طباعة هذه الصفحة

أسهم في تشكيل الوجدان العربي

محمد عبد الوهاب..موسيقار الأجيال

إعداد: فؤاد بن طالب

تمر الأيّام والشّهور والسنون ويبقى اسم الكبار ساطعا في سماء الأغنية العربية مهما كانت محطّاتهم في الحياة لأنّها امتزجت بالابداع والانجازات الفنية التاريخية في قلب أم الدنيا (مصر) وخارجها، انجاز هذا العملاق بقي منقوشا في قلوب الملايين عبر الوطن العربي نظرا لنوعية الألحان ومكانتها الموسيقية إقليميا ودوليا، حيث أبدع في مئات الألحان غناءً ولحنا.
إنّه عبد الوهاب الذي لقّب من طرف رجالات مصر الكبار وسياسيّيها بموسيقار الأجيال، فقد بصمت ألحانه جزءا من تاريخ الطرب العربي، وشكّلت الوحدة العربية على غرار نشيد «وطني حبيبي»، «النهر الخالد»، «كليوباترا، «يا جارة الوادي»، فنّان تعلّم على موسيقاه وحفظها أكبر المطربين المصريّين والعرب، ولازالت تتردّد هنا وهناك إلى اليوم.

الموسيقار محمد عبد الوهاب العبقري في زمانه وألحانه الخالدة تشهد عليه اليوم، هذا الفنان المعروف عنه بالذكاء والثقافة الفنية الواسعة التي لا نجدها عند الآخرين، يبقى عبد الوهاب رمزا للأغنية العربية وتاريخه الحافل بالانجازات والألحان الخالدة تتحدّث عنه ويتغنّى بها جيل بعد جيل.

قامة فنيّة من نوع خاص

إذا تكلّمنا في صفحة الذكريات فإنّ الأقلام السائلة قد تجف ولا نجد أقلاما أخرى، وحتى الأفكار قد تتعب نظرا لقامة هذا الملحن والمغني الكبير، بل يكفي أنّه لقّب من طرف من عرفوه في زمانه من مثقّفين وسياسيّين وأصحاب الجاه الكبير في مصر  بـ «موسيقار الأجيال»، وهذا ما أهّله ليصنع لنفسه بصمة متميزة عبر مساره الفني من ألحان وغناء وطرب يشهد لها التاريخ عبر الأجيال.

مولده

ولد محمد عبد الوهاب في 13 / 03 / 1902 بحي باب الشعرية بالقاهرة، وتوفي في 04 / 05 / 1991 عن عمر 89 سنة على إثر سكتة قلبية مفاجئة زعزعت أصحاب القلوب الضعيفة، وأدمعت عيون الملايين لموته المفاجئ.
دخل القفص الذهبي عام 1958، وتمّ القران على السيدة نهلة القدسي، أما أبوه فهو محمد ابو عيسى وأمه فاطمة حجازي.

موسيقار أصيل

 كان عبد الوهاب عاشقا للموسيقى العالمية، لكن عشقه وحبه للنغم العربي مكّنه من وضع لمسته السّحرية في التلحين والأداء، ولا يمكن لأي فنان آخر تقليده إلا إذا تعلّم ودرس ألحانه، كما يعتبر عبد الوهاب أحد أعلام الموسيقى العربية في سماء
«أم الدنيا» والعالم العربي وحتى الأوروبي، حيث لحّن مئات الأغاني والأناشيد الوطنية، وكان أول موسيقار يحدث ثورة في تطوير الموسيقى العربية، حيث أدخل عدة آلات موسيقية على ألحانه على غرار آلتي «القيتارة» واللارك في أغنية «كلّموني ثاني عنك»، وكانت أول أغنية للسيدة أم كلثوم من ألحان عميد الأغنية واللحن العربي، غير أنّ اسمه ارتبط بالأناشيد الوطنية على غرار النشيد الوطني المصري «بلادي بلادي»، «وطني الأكبر» هذا النشيد الذي عزفته فرقة موسيقية فاقت 70 عازفا، وغنّاه ألمع المطربين والمطربات بمصر يتقدّمهم عملاق الأغنية العربية وهو تلميذ عبد الوهاب، عبد الحليم حافظ، وردة الجزائرية، شادية، شريفة فاضل، فائزة أحمد، صباح، نجاة الصغيرة، وكان هذا النشيد بمثابة الجرعة الأكسيجينية للمشاهد والمستمع العربي عبر المعمورة، وهو الذي قاد الفرقة الموسيقية حاملا بيده آلة القيتارة مصاحبا بها الوزن الموسيقي الرائع لهذا النشيد الخالد.

ذكاؤه واكتشافاته

كما لحّن النّشيد الليبي «يا بلادي»، ويعتبر الموسيقار محمد  عبد الوهاب أول مكتشف للمضرب (الطبل) ومكتشف ومشجع لفناني ذلك الزمان، حيث أعجب بصوت العندليب الأسمر ولحّن له أغنية «لا تكذبي» وأغاني أخرى، كما كان له الفضل في اكتشاف عدة مطربين على غرار المطرب إيهاب توفيق في آواخر الثمانينات.

الحياة الفنية

اللقب: موسيقار الأجيال،
النوع: موسيقى عربية ذات الطرب المتميز لدى الموسيقار بعد الوهاب،
الآلة: العزف على العود،
المهنة: ملحن، مغني وممثل،
اللغة: عربية.

سنوات النّشاط

من 1917 إلى أن وافته المنية 1991 على إثر سكتة قلبية عن عمر 89 سنة، فموته ترك فراغا كبيرا وتأثر به الملايين من عشّاق فنّه عبر العالم العربي.

