طباعة هذه الصفحة

المبدعة العصامية وهيبة كساسرة لـ «الشعب»:

الـفـقـر والحرمان.. وراء اشتــعال جمــــرة الحَـرْف لـدي

أجرت الحوار: أمينة جابالله

عشقها للجزائر ليس له حدود، ناضلت من أجل أن تصبح شاعرة، بعد أن عُرفت كفنانة تشكيلية مبدعة في عالم الرسكلة والتدوير، شغوفة بالحرف النسوية التقليدية والمعاصرة، خبيرة في التطريز والخياطة، في جعبتها تصميمات مميزة من الأشغال اليدوية والديكورات الحائطية، متحصلة على العديد من الجوائز المحلية والدولية، أبرزها جائزة الأوسكار من أكاديمية السلام الدولي وحقوق الإنسان والنوايا الحسنة، عصامية روت عطشها للفن والإبداع من ترسبات طفولة عاشتها في بيئة بسيطة، دولابها الفقر، وبكرتها العزيمة، ودلوها الصبر..امرأة جزائرية اختير لها من الأسماء وهيبة كساسرة.

 الشعب: بداية، من تكون هذه الفنانة المبدعة كساسرة وهيبة؟
 المبدعة وهيبة كساسرة: ابنة الجزائر بلد المليون ونصف مليون شهيد، حفيدة لأحد شهداء الثورة وهو والد أمي عطر الله دماءهم بمسك العنبر في جنة الخلد إن شاء الله، ولدت وكبرت وترعرعت في مشتة تسمى مشتة تابلالت تابعة لدائرة الطاهير ولاية جيجل شرق الجزائر. كبرت وسط أسرة فقيرة جدا تتكون من إحدى عشر فردا، إضافة إلى الأب والأم، فأبي رحمة الله عليه كان عاملا بسيطا يجري وراء لقمة عيش أفراد أسرته كصباغ للجدران وأعمال مهنية حرة أخرى وأم تمارس حرفة الحياكة والتطريز اليدوي من أجل مساعدة أبي في لقمة العيش.
* متى ظهرت موهبتك مع فن الرسم؟ ومن اكتشفها؟
** كوني البنت الكبرى وسط البنات كنت قريبة جدا من أمي، أحب دائما مساعدتها في التطريز حتى أصبحت مولوعة بحب الأعمال اليدوية فكانت بدايتي من هناك في سن مبكرة من الطور الثاني من التعليم المتوسط نفس الإهتمام بالنسبة للرسم.
عندما كان أبي يعود من عمله ورائحة الصباغة على جسده مختلطة برائحة عرقه كانت تتغلغل مع أنفاسي، من قطرة عرق أبي سقيت وكبرت وكبر معي ذلك الشيء الذي يسمى الإبداع الممزوج مع الأشكال التي تشكلها أمي في أعمالها، فذاك الخليط شكل لدي لوحة فنية متناغمة..
قمت لأبحث لها عن عنوان بين الحروف وقتها كنت أدرس بالثانوية، وكانت مادة نشاط الرسم هي من ضمن اهتماماتي، أذكر أنني ملأت الساحة بالورود على الجدران وقتها كان مدرس لغة الأدب العربي الأستاذ العراقي البوسطاجي رحمه الله يصفني دائما بوهيبة الموهوبة، وكلما رآني إلا وقال لي: لم لا تكملين موهبتك وتجعلين بين هذه الألوان حروفا مفعمة بالصفاء والنقاء البارز على رسوماتك، وتمزجينها مع روحك الطيبة فيكون هناك تناغم لا حدود له جميل ورائع، وتكتمل اللوحة في روح واحدة مختلطة بين شاعرية الشاعر وإلهام الفنان لأني أرى أنه بإمكانك التعبير عن اللوحة بالكتابة أيضا.
*  ما هي عوامل انتفاضة الحرف على الريشة في داخلك؟
**  وأنا في مرحلة الثانوية قدّمت للأستاذ البوسطاجي العراقي مجموعة نصوص ليطلع عليها، لكن بقيت عنده وانقطع التواصل بسبب توقفي عن الدراسة ومن بعدها جاءنا خبر وفاته كالصاعقة آنذاك، وقتها كنت أحسن التعبير لكن مع الأسف لغة القواعد كانت مادة صعبة بالنسبة لي، ومازلت ليومنا هذا وبكل صراحة لا أجيدها رغم تشجيعات أساتذة اللغة لي من بينهم الأستاذ الفلسطيني عمر عواجة وأستاذي الجزائري بيوط ربما ظروف المعيشة والفقر هي التي أثرت على نفسيتي وعدم الإهتمام بالدراسة أو ربما الإحساس بالمسؤولية.
اجتزت امتحان البكالوريا ولم أفلح، فتوقفت عن الدراسة لكن بقيت أمارس الرسم بدور الشباب وأرسم على الجدران رغم بعد المسافة التي كانت بين منزلنا ودار الشباب، والتي كنت أستغرق في قطعها ساعة كاملة مشيا، لكن تحديت الصعاب والظروف حصلت على وظيفة في وزارة الشباب والرياضة وأنا بسن 19 سنة مكلفة بالتنشيط وتعليم الرسم، قبلها كنت متطوعة بعد انقضاء مدة عقد تشغيل الشباب بعد زواجي سنة 2000 توقفت عن الرسم لظروف الأسرة والوظيفة كوني أم لسبعة أولاد، فلم يعد لي الوقت الكافي لممارسة موهبتي ولم أعد أمتلك من اللوحات إلا القليل عشت الفقر...الظلم...الحرمان...الخ أعتبرهم من أسباب اشتعال جمرة الحَرْف لدي والنهوض بها من تحت الركام بعد طوال هذه السنين، فالكتابة عدت إليها مؤخرا في فترة لم تتراوح السنتين.
* ما هي الاضافة التي قدّمتها لك مشاركاتك في المناسبات الثقافية؟
** عندما نعمّم المناسبات الثقافية تجدني في ركن الأعمال النسوية والأشغال اليدوية خاصة، حيث شاركت في عدة مناسبات وطنية، كما أركز على عيد المرأة العالمي حيث أن هذه المناسبة يسلط عليها الضوء كثيرا، وهنا أقصد من جهة النسوة وإقبالهن على المعارض الخاصة بهذه المناسبة، فتجديني بين طيات الشراشف وحواف الدانتيل تارة وبين الغرز المبعثرة على مساحات الأقمشة كالزهر في المروج، فبروز اسمي بدأ في التسعينات كرسامة مولوعة بعشق الطبيعة التي كانت مصدر إلهامي، فهي تحرك مشاعري وتبعث بالأوراق المتساقطة من الخريف إلى الشتاء لترسي بهم على قارعة الطريق، وتفسخ المجال للأوجاع والمآسي والأحزان لتعبُر، فأكمل الطريق أفتش بين القش تارة وبين الحصى المبعثر علني أجد مفتاح الأمل لطالما رجوت من الله أن اجده فألهمني هذا المزيج من الإبداع وشيء من الوجع حركه القلم.
كانت بدايتي مع أول نص شعري بعنوان «ما وراء الظلام»، الذي لم أقم بنشره حتى يومنا هذا، وأتمنى أن ينشر كأول نص لي في طباعة ورقية بإذن الله، أنا لا أرى بكل صراحة أن هناك عمل جعل اسمي يبرز لحد الآن، لا أعتبر أن ما أنشره عبر المواقع الأدبية الإلكترونية فهو لا يضاهي وجع الظلم والحقرة والمعاناة التي عشتها في حياتي، حالي هذا مثل حال أي شخص يتوضأ من دمع قلبه، فنصوصي الأدبية مكتوبة بقلم حرك وجداني وزعزع استقراري النفسي، يحزنني جدا ما نعيشه نحن الشعوب العربية أشعر بالخذلان لحرمان الإنسان أن يكون إنسانا له وجود وكيان.
* هل منحك الفضاء الأزرق الشهرة والوصول إلى الآخر إبداعا؟
**  الفنان أو الأديب أو بالأحرى المبدع في أي نوع ولون من ألوان الإبداع أصبح العالم الأزرق هو الوسيلة الأساسية لشق الطريق نحو الأهداف، وان صح التعبير فهو الحقل لزرع البذور والحصاد نجمعه جميعا، يعني تبادل الأفكار واكتساب أنماط جديدة، فالعالم الأزرق فتح أبوابا للإبداع حيث ان ظروف المسؤولية داخل الأسرة والوظيفة تقيدنا وتجعلنا منغلقين على أنفسنا، وتجعل الحجج قائمة وترغمنا على السير في طريق غير ممهد ومجهول التفاصيل.
* ماذا عن عالم الإصدار والنشر؟
** بالنسبة للأعمال حاليا لا توجد أعمال مطبوعة أو منشورة غير الموجودة في المواقع الإلكترونية الأدبية والثقافية من بينها، «بؤرة الظلم» وكوني فنانة تشكيلية جسدت لهذا النص لوحة فنية تعبيرية، اعتمدت فيها على الألوان الحارة والباردة والظلم كفجوة سوداء حيث أن الخير والشر لا يلتقيان، وجع الأوطان يمزقني.
«إليك يا أمي»، وهو نص كتبته من وجع الذكريات والمعاناة التي عاشتها أمي من أجلنا، ويعود لها الفضل الأكبر في وصولي الى ما أنا عليه، وقلبي يتمزق وجعا حين أراها مشلولة طريحة الفراش، حقا أعطتنا العكاز لنرتكز عليه وسلمت جسدها للكرسي المتحرك، واعمال اخرى تنتظر مخطوطا يجمعها لتصير كتابا يؤثث المكتبات.