طباعة هذه الصفحة

قامتان من طينة كبار الشعبي

بوعجاج والقبـي يكرّمـان اليــــوم

جمال أوكيلي

يكرّم، اليوم، المطربان الشعبيين عبد الرحمان القبي ومعزوز بوعجاج من طرف جمعية الألفية الثالثة التي يترأسها النشيط سيد علي بن سالم، بالتعاون مع الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، بدءا من الساعة الثالثة مساء، بالمسرح الوطني محيي الدين باشطارزي وبحضور المولعين بهذا النوع الغنائي ومتتبعي هذين الفنانين المحترفين اللذين أبليا البلاء الحسن في مسيرتيهما المشهود لها بالنجاحات الباهرة والفائقة في كل من العاصمة ومستغانم.
القبي بقي بعيدا عن الأضواء، رافضا الظهور منذ أن دخل هذا العالم بالرغم من أدائه الرائع للأغنية الشعبية، مكتفيا بالأعراس والحفلات القليلة، في حين كانت هناك اسماء  تملأ الدنيا صخبا كالهاشمي قروابي، بوجمعة العنقيس، عبد القادر شاعو، دحمان الحراشي، اعمر الزاهي، عبد الرزاق بوقطاية، حسن سعيد، وغيرهم.
بالرغم من هذا الانفصال والابتعاد عن هذا الوسط الفني والتعامل معه من مسافة محددة فإن اسم القبي كان يتردد بقوة على ألسن الشباب خلال السبعينات والثمانينات بدون الترويج الاعلامي، كما إستفاد منه البعض في تلك الفترة الذهبية من خلال الابداعات الجزائرية في الأغنية بكل طبوعها وقلما كنا نشاهد عبد الرحمان عبر الشاشة سواء في المناسبات أوالمشاركة في الأسابيع الثقافية، ماعدا ما ينقل عن مروره لدى أفراح العائلات.
ينتمي القبي الى المدرسة العنقاوية، مفضلا التعامل مع القصائد الذائعة الصيت لكبار شعراء الملحون، الذين تركوا هذا الرصيد الثرّي من مدح وغزل ورثاء في صور تشبيهية معبّرة واحساس صادق ينّم عن تلك الثقافة الواسعة في قول الكلمة المؤثرة، ولعلّ مازاد في إبراز هذا المطرب أغنية «حبيبة» التي قفزت به الى المصاف الأول، وهذا التحوّل في مسيرته سمح للجمهور العريض بالتعرف عليه رغم المنافسة الشرسة على الساحة الفنية آنذاك.
شخصية القبي ومزاجه النفسي جعلاه دائما قليل الظهور وكل ماكنا نسمع عنه كان عبر حصة «بيت وصياح» بالاذاعة الوطنية، وهذا بفضل معد البرنامج بوجمعة بولخراص الذي استضافه، كم من مرة وهو دائما يريد الغناء على حساب الكلام ومهما حاول المنشط «عصره»، فإنه لايأخذ إلا القليل وما يقوله عبارة عن أقوال مأثورة وحكم مليئة بالمعاني.
أما بوعجاج فهو من أقدم المؤدين للأغنية الشعبية في الغرب الجزائري بشكل يتسم بالخصوصية، نظرا لصوته الرّخيم الذي سمح له بأن يغوص في القصيد الصعب لكبار الشعراء في تلك المنطقة كالخضر بن خلوف في «الخزنة الكبيرة»، بالاضافة الى عناوين معروفة في هذا الوسط.
لذلك فإن معزوز لم يكن معروفا لدى الجمهور ماعدا تسجيلات الكاسيت المتداولة حتى ظهوره محدود جدا مع إطلالته الاستثنائية من المحطة الجهوية للتفزيون، بوهران وإذاعة الغرب التي تبث أحيانا مباشرة على المركزية بالعاصمة مع المذيعة ابتسام.
رغم هذا التذبذب فإن بوعجاج فرض نفسه على الساحة الفنية الشعبية الى جانب الكبار من خلال قدرته الفائقة على الحفظ وكذلك أسلوبه الخاص في الأداء تفوّق على الجميع وأصبح مطلوبا، علما أن بوعجاج تربى في بيئة الأغنية الشعبية في مستغانم الى جانب مطربين آخرين لم يكتب لهم النجاح لأسباب عديدة خاصة في وهران والمطرب المعروف بطاهر الذي كان ينشط رفقة كوكبة من فناني وهران، بلاوي، وهبي، بخدة، جهيدة، مداح..
تعد مبادرة جمعية الألفية الثالثة لسيد علي بن سالم مشجعة للغاية تستحق كل التقدير والاحترام وليست الأولى، بل في كل مرّة تتذكر كل أولئك الذين أفنوا أعمارهم في هذا النوع من الغناء، زيادة على ممثلين ورجال آخرين ممن أعطوا لهذا الفن.