طباعة هذه الصفحة

حصّنه بقانون أساسي ودعّم بيئته التكوينية والإبداعية

رئيس الجمهورية يعيـد الاعتبـار للفنان الجزائـري

أسامة إفراح

منذ البداية، التزم رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بخلق بيئة مواتية لنمو المواهب الفنية، وتشجيع مسارات تكوين فنية. كما التزم بدعم ومرافقة الإبداع الفني، والمبادرات التي يطلقها الفنانون الشباب من خلال وضع آليات الدعم وتشجيع الإبداع، وتثمين مهنة الفنان وكل الفاعلين في مجال الثقافة، وترقية دورهم الاجتماعي ووضعهم القانوني. التزامات كان مآلها التطبيق، وكان من ثمارها مكسب طال انتظاره، هو القانون الأساسي للفنان.

شكّلت الثقافة محورا رئيسا ضمن الالتزامات الـ54 التي قدّمها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، عندما ترشّح في رئاسيات 2019. ومن الأمثلة عن ذلك، نذكر الالتزام 20 “الإنتاج الفكري والثقافي والفني لخدمة النمو الاقتصادي”، الذي أكد على “تطوير الصناعة السينمائية والثقافية من خلال حوافز وتدابير جذابة لصالح المنتجين لأول مرة”، و«تشجيع الخبرة الوطنية في مجال الصناعات الثقافية والفنية للحدّ من تقديم الخدمات المستوردة”، و«تشجيع إنشاء استوديوهات الصناعة السينمائية واستوديوهات التسجيل وقاعات المسرح والعروض من خلال الحوافز الضريبية والمصرفية (مع إمكانية اللجوء إلى الشراكة)”، و«خلق بيئة مواتية لظهور ونمو المواهب الفنية لاسيما من خلال تشجيع مسارات تكوين دراسية وجامعية فنية وخلق شهادة بكالوريا فنية”، و«إحصاء مفصل حقيقي للإنتاج الصناعي والثقافي والفني الوطني ووضع دليل يتمّ تحديثه سنويا للإنتاج الصناعي والحرفي الوطني”.
أما الالتزام 46 “تعزيز الثقافة والأنشطة الثقافية”، فأكد على دعم ومرافقة الإبداع الفني والأعمال الثقافيــة، وتحسـيـن شــبكة الهيــاكل القاعديــة، ودعم ومرافقة المبادرات التي يطلقها الفنانون الشباب من خلال وضع آليات الدعم وتشجيع الإبداع، وتثمين مهنة الفنان وكل الفاعلين في مجال الثقافة وترقية دورهم الاجتماعي ووضعهم القانوني.
وقد حرص رئيس الجمهورية على الوفاء بالتزاماته وتجسيدها، من أجل النهوض بالمشهد الثقافي والفني الجزائري، وهو ما تكرّس في مكتسبات كان منها القانون الأساسي للفنان.

قانون الفنان..  مكسب طال انتظاره

جاء القانون الأساسي للفنان ليحقّق مطلبا ملحّا نادى به الفنانون لعقود، مطلب أولاه رئيس الجمهورية الاهتمام والعناية، بدليل أن النص القانون صدر في شكل مرسوم رئاسي.
ونتحدث هنا عن المرسوم الرئاسي رقم 23- 376، المؤرخ في 7 ربيع الثاني عام 1445 الموافق 22 أكتوبر سنة 2023، والذي يتضمن القانون الأساسي للفنان، وهو القانون الذي يهدف إلى تحديد حقوق وواجبات الفنان (المادة الأولى).
وحسب المادة الثالثة، يعتبر فنانا “كل شخص طبيعي يمارس نشاطا فنيا، من خلال الإبداع أو المشاركة بأعماله الفنية أو الأدبية أو التقنية أو الإدارية في الإبداع أو إعادة الإبداع الفني، أو في أدائه أو تنفيذه بأي شكل كان وعلى جميع الدعائم، ويساهم بذلك في تطوير الفن والثقافة”، كما تعرّف هذه المادة تقني الأعمال الفنية، وإداري الأعمال الفنية، والنشاط الفني، والإبداع الفني، والعقد الفني، ومقابل النشاط الفني، والمهن الفنية، والمؤسسة الفنية، والمقاول الذاتي.
خصّص القسم الأول من الفصل الثاني من القانون إلى حقوق وواجبات الفنان، وتوضح المادة الرابعة الحقوق، على غرار الحصول على بطاقة فنان، والإبداع الفكري، وممارسة النشاط الفني بكل حرية في ظل احترام التشريع والتنظيم المعمول بهما، والحصول على عقد فني، والحصول على مقابل نشاط فني، والحماية الاجتماعية والتقاعد، والاستفادة من عقد تأمين تكميلي يغطي المخاطر الاستثنائية التي قد يتعرّض لها الفنان في إطار ممارسة نشاطه الفني.
كما تكرّس هذه المادة الاستفادة من الحماية من كل أشكال التعدي والعنف خلال ممارسة الفنان عمله الفني أو بسبب الأعمال المنجزة، وتأسيس أو الانخراط في هيئة تمثيلية مهنية، والمساهمة في إعداد السياسات العامة في الميادين الثقافية والفنية، وكذا الاستفادة من تكوين فني أو تقني من أجل ترقية الفن والثقافة، وكل هذه الحقوق دون الاخلال بالحقوق المادية والمعنوية المعترف بهما لهذا الفنان بموجب التشريع والتنظيم المعمول بهما.
أما المادة الخامسة، فتمكّن الفنانين الذين يمارسون نشاطات فنية بصفة ظرفية، من الاستفادة من عطلة استثنائية غير مدفوعة الأجر، لأداء أعمالهم الفنية بصفة ظرفية وفق الشروط والكيفيات المحددة في العقد الفني، على ألا تتجاوز ثلاثة (3) أشهر في السنة.
وتضمّن المرسوم أحكاما خاصة بالأطفال (أقل من 16 سنة)، والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وأحكاما أيضا خاصة بالفنانين الأجانب، وكذا شروحات خاصة ببطاقة الفنان، والعقد الفني، ومقابل النشاط الفني، والمؤسسات الفنية.
أما الفصل الثالث من القانون بعنوان “النشاط الفني”، فنجد القسم الخامس منه مخصصا لـ«ترقية نشاط الفنان”، وتبين المادة 29 كيف يستفيد حامل بطاقة الفنان الذي لم يتابع تكوينا متخصصا في المجال الفني، من دورات تدريبية ودورات تكوين مستمر على مستوى مؤسسات التكوين المتخصصة والمعتمدة من الدولة وذلك قصد تنمية موهبته وتأطيرها.
فيما تؤكد المادة 30 على أن حامل بطاقة الفنان يحظى بالأولوية في التشغيل بنسبة سبعين في المائة (70%) من مجموع الفنانين المشاركين في الأعمال والنشاطات الفنية. ومن جهتها، تؤكد المادة 31 على التزام المؤسسات الفنية المستفيدة من الدعم العمومي بتشغيل حاملي بطاقة الفنان بنسبة ثمانين في المائة (80%)، على الأقل من مجموع المشاركين في الأعمال والنشاطات الفنية، كما تلتزم بإشراك المتربصين من مؤسسات التكوين خلال إنجاز العمل الفني”. وتشير المادة 32 إلى وجوب الحصول على رخصة مسبقة من مصالح الوزارة المكلفة بالثقافة، في الحالة التي لا تسمح فيها طبيعة العمل الفني الواجب إنجازها بمراعاة النسب المائوية المذكورة في المادتين السابقتين.
كما تطرّق المرسوم إلى الحماية الاجتماعية للفنان، وفي هذا الصدد، سبق لوزيرة الثقافة والفنون، صورية مولوجي، تأكيد مباشرة وزارتها الإجراءات الإضافية للحماية، وتحدثت عن إنشاء المركز الطبي الاجتماعي الخاص بالفنان، إلى جانب إنشاء دار الفنان الجزائري.

