طباعة هذه الصفحة

أحد المعالم الثقافية والتاريخية بتقرت

مطالب بتحويل «برج رانو» إلى متحف صحراوي

ورقلة: إيمان كافي

مازال برج رانو، أحد المعالم الثقافية والتاريخية في بلدية النزلة بالمقاطعة الإدارية تقرت شاهدا على أصالة وعراقة المعمار الصحراوي وهندسته الفنية المميزة، حيث يشكل هذا البناء نافذة أخرى على روافد التراث الثقافي المادي الذي يعاني الإهمال بهذه المنطقة.
يحكي برج رانو الذي بقي شامخا وباديا لكل المارة عبر الطريق الوطني رقم 3 رغم الظروف الطبيعية والمناخية التي أثرت على وضعيته ونظرا للإهمال الذي طاله، فأنه يروي تفاصيل رمزية عن حقبة عسيرة عايشتها هذه المدينة ككل المناطق من الوطن إبان الاحتلال الفرنسي، حيث وبحسب مصادر محلية، فإن هذا البرج الذي سمي على اسم صاحبه ألكسندر رانو قد تم بناؤه في الفترة الممتدة من 1915 إلى 1921 باستغلال اليد العاملة المحلية من طرف المعمر رانو الذي كان من المعمرين الأوائل بالجنوب الذين استثمروا في مجال الفلاحة واستوطنوا بالمنطقة.
ويعبر برج رانو من خلال هندسته وطابعه العمراني المميز الذي شيد وسط واحات النخيل أو ما يعرف بالمستثمرة حيث قدر تعدادها بحوالي 12000 نخلة منتجة لمختلف أنواع التمور وكذا على مقربة من بحيرة مرجاجة التي عبارة عن تحفة عمرانية بامتياز ويحتوي هذا البرج على مئذنة بارتفاع 21 مترا، تنقسم إلى قسمين، منها قسم علوي وهو عبارة عن خزان ماء يستغل لساكنة البرج والقسم السفلي يستخدم كمصعد لباقي طوابق البرج.
من خلال ما ذكره «خميسي دبة» أحد المهتمين بالتراث الثقافي المحلي في حديث لـ «الشعب» فإن هذه المستثمرة قسمت في سنوات السبعينات إلى ثلاث مستثمرات باسم ثلاث شهداء، منها مستثمرة عمران بوليفة، مستثمرة بن طرية لمنور ونصرات حشاني بمجموع 33 عاملا، مستغلين ثروة النخيل والمياه دون البرج طبعا.

 الدعوة إلى تصنيفه كمرجع مادي للأجيال القادمة

أشار المتحدث إلى أن برج رانو وضع ضمن قائمة الجرد الإضافي لأجل تصنيفه كمعلم من طرف بعض الجمعيات المهتمة بالتراث، لدى مديرية الثقافة، بورقلة، وكذا وزارة الثقافة، منذ 2009، ولكن الملف لم يجد دفعا من طرف السلطات المحلية، علما أن ملف اقتراح التصنيف لا تتجاوز مدته عشر سنوات قبل أن يسقط من التصنيف بشكل تلقائي عقب هذه الفترة (أي بحلول عام 2019)، وبالرغم من ذلك أكد أنه بالإمكان تجديد مطلب التصنيف لصالح برج رانو ولباقي المعالم المهملة بتقرت كي تبقى هذه المعالم شواهد تاريخية على عصور عايشتها المنطقة، وكذا مرجعا ماديا ملموسا للأجيال القادمة.
هذا واعتبر محدثنا في سياق التطرق للعلاقة بين الأبراج والهوية العمرانية التي تتميز بها منطقة تقرت أن نمط المعمار القديم خاصة البارز منه في عدة معالم معروفة يبرز بساطة في البناء، حيث تتشابه هذه المعالم في تواجد أبراج تعلوها ومعظمها رباعية الشكل فبرج رانو، المحكمة القديمة، فندق الهقار سابقا، فندق تراز أتلنتيك، برج الإذاعة سابقا، برج الثكنة سابقا أيضا وربما غيرها من الواجهات المعمارية التراثية فإنها كلها توحي بأن لهذا المكان نمطا عمرانيا خاصا وإن كان بسيطا دون تعقيدات فهو يؤكد الهوية العمرانية للمدينة التي فقدت اليوم الكثير من خصائصها التي تميز منطقة وادي ريغ.

الباحث الأخضر سعداوي: الإهمال الرسمي والجهل المجتمعي أفقداه الكثير

من جانبه يرى محمد الأخضر سعداوي، وهو من الباحثين المهتمين بالتراث المحلي أن معلم رانو هو قصر ساحر الجمال مبني، وفق الطراز التقليدي المحلي، استعمل في بنائه الحجر والجبس والطين، وفي بعض أسقفه جذوع النخل، هندسته جميلة جدا، وبني ليكون مسكن المعمر الفرنسي في بستان النخيل الذي أسسه والذي يحتوي كذلك وإلى جوار القصر وحدات لتصنيع وتوظيب التمور تمهيدا لتصديرها آنذاك، معربا عن أسفه الشديد لما آل إليه وضع هذا المعلم الذي كان يمكن أن يكون متحفا زراعيا مثلا –كما قال-، يضم كل أدوات وأشكال الزراعة المحلية كما كان يمكن استلهام طرق وأشكال للمعمار منه، لكن الإهمال الرسمي والجهل المجتمعي جعله يفقد الكثير من أجزائه، والباقي مهدد بالانهيار والزوال حاليا. وأضاف أنه قد تم في أكثر من مرة مناشدة الجهات المسؤولة وكل الناشطين في المجتمع المدني والمهتمين بهذه المعالم من أجل وضع اليد في اليد لترميمه ترميما متخصصا قبل فوات الأوان وإدراجه ضمن المؤسسات والمعالم الثقافية المنتجة، ليكون شاهدا على عدة أمور، أولها أن المستعمر عاش في هذه المنطقة وحكم أهلها بالظلم والقهر لعدة عقود، وثانيها لتثمين ثراء الفن المعماري المحلي وقدرته على التكيف مع طبيعة مناخ المنطقة عبر استغلال المواد المحلية إلى أبعد حد.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن العديد من المهتمين بالشأن الثقافي والجمعيات الناشطة في هذا المجال، بتقرت، يناشدون من أجل إعادة الاعتبار لكل المعالم المهددة بالاندثار.