شهرة مصمّم رائعة يا «جارة الوادي» وغيرها

فالسماء تمطر ذهبا على هذا العبقري، الذي صال وجال أغلب القارات حتى فتحت له الذكريات باب النجاح، فتحرّك مساره الفني إلى أعلى روائع الألحان، وهذا باعتراف كبار الفنانين من بينهم الموسيقار فريد الأطرش، الذي قال ذات يوم إنّ موسيقار الأجيال ألحانه تبقى خالدة ولا تموت أبدا نظرا لدسامة التلحين، والأداء المتميز للموسيقار محمد عبد الوهاب.

عبد الوهاب وأحمد شوقي

يقولون من تابعوا مسار عبد الوهاب وسيرته الفنية، أنّه ارتبط بأمير الشعراء أحمد شوقي، وغنى له العديد من أشعاره على غرار «كليوباترا» وغيرها، كما غنّى لشعراء آخرين مثل الشاعر علي محمود في أغنية «الجندول».

لحّن لأكبر المطربين بمصر وخارجها

تمكّن عبد الوهاب من الظهور قويا في التلحين والغناء والأداء  لنفسه، لكنه لم يبقى منحصرا مع نفسه، بل عرج في سماء التلحين بمصر بين آخرين لهم باع كبير في الغناء على غرار ليلى مراد، عبد الحليم حافظ، فيروز، نجاة الصغيرة، فائزة أحمد، وردة الجزائرية، صباح وطلال مداح (السعودي) وآخرين، وكل هؤلاء أصبحوا عمالقة الفن العربي دون منازع بفضل ألحان عميد التلحين والغناء العربي محمد عبد الوهاب، الذي فتح لهم باب النجاح.

قصّة لقائه مع أم كلثوم

يقولون إنّ أم كلثوم غنّت لكبار الملحّنين في زمانها على غرار زكرياء أحمد، القصبجي، السيد مكاوي، بليغ حمدي، ولم يبالي عبد الوهاب بهؤلاء بل كان له عالمه الخاص.

ربّ صدفة خير من ألف ميعاد

وكما يقول المثل «ربّ صدفة خير من ألف ميعاد»، فكان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر هو صاحب المبادرة للقاء هذين الهرمين عبد الوهاب وأم كلثوم في عشاء حميمي، فتمّ الصّلح بينهما أمام الجميع، واتّفقا على أغنية كتب كلماتها أحمد رامي تحت عنوان «كلّموني ثاني عنك» وكانت هذه الأغنية للسيدة أم كلثوم بمثابة جرعة أكسيجين تضاف إلى رصيدها الغنائي، وتوالت الأعمال مع عبد الوهاب وكبرت الصداقة بينهما في مجال التعاون الفني.

أعماله الفنية ودراسته

1920 قام بدراسة العود في معهد الموسيقى العربي بالقاهرة.
1934 دخل الاذاعة كعامل في المجال الفني.
1933 اقتحم التمثيل السينمائي بعدة أفلام منها «الوردة البيضاء».

أعماله الفنية وألحانه فاقت كل التّوقّعات

صوته اقتحم سماء القاهرة مبكّرا، لكن مع مرور السنين بدأت ألحانه الشذية تقتحم قلوب عشّاق فنه عبر العالم العربي، الى أن وضع لنفسه حيّزا في سماء التأليف الموسيقي واقتحامه التمثيل السينمائي ومثّلت أمامه ليلى مراد وآخرون من عالم التمثيل المصري.

بدايته كمطرب وملحّن

محمد عبد الوهاب بدأ كمغني في فرقة الجزايرلي عام 1917،إلى أن تدرّج رويدا رويدا وبخطى ثابتة واقتحم مجال التلحين والغناء على غرار أغنية «ليلة الوداع»، «يا جارة الوادي»، «الجندول»، «كليوباترا»، «النهر الخالد» وغيرها من الأغاني الخالدة والنّاجحة.

اعتراف بقامة الفن العربي وتمثال تاريخي

نظرا لقيمة هذا الهرم وما جسّده من ألحان وأناشيد كلها خالدة، ارتأت السلطة المصرية أن تضع تمثالا يليق بمقام محمد عبد الوهاب بميدان الشعرية (مسقط رأسه) تخليدا له واعترافا بالمكانة الفنية التي كان يحظى بها كبار المثقفين والسياسيين وعلى رأسهم أمير الشعراء أحمد شوقي، والرئيس جمال عبد الناصر وغيرهم من كبار ورجالات مصر، إضافة الى هذا النصب التذكاري وضعت مقتنياته الفنية في المتحف الخاص لتبقى ذكرى لكل الأجيال، كما تحصّل على الدكتورة الفخرية عام 1975 من معهد الموسيقى العربية بمصر، حقا إنّها إنجازات لا يستحقّها إلاّ الكبار.
كما تحصّل من أكاديمية الفنون وجمعية المؤلفين والملحنين على اللقب العالمي في 1957 نظرا لقيمة هذا العملاق وسمعته العالية في سماء أم الدنيا والعالم العربي والدولي.

رحلة فنية مع ذكريات بلبل النيل

إنّها رحلة ذكريات بحق مليئة بالانجازات الثقافية والألحان لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، إنتاجاته ملئت مكاتب وإذاعات العالم، لتبقى خالدة ومنقوشة في قلوب عشّاق هذا الفنان، كما سيتذكّرها جيل بعد جيل، لأن عبد الوهاب يبقى مبدعا في الألحان والغناء ومنفردا بصوت متميز.
إنّها ذكريات العمالقة التي تبصم عبر صفحة «الشعب» الفنية وتواكب مسيرة كل الأجيال في المجال الفني الأصيل، إنه  الفقيد محمد عبد الوهاب، يقال عنه أنّه موسيقار من نوع خاص في الألحان والأداء.