طباعة هذه الصفحة

الدكتور أحمد التجاني سي كبير لـ «الشعب»:

الأمثال الشّعبية بمنطقة ورڤلة امتداد للبيئة الصّحراوية

حوار: إيمان كافي

يقدّم الدكتور أحمد التجاني سي كبير، أستاذ بقسم اللغة والأدب العربي بجامعة قاصدي مرباح ومختص في الأدب الشعبي الجزائري، لجمهور القرّاء إصدارا جديدا بعنوان «الأمثال الشعبية في منطقة ورقلة».
يعتبر المُؤلف هذا الكتاب من بين الإصدارات التي اهتمت بدراسة قوة الأمثال الشعبية في أداء المعاني من باب عمق دلالاتها الكامنة، والمتجددة في كل مقام تضرب فيه بتشكيلة متمازجة بين التراث والذاكرة والبيئة.

- الشعب: ترتبط الأمثال الشعبية في الغالب بالذاكرة الجماعية، ما أهمية الرسالة التي تحملها في المجتمعات؟
 الدكتور أحمد التجاني سي كبير: الرسالة التي تحملها الأمثال الشعبية هي وصف الحالات الاجتماعية بكل تناقضاتها من أجل تحديد وضعيات التوازن النفسي والاجتماعي والفكري من جهة، ولرصد صورة واقعية عن الحياة الإنسانية في طابعها البسيط والمعقد في آن واحد.

- بالنسبة لجانب الدراسات الأدبية، فيما تتبين أهمية هذا النوع؟
 لا نتكلم عادة عن الأهمية الأدبية لأنها تحصيل حاصل، أي وجود الأمثال الشعبية كشكل كأدبي مستقل أو متضمن في الأشكال الأدبية المطولة كالحكايات الشعبية والأساطير القديمة والقصص والروايات الحديثة، فضلاً عن حكاية المثل أو القصة التي انبثق عنها المثل والتي نسميها بالمورد الذي هو مرجعية لفهم ضرب المثل في سياقاتها القولية المتجددة، لكننا عادة ما نتكلم عن جماليتها الأدبية المتعلقة بالوصف والتعابير الرمزية، وكذلك الصور البلاغية من استعارات ومجازات وبالخصوص الكنايات، حيث الدكتور أحمد أمين (الكاتب المصري المعروف) له كتاب حول الأمثال الشعبية المصرية سماه بـ «الكنايات العامية».

- كيف تقيّم هذه التجربة؟ وما الصعوبات التي واجهتها في الجمع؟
 تجربة البحث الميداني في مجال علم الاجتماع والانثروبولوجيا والأدب الشعبي عموماً لها جانبين من الصعوبة الأولى متعلقة بطبيعة أفراد المجتمع والثانية متعلقة بالمادة المجموعة.
وفي تجربتي لجمع الأمثال الشعبية واجهت مشكلة في عدم استحضار الأمثال الشعبية من طرف المتحدثين حين استقصائهم، وهذا راجع لأن الأمثال الشعبية تحضر في ذهن المتكلم حسب المواقف وليس حسب الطلب أو السؤال، وكذلك استهتار البعض بأهمية جمع المادة الشفوية الشعبية.
وأهم صعوبة واجهتني هي صعوبة كتابة الأمثال الشعبية بتلفظها الشفوي المنطوق حسب الإبدالات اللغوية للمنطقة (مثلا يبغي التي تعني يريد نجدها تنطق عندنا في ورقلة يبقي بإبدال الغين قافاً)، وكذلك الإبدال الشعبي لبعض الضمائر مثل (منه التي تنطق منو)، وقد اعتمدت الكتابة الشفوية كما تنطق في الواقع وحاولت الاستعانة بضبط التشكيل.

- ما الذي يميز الأمثلة الشعبية في منطقة ورقلة عن غيرها؟
 تتميز الأمثال الشعبية في منطقة ورقلة بجملة من الخصائص أهمهما: الجمع بين العمق التاريخي والارتباط الواقعي، ويتجلى ذلك في أنها متعلقة بتاريخ المنطقة وتأصيل في كتب الأمثال القديمة كمجمع الأمثال للميداني أو كتاب الأمثال الخوارزمي.
كما أنها تعبر عن الحياة الاجتماعية بمفردات لها خصائص النطق في المنطقة وهما إبدال الغين قافاً في كثير من المواضع (غابة - قابة) (غزال - قزال) (باغي - باقي)، وكذلك نطق القاف كما يتضح من اسم المدينة ورقلة إلى ورڤلة.
ونجد ذكر بعض الأماكن الواقعية وبالخصوص الأولياء الصالحين كما في ذكر المثل الولي الصالح سيدي بلخير الشطي في المثل الشعبي الرائج في ورقلة (اللي يدير الخير يدڤوا سيدي بلخير) طبعا وهذا من باب الاستنكار لمن يرد الجميل والخير بالنكران أو الظلم.
كذلك ذكر عناصر البيئة الصحراوية من البئر إلى النخيل ومشتقاته وحيوانات الصحراء من الخنفساء والجراد والعقارب إلى الناقة والجمل، وفي هذا امتداد تاريخي بالبيئة العربية الصحراوية.
أيضا تتميز الأمثال الشعبية في منطقة ورقلة بذكر الخصائص الاجتماعية لأهل الجنوب والصحراء عموما وورقلة بالخصوص.

- ما هي مواطن الشبه بين الأمثلة المروجة بمناطق أخرى في الجزائر؟
 مواطن التشابه بين الأمثال الشعبية في منطقة ورقلة كثيرة لا يمكن حصرها، من ذكر خصال الكرم والرجولة والأنفة والعزة والتغني بالوطن، كما يقول المثل «وطني وطني ولا رقادي في القطني».
ويمكن الاستزادة من هذا التداخل بالرجوع إلى مصنفين هامين في الأمثال الشعبية الجزائرية، وهما مصنف الأمثال الشعبية للعلامة بن شنب والأمثال الشعبية الجزائرية رغم أن الجمع كان في قرية صغيرة ببرج بوعريريج للأديب المبدع عبد الحميد بن هدوقة.

- لماذا يجب أن تحظى بالاهتمام برأيك؟
 يجب أن يحظى التراث اللامادي كاملا بالاهتمام لأنه يبين عناصر الهوية الوطنية بما فيها من خصوصية لمناطق الجزائر الحبيبة، كذلك يعتبر أهم رابط للكينونة والذاتية بتاريخها الفكري الضارب في عمق قدم الحضارة العربية.
والأمثال الشعبية أكثر أشكال الأدب الشعبي حضورا في حياتنا اليومية، فهي تعبر عن مكنونات الذات في بعدها اللاشعوري الجمعي وكذا في توجهها الفكري والعقائدي بفرعيه الديني والأسطوري.

- هل هناك اقتراح للحفاظ عليها كتراث ثقافي شعبي؟
 هناك العديد من الآليات يمكن الاطلاع عليها من خلال الرجوع للكتاب، ويعد استعمالها من طرف الكتاب والقصاصين والروائيين في أعمالهم أهم وأكبر ضامن لاستمرارها في الحضور اليومي، وحفظها من الضياع والزوال والنسيان.
الأمثال الشعبية أهم نص شعبي يحمل هوية المجتمعات كما بين ذلك الدكتور أحمد نعمان الجزائري في كتابه الثمين (المجتمع الجزائري من خلال أمثاله الشعبية)، الذي حدد فيه طبيعة الشخصية الجزائرية بإيجابياتها وسلبياتها من خلال الأمثال الشعبية.