الجزائر وفلسطين بينهما حبل سُري لا يتقطّع

قالت إنّهم أحرجوها لتقديسهم الجزائر

لينة ياسمين

 تفتح المطربة الفنانة سلوى قلبها لـ «الشعب»، وتعترف في حديث عفوي عن مغامرة جريئة قادتها إلى الأردن وسوريا وفلسطين والعراق والكويت ومصر ودول أخرى في ستينيات القرن الماضي،استذكرتها وغزة الجريحة تنزف دما، وتسرد قصة أثّرت فيها ولا تزال تذكرها، عن معارف لها فلسطينيين تركوا فيها أثرا لم تمحه الأيام، حينما قدّموا لها يد العون والمساعدة بعد أن تنبّهت إلى أن نقودها التي كانت معها ضاعت، ولم يبق لها فلس تنفقه في مغامرتها وسفريتها تلك.

تعود المخضرمة وصاحبة الصوت الرخيم، وإحدى نجمات الغناء التي سطعت بسماء الجزائر عبر عقود متتالية ـ (بدأت المخضرمة طريقها نحو النجومية وهي ابنة 14 عاما، غنت مع كبار الفن أمثال خليفي أحمد ونالت جائزة أوسكار الجزائر أمام وجوه فنية مشهورة أمثال الراحلة نورة والمطرب محمد العماري وسجلت روائع لها والتقت بوجوه أدبية تاريخية وعظماء في فن الغناء والطرب كشاعر الثورة مفدي زكريا والأديب الراحل نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس، وديع الصافي وسميرة توفيق) ـ إلى بداية سنوات الستين. وتروي في عفوية كلام وبراءة حديث عن تجربتها ومغامرتها الجريئة، حينما قررت وهي في ريعان شبابها مقبلة على مستقبل لم تكن تعرف عواقبه ومشوار فني ارتوى من تلك التجربة، قرّرت السفر إلى بلدان المشرق العربي لخوض تجربة شخصية دامت نحو عامين، وتقول أنّها وقعت في ورطة وحيرة حينما كانت تترحّل بين سوريا والاردن، وقد ضاعت نقودها منها ولم تعرف كيف السبيل في استكمال مغامرتها، وهي على تلك الحال تعرفت على عائلة فلسطينية توطّدت علاقة عائلية بينهما وأخبرتهم في حياء عن محنتها، تقول:
«لم أكن أتوقّع كل ذلك الكرم من عائلة عبود عبد العال، تفضّلوا عليّ بالمال واستقبلوني بينهم واستضافوني أيما ضيافة، وزرت وإياهم المسجد الأقصى والقدس الشريف والخليل وأماكن مقدسة وحي المغاربة، ذلك الحي الزاخر بـالمعابد والجوامع والكنائس، ومحلات تجار ارتحلوا منذ زمن الى فلسطين وأقاموا واستقروا هناك وتزوّجوا وأنجبوا أجيالا انصهرت مع اخوانهم الفلسطينيين». وتواصل في حكايتها وهي تجلس على أريكة من كتان مخملي  وبسمة ارتسمت على شفتيها وحملقت في تركيز وهي تلبس نظارتها الجميلة وتقول: «أكرمتني عائلة عبود وزادوا في كرمهم واشتروا لي تذكرة الى الكويت بعد أن اخبرتهم عن نيتي بمواصلة مغامرتي،  سافرت إلى الكويت ومكثت هناك مدة قاربت الـ 60 يوما، وسجلت أغاني  لي زادت عن الـعشرة، من بينها «يا ابن عمي يا صغير»، وجمعت ما يكفيني من المال لمواصلة رحلتي ومغامرتي، وعدت الى الأردن وسوريا ولبنان والتقيت بعائلة عبود عبد العال مرة أخرى، وهنا كانت الصدمة والإحراج الذي لم أشعر به من قبل وربما حتى من بعد تلك الأيام السعيدة».
تتوقّف وتستجمع أنفاسها وترخي يديها على أريكتها المخملية، وتقول: «لما أردت أن أعيد إليهم دينهم، رفضوا بأدب وحشمة، انصدمت فالعائلة لم تكن من الرياش المترفين، والحاجة الى المال وقتها ملحة، لكنهم ردوا عليها وقالوا: كان لنا الشرف أن نستضيف إحدى بنات ثورة المليون ونصف المليون شهيد، والكرم كل الكرم أنّك شرّفتنا ونزلت بيننا ضيفة غالية، نحن من يجب أن يرد اليك هذا الجميل. تجمّد الدم في عروقي وتسمّرت وشعرت بالإحراج، وتنبّهت وأنا في سنوات شبابي أن للجزائر قدسية بين أشقائنا من فلسطين ومن دول أخرى، وشعرت في الوقت نفسه بالفخر والاعتزاز بالانتماء لبلد عشقه غيري بحب ملائكي فيه من القداسة والروحانية، فكيف ستكون مشاعري نحوه وأنا ابنة ذلك البلد عدت إلى بلدي الغالي، وطن الثوار والشهداء والفخر والاعتزاز».
      الجزائر وفلسطين بينهما تاريخ وحبل سُري لا ينقطع  
حقيقة يقرّها باحثون في التاريخ وأحفاد جيل عاش في فلسطين، أن فيه عائلات جزائرية و من المغرب العربي الكبير، لها روابط تاريخية متينة لا تقل عن رباط الحبل السري في علاقتهم مع فلسطين، ومكمن تلك الحقيقة يظهر في أنّ لهم أملاكا وقفية تنتشر في ربوع فلسطين المحتلة وخاصة بقرية عين كريم القريبة من القدس الشريف والمسجلة بالمحكمة الشرعية بـ «رسم التحبيس»، وأن جزائريا من عائلة تنحدر من ولاية باتنة كان مسؤولا مباشرا على عملية التوثيق  لتلك الأوقاف والإشراف على أحوال الجالية المهاجرة منذ زمن الولي الصالح «سيدي بومدين الغوث « إلى أن وافته المنية في العام 1960 بالقدس.
وتوضح تلك الحقائق التاريخية والموثقة أن حجم الأملاك الوقفية المتواجدة بفلسطين المأسورة دون حساب الواقعة بالقسم التابع للملكة الأردنية تباين بين أراضي زراعية وعيون وأبار مائية وسكنات (إحداها كان يطلق عليها دار الخبز لتقديم الإعانات لأبناء الجالية المغاربية  من أموال الإيجار)، وبساتين في شكل حدائق زادت مساحتها عن الـ 15 ألف هكتار، وأن العقود الرسمية والأصلية التي تثبت ذلك موجودة لدى دائرة الأوقاف بالقدس الشريف.
وأكثر من ذلك يعترف تقرير صادر في العام 1959، عن وضعية الأوقاف المغاربية بالقدس الشريف، بأن وزارة الخارجية الفرنسية رفعت دعوى في العام 1953 ضد اليهود المحتلين، طالبت فيها الاعتراف بأن قرية «عين كريم» والأراضي التابعة لها هي ممتلكات جزائرية ومغربية وتونسية، ودعت إلى رفع الحجز عنها والتعويض عن استغلالها منذ العام 1948، وهي حقيقة واقعية ما يزال أحفاد في الجزائر يبحثون عن صيغ لأجل استرجاع تلك الأملاك الوقفية إلى يومنا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024