق في وطنيته عبر مراحل البلاد المختلفة، ومخطوطات عديدة تنتظر النشر، ورصيدا أدبيا جديرا بالقراءة، وقمينا بأن يخلق شعورا بالفخر لدى أقربائه وأصدقائه وقرّائه ومحبّيه.

محمد محافظي شاعر وروائي من مواليد 15 أفريل 1952 بالبليدة، نال شهادة البكالوريا سنة 1972 شعبة الآداب مزدوجة اللغة. بدأ دراسته الجامعية في تخصص علم الاجتماع، لكن ظروفه الاجتماعية لم تسمح له بمتابعة مساره الجامعي بالرغم من كونه كان متفوقا، واضطرته إلى الالتحاق بالمجال المهني في بداية السبعينيات من أجل مساعدة والده في إعالة إخوته الصغار كونه الأكبر سنا. عمل كإطار في عدة مؤسسات وطنية، قبل أن يتقاعد في نهاية سنوات الألفين. عاش محبا للفكر والثقافة وعاشقا لكرة القدم.
له العديد من المقالات المنشورة التي تتناول مواضيع متعددة، وله رواية بوليسية منشورة في 2017 بالفرنسية بعنوان On ne pardonne pas aux Algériens (لا نسامح الجزائريين) صدرت عن دار «آفاق كوم» للنشر.
وبما أن محمد محافظي قد وُلد في بدايات حرب التحرير، فقد احتكّ بجيل الثورة، كما عاش طفولته ومراهقته في جوّ سنوات الاستقلال الأولى، بما يطبعها روح وطنية وأحلام البناء والتعمير. وفي هذا الفضاء تسبح روايته البوليسية، ومن هذه البيئة استلهم الروائي حبكته.
له العديد من الأشعار بالفرنسية خصوصا، والتي تم نشرها أيضا في الصحف الجزائرية، وإحدى قصائده المكتوبة بالفرنسية، وعنوانها Le poète seul (الشاعر الوحيد)، قد ترجمت إلى اللغة الإسبانية ونشرت في مجلة ثقافية في دولة البيرو، وفي مطلعها يقول الفقيد محمد محافظي:
«أنت أيّها الشّاعر الجالس وحيدا مكتئبا في زاويتك
مخاطبا الأحجار في انتظار إجابة
غائبة لدى البشر المنتشين
عنيدا، تكشف للأشياء جوهرها النبيل».
كما أنّه نظّم بعض القصائد بالعربية أيضا، ولكن اللغة الفرنسية غلبت على إبداعاته بحكم تكوينه ثم نشاطه الوظيفي.
عالجت أشعار الفقيد العديد من المواضيع والثيمات، من الطبيعة، إلى العائلة، إلى «البؤس»، كما نجد قصائد ذات طابع فلسفي. وتترجم نصوصه الشعرية العقبات المادية ولكن أيضا المعنوية التي صادفها الفقيد في حياته.
وقد شاءت الأقدار أن يصدر آخر ديوان شعر له أياما قبل وفاته، وعنوانه Les fruits tardifs (الثّمار المتأخّرة) الصادر عن «منشورات نسيب»، ليكون آخر ثماره الإبداعية، وآخر شاهد على حبه لقوة الحرف وبلاغة الكلمة. كما شاءت الأقدار أن يغادرنا هذا الرجل المحب للوطن في ذكرى عيد الاستقلال.
قبل رحيله، كان الفقيد قد انتهى من مخطوط قاموس موضوعاتي، يبدو أنه لا ينتظر سوى التكفل به ونشره، كما ترك مشروعا لرواية أخرى، وعديد النصوص الشعرية المخطوطة، التي تنتظر في صمت، مستلهمة من صمت صاحبها الراحل. رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه.