اختتم الفنان التشكيلي رضا بوهراوة معرضه الفردي الذي احتضنته قاعة “عايشة حداد” بشارع ديدوش مراد وسط العاصمة الجزائرية، تحت عنوان “نور بين الظلال”.. المعرض، الذي نظمته مؤسسة “فنون وثقافة” لولاية الجزائر، واستمر لعدة أيام، فاتحا أمام الزوار نافذة على عوالم فنية داخلية وخارجية، نسجها الفنان بريشته المتأملة وحسه البصري الرفيع.
ضم المعرض حوالي ثلاثين عملا فنيا، تنوعت بين الألوان المائية والأكريليك والزيت، وجسّدت مشاهد من أزقة ومدن غربية في مشاهد ليلية وأجواء ماطرة. من خلال هذه الأعمال، اصطحب بوهراوة الزائر في رحلة بصرية بين باريس وبروكسل ولندن ونيويورك، مزاوجًا بين الضوء والعتمة، الحنين والتجوال، الواقعي والحلمي.
الفنان العصامي رضا بوهراوة الذي يفضل العيش في الظل بعيدا عن الأضواء، لا يكثر من الظهور في المعارض، مفضلاً تقديم فنه كحالة وجدانية شخصية، يتقاسمها مع دوائر محدودة من الأصدقاء والمقرّبين. هذا المعرض شكل استثناء، كشف عن جانب من مجموعته الفنية الخاصة التي يحتفظ بها في الجزائر، والتي جمعها خلال سنوات طويلة من الترحال والتأمل.
أشار الفنان بوهراوة، إلى أنه لم يحضر معرضا ذا موضوع موحد بسبب ضيق الوقت، لكنه اختار أن يقدّم أعمالا نابعة من ذاكرته البصرية وانفعالاته الحسية، قائلا: “أرسم ما أشعر به، ما أعيشه، وما يترك أثرًا في داخلي”. لوحاته تغلب عليها مشاهد الشوارع القاتمة تحت المطر، حيث تُسلّط الأضواء بين الغيوم أو تنعكس على الأرصفة المبللة، ما ينتج مشهداً بصرياً شاعرياً يدمج بين الحركة والسكون.
ولم تخلو الأعمال من تنوّع أسلوبي؛ فإلى جانب الطابع الواقعي الذي يهيمن على أغلب اللوحات، ضم المعرض أيضاً مجموعة تجريدية استخدم فيها الفنان ألواناً قوية مثل الأبيض، الأوكر، والأحمر الداكن، ما أضفى على المعرض بعداً تأملياً وفتح المجال أمام الجمهور لتأويلات متعددة.
اللافت أيضا أن بعض اللوحات الكبيرة كانت تطل مباشرة على الشارع عبر النوافذ الزجاجية للقاعة، ما جعل المارة يتوقفون ويتأملون المشهد من الخارج، ثم يدخلون لاكتشاف تفاصيل أكثر. هذا التفاعل التلقائي بين المدينة والفن أضفى على المعرض طابعاً حياً، تجاوز حدود القاعة إلى الفضاء العام.
رصد المعرض تفاعلا لافتا من جمهور متنوّع، ضم مهتمين بالفن التشكيلي وطلبة فنون جميلة، إضافة إلى زوار عاديين قادتهم الصدفة إلى القاعة، حيث توقف كثير منهم عند النوافذ التي عرضت اللوحات الكبيرة المطلة على شارع ديدوش مراد، قبل أن يقرروا الدخول لاستكشاف تفاصيل هذا العالم المضيء وسط العتمة.
إحدى الزائرات، طالبة في معهد الفنون، وصفت المعرض بأنه “درس حي في كيفية استخدام الضوء كعنصر تعبيري”، مضيفة: “كل لوحة تبدو كأنها مشهد من فيلم صامت، حيث تتحدث الألوان والإضاءات عن قصة دون الحاجة إلى كلمات”. أما فنان تشكيلي شاب حضر الافتتاح، فقال إن بوهراوة “يمتلك حسا بصريا نادرا، يجمع بين الرهافة والانضباط، ويستطيع خلق مشاعر معقدة من مشهد بسيط كشارع تحت المطر”.
وفي تعليق لأحد الصحفيين الثقافيين، أشار إلى أن المعرض يشكل “امتدادا لفن التأمل البصري، حيث تصبح اللوحة مساحة لتقاطع الذات مع المكان، والذاكرة مع المشهد”. وأضاف: “أعمال بوهراوة لا تبهر في الوهلة الأولى، لكنها تلامس شيئا دفينا في الداخل، وتدعونا للوقوف طويلا أمام التفاصيل، لاكتشاف ما بين الضوء والظل.