طباعة هذه الصفحة

ذكرى خاصة هذا العام

المولد النبوي الشريف في زمن الكورونا

أمينة جابالله

ألِفَتْ العائلات الجزائرية إستقبال ذكرى المولد النبوي الشريف بأجواء مميزة وعادات راسخة في كل مناطق الوطن مكتسبة من الأجداد، على غرار ما تعودت عليه الأسر عند استقبال شهر رمضان الكريم من تحضيرات حثيثة، سواء على مستوى المساجد التي تنشط في حملات تنظيف كغسل سجادة قاعة الصلاة، لاسيما أركان وبلاط المسجد تأهبا لاستقبال المصلين من صلاة الفجر إلى صلاة التراويح، أو على مستوى المنازل حيث نجد تلك الحركة الدؤوبة للنسوة والواسعة النطاق المتمركزة حول المنزل والتي يسميها بعض الرجال وهم يمازحون زوجاتهم وأخواتهم بالأشغال الشاقة، والمتمثلة في التعزيل والتنظيف وطلاء الغرف وشراء أوان جديدة..

جاءت كورونا وتغير معها طعم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هذه السنة، حيث تقلص حجم تسليط الأضواء بالضبط في ليلة المولد على تحضيرات ألفناها في المساجد والمراكز والنوادي الثقافية والزوايا الدينية، أين يتم فيها تسطير برامج وأنشطة ودروس وملتقيات فكرية وعروض ثقافية ودورات لتكريم حفظة القرآن الكريم التي ترافقها توشيحات إنشادية وحلقات تقصيد التي تبدأ من اليوم الأول من شهر ربيع الأول وتنتهي في ليلة الثاني عشر منه، في أجواء إيمانية تعلو فيها أبيات في مدح خير البرية وعلى رأسها قصيدتا «البُرْدَةُ»، و»الهَمْزِيَّة».
 استطاعت كورونا أن تحد من الفرحة جزئيا بكمامة يضعها الوافد للمسجد وبمحلول التعقيم الذي يرافق شروط الوقاية، ولكنها أبدا لن تمنع حناجر ألفت افتتاح ليلة المولد بأشجى الألحان وأطيب الكلمات وبصوت جماعي ومتناغم حينما تشدو «صل يا رب ثم سلم على من هو للخلق رحمة وشفاء».
من المنتظر أن تتخذ جل مناطق الوطن الداخلية نفس النسق تقريبا في ظل جائحة كورونا لإحياء ذكرى ليلة المولد النبوي الشريف، أو كما يطلقون على المناسبة في هذه المناطق بـ»سيدي الميلود»، حيث لا يكاد يخلو مسجد أو زاوية من مراسم الاحتفال، أين نجد تسابق الفتية في دور المساجد وهم يرتدون الكمامة للجلوس مع الكبار، ينصتون إلى مداخلات قصيرة للأئمة وبعض من رجال الدين، تصب كلها عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم تارة، ولترديد المدائح والقصائد تارة أخرى، لتكتمل الصورة البهية عند غروب الشمس بالولائم والموائد يشارك فيها كل الأهالي مع طلقات البارود وطبعا مع الأخذ بالاحتياطات الصارمة لعدم انتقال العدوى، وكي لا يشوب الفرحة أي تنغيص قد ينجم من مصير لا يحمد عقباه، تعبيرا عن الفرحة التي تحملها دلالة هذا الجمع المتلاحم روحيا والمتباعد جسديا، الذي حضر لإحياء نفحات شفيع الأمة بموروث ينادي بالوحدة والمساواة، فلا فرق بين فقير وغني ولا بين ذكر وأنثى، فكل فرح وسعيد في هذه المناسبة الدينية العالمية التي تكاد تكون هي الأولى على كل مناسبة دينية أخرى ف،لعمري أنه التاريخ الوحيد الذي تتوحد فيه إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في كل أصقاع العالم.
وفي المدن الكبرى التي لا تفوت «المولود»، كما هو الشائع في وسطهم، فنجد على مستوى المساجد خاصة والمراكز الثقافية تحضيرات لمسابقات فكرية دينية وثقافية ورياضية لكافة الأعمار وفق شروط وقائية تفاديا لانتشار الوباء. ولكي تمر هذه المناسبة الدينية بسلام تعززت ثقافة الوقاية أكثر بعد الدخول المدرسي أين ارتبط دور الكمامة على الصحة، وعليه سيتسنى للجميع الاستمتاع بأجواء استثنائية للمولد النبوي، حيث ستحضر الشموع لتنير هذه الليلة التي حضَّرت لها المصالح المعنية بروتوكولا خاصا يليق بفحواها وقيمتها لدى الجميع. فالكمامة والتعقيم لن يحولا عن إقامة الاحتفال فصاحب الذكرى الذي تحتفل الأمة به حثنا بأن لا نؤدي بأنفسنا إلى التهلكة.
في ذات السياق، كما هي عادة ربات البيوت في كل مناسبة دينية، خاصة في المولد النبوي الشريف، تتفنّـنّ في تحضير، إعداد أطباق شعبية يقدمنها ليلة المولد لأفراد أسرهن، في جو تصنعه دوما شقاوة الأطفال، الذين تظل أعينهم متربصة لتلك الأطباق المتراصة ورائحة الطمينة والشخشوخة والبربوشة والرشتة تناديهم بكل إغراء، مع حرص الأسرة على غسل الأيادي وحث الصغار على تجنب استخدام أدوات الغير إلا وتكون الأيادي معقمة، ناهيك في أجواء الاحتفاء التي تتطلب مراقبة مكثفة على تحركات هذه البراءة حفاظا على سلامتها وسلامة عائلتها.
هي أجواء إحتفالية استثنائية يعيشها المجتمع الجزائري هذه السنة لإحياء ذكرى خير الأنام في ظرف صحي حدّ من التوسع في الفرحة حفاظا على الصحة العامة من جهة، ومن جهة أخرى حرصا على استلهام سيرته العطرة من خلال ما جاء به ديننا الحنيف الذي ترتبط كل شعائره بالنظافة والوقاية، التي بدورها أصبحت محل بحث وسط كثير من علماء البيئة والمحيط يستدلون عليها، وما في جعبة تقارير تجاربهم ما يؤكد ذلك.