دعم المقاولاتية الفنية

ومما ورد أيضا في قانون الفنان، أن مدونة المهن الفنية تحدد وتحيّن بموجب قرار من الوزير المكلف بالثقافة، بعد موافقة المجلس الوطني للفنون والآداب عليها، حيث تحدّد المهن الفنية حسب المجالات الآتية: الفنون الأدبية، والفنون المسرحية، والفنون الموسيقية، وفنون العرض، والفنون الكوريغرافية، والفنون البصرية، والفنون السينماتوغرافية والسمعية البصرية، وفنون الشارع، والفنون الرقمية. وهو ما شرحته وزيرة الثقافة والفنون، حينما تحدثت عن المهن الفنية التي قسمت إلى “تسع مجالات كبرى (...) علما أن عملية التحيين تبقى مستمرة كلما دعت الضرورة”.
واعتبرت مولوجي أن هذا القانون “سيشجع على إنشاء نقابة وطنية للفنانين تكون شريكا اجتماعيا هاما لقطاع الثقافة”، وهو “ما سيسمح لهذه الهيئة التمثيلية للفنانين للاضطلاع بمهمة الرقابة الأخلاقية والمهنية على الساحة الفنية وعدم السماح بأي عمل يسيء للثقافة الجزائرية وقيم المجتمع وثوابت الدولة الجزائرية”.
ويتوافق ذلك مع إجراءات الدولة لتشجيع المبادرات الاقتصادية الحرة، وهنا نذكر القانون الأساسي للمقاول الذاتي، الذي يسمح للشباب بالقيام بأنشطة مربحة بطريقة منظمة وقانونية، في إطار رسمي، والاستفادة من تغطية الضمان الاجتماعي.
ولم يُستثنَ الفنان من هذه الاستراتيجية الرامية إلى النهوض بالمقاولاتية وتشجيعها، حيث نجد ميدان “الخدمات الثقافية والاتصال والسمعي البصري” من الميادين السبع الرئيسية المشكلة لقائمة النشاطات التي تسمح بالحصول على “بطاقة المقاول الذاتي”.
ويشمل هذا التصنيف (أي الخدمات الثقافية والاتصال والسمعي البصري) 345 نشاطا يملك كل نشاط منها رمزا محددا، نذكر من الشاعر إلى الكاتب الأدبي، إلى الملحن، إلى مؤلف الأعمال الدرامية، والملحن، إلى الخطاط ومصمم الخطوط، إلى المنتج السينمائي، وغيرها من الأنشطة الفنية. وتمكّن هذه البطاقة الحاصل عليها من مزاولة نشاطه بطريقة مقنّنة، وفوترة خدماته، والتصريح بأرباحه، كما يستفيد حاملها من امتيازات نذكر منها الإعفاء من إلزام القيد في السجل التجاري، والإعفاء من إلزامية توفير محل لممارسة النشاط، ونظام ضريبي تفضيلي.

التكوين الفني.. أولوية

صحيح أن الموهبة، في الغالب، أساس الفن والإبداع، ولكنها، مع ذلك تحتاج إلى صقل وتعزيز، وهو ما يضمنه التكوين الجيد والمدروس. وفي هذا الصدد، وكما أشرنا سابقا، حمل الالتزام العشرون (20) من التزامات رئيس الجمهورية فكرة التأسيس لبكالوريا فنية، وهو ما تجسد على أرض الواقع بالثانوية الوطنية للفنون التي تحمل اسم الشهيد الفنان “علي معاشي”، حيث استحدثت وزارة التربية الوطنية، في السنة الدراسية 2022-2023، “شعبة الفنون” في مرحلة التعليم الثانوي العام والتكنولوجي.
ووفقا لما تضمنه القرار الوزاري رقم 37 المؤرخ في 14 أبريل 2022، الذي يحدّد شعب التعليم الثانوي العام والتكنولوجي، فإن استحداث هذه الشعبة يهدف إلى “تنمية وصقل مواهب التلاميذ الفنية وتطويرها وإكسابهم ثقافة تمكنهم من فهم الأبعاد الثقافية، التاريخية والجمالية للإبداعات الفنية وترقية البعد الفني وإعطائه مكانة في النظام التربوي الجزائري”.. ويدرس التلميذ الموجّه إلى هذه الشعبة “مواد تعليمية مميزة في المجال الفني، ترفق كل واحدة منها بمعامل وحجم ساعي يجسدان تميزها، إلى جانب مواد تعليمية مشتركة مع شعب السنة الثانية ثانوي ليتوّج هذا المسار الدراسي بشهادة بكالوريا التعليم الثانوي في أحد الخيارات الأربعة”.
وتشتمل بكالوريا الفنون على أربعة خيارات هي الموسيقى، والفنون التشكيلية، والمسرح، والسمعي البصري، وتمّ انتقاء 157 تلميذا من ذوي المواهب من 52 ولاية، لمتابعة الدراسة في ثانوية علي معاشي. وكانت هذه السنة موعدا مع أول بكالوريا فنون في تاريخ الجزائر، حيث سجّلت ثانوية “علي معاشي” نسبة نجاح في دورة 2024 بلغت 79,45 بالمائة (شعبة المسرح بنسبة 94,29 بالمائة، شعبة الفنون التشكيلية بنسبة 82,50 بالمائة، شعبة السينما بنسبة 81,25 بالمائة، شعبة الموسيقى بنسبة 61,54 بالمائة).
وسيكون بإمكان الناجحين مواصلة دراستهم الجامعية في المعاهد المتخصصة، على غرار المعهد العالي لمهن فنون العرض، والمدرسة الوطنية للفنون الجميلة، والمعهد الوطني العالي للموسيقى “محمد فوزي”، دون أن ننسى المعهد العالي للسينما “محمد لخضر حمينة” الذي كانت وزيرة الثقافة والفنون قد أكدت جاهزيته بداية من الموسم الجامعي المقبل 2024-2025.
يتبين مما سبق المكانة المحورية التي يتبوؤها التكوين الفني في أجندة الدولة الجزائرية، وذلك في سبيل العناية بالمواهب وتنشئتها بشكل علمي ومنهجي، لتكون ثنائية الموهبة/التكوين لبنة قوية في بناء الصرح الثقافي.

الفن.. تخليد بطولات الأمة

ليس جديدا على الفنان الجزائري تسخير موهبته للدفاع عن الوطن ومقوماته، وهو الذي قاوم في الماضي مساعي الاحتلال لمسخ الهوية الجزائرية، ثم وضع فنه في خدمة ثورة التحرير المباركة، ثم أسهم بفعالية في معركة البناء والتشييد غداة الاستقلال. ويقع على عاتقه، اليوم، الترويج لتراث الجزائر الضارب في عمق التاريخ، والذود عنه، وإيصال بطولات الشعب الجزائري للعالم، وقبل ذلك، للأجيال الصاعدة.
وفي هذا الصدد، اعتبر رئيس الجمهورية (في رسالته بمناسبة اليوم الوطني للشهيد 18 فيفري 2020) أن كل شهيد من شهدائنا المغاوير، هو قصة بطل تحكى، ورواية تروى، وتاريخ يدوّن كي يشكل الحزام النوفمبري، الذي ينتقل عبره “حب التضحية من أجل الوطن” من جيل إلى جيل. ولهذا السبب، دعا رئيس الجمهورية إلى التدوين الفني للتاريخ، وبالأخص تاريخ ثورة نوفمبر المباركة.
وجدّد رئيس الجمهورية (في رسالته في 01 نوفمبر 2021) التأكيد على أهمية الإبداع الفني في تخليد نضالات الجزائريين، حين قال: “أهيب بالمؤسسات التي يقع على عاتقها الاهتمام بتاريخ الحركة الوطنية وثورة التحرير، وأدعوها للمبادرة بوضع تصورات وبرامج محددة المواضيع والآجال، وللانتقال بأسرع ما يمكن إلى حفظ وتوثيق المادة التاريخية، بالاعتماد على الرقمنة.. وتوفير الشروط الملائمة للباحثين والمبدعين في شتى الفنون، لإبراز حقيقة النضالاتِ القاسية، والتضحيات الجسيمة من خلال أعمال فنية راقية، وإبداعاتٍ تسمو إلى تضحيات، عانقت عنان السماء في نبل الأهداف والمقاصد الإنسانية العظيمة لثورة نُوفمبر 1954.. إنه لا مناص من استدراك الفراغ في هذا الشأن بإنجازات مبدعة، تضاف إلى تلك الطفرات النادرة في مجال الصناعة السينمائية والإنتاج التلفزيوني والإذاعي، والأعمال الأدبية والفنيـــة المميزة، التي عكست بكفـــــاءة واحترافية نـزرا قليــــلا من تـــاريخ مسيرة النضال الوطني، والكفاح المسلح للشعب الجزائري، الذي يحتفظ في كل قَرية، وفي كل دشرة، وفي كل حي من مدننا، بأحداث ووقائع تشهد على ثورة مجيدة عظيمة، ستظل حاضرة بوهجها في ضمير الإنسانية جمعاء، وعميقة في هوية وذاكرة الأمة، ترسم للجزائريات والجزائريين خط الوفاء للتاريخ وللذاكرة”.