طباعة هذه الصفحة

حويلـي يزيّـن المكتبة بإصدارين

أنثروبــولوجيـا الأدب..بحوث في حقول الثّقافة الشّعبية

فاطمة الوحش

 في خطوة علمية جديدة تعكس حرصه على إثراء الساحة الأكاديمية في مجالي الأدب والأنثروبولوجيا، أصدر الدكتور نبيل حويلي، أستاذ التعليم العالي بجامعة الجزائر 2 ومدير مخبر أطلس الثقافة الشعبية، كتابين جديدين عن “دار خيال للنشر والترجمة”، يشكّلان إضافة نوعية في مجالهما، ويترجمان سنوات من الخبرة العلمية والبحث الميداني المتصل بالثقافة الشعبية الجزائرية، خاصة في بعدها الرمزي والطقوسي.

 يحمل الإصدار الأول عنوان “محاضرات عامة في أنثروبولوجيا الأدب”، وهو ثمرة جهد علمي وأكاديمي يسعى إلى تبسيط وتقديم مفاهيم هذا التخصص للطلبة بطريقة منهجية وميسّرة. جاءت هذه المطبوعة في شكل محاضرات عامة ضمن مقياس “أنثروبولوجيا الأدب”، حيث راعى المؤلف أثناء إعدادها الشمول والعموم والتبسيط، وهي عناصر تهدف إلى تسهيل عملية تلقي المادة العلمية البيداغوجية، بما يجعلها أداة فعالة في التكوين الجامعي.
ويتضمّن الكتاب أربعة عشر محاضرة، سعى من خلالها الدكتور حويلي إلى الإلمام بكل موضوع على نحو علمي وافٍ، وأرفقها بنماذج تطبيقية تساعد القارئ على الاستيعاب والفهم بشكل أفضل. بدأت المحاضرات بمقدمة حول تعدد مفاهيم علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) ودلالات مضامينه، ثم تلتها محاضرة ثانية بعنوان “خلق الإنسان في ميثولوجيا الشعوب”، وفي المحاضرة الثالثة تم التطرق إلى النظرية التطورية الثقافية الاجتماعية للإنسان، لتليها محاضرة حول علاقة علم الإنسان بالعلوم الأخرى وتداخله معها. ثم جاءت محاضرة بعنوان “تاريخ الأنثروبولوجيا” استعرض فيها المؤلف أهم المحطات التاريخية لهذا العلم، قبل أن ينتقل إلى الحديث عن فروعه المتعددة، حيث تناول الأنثروبولوجيا الطبيعية، ثم الأنثروبولوجيا النفسية، فالأنثروبولوجيا الثقافية. وفي المحاضرة التاسعة تمّ تحديد مصطلحات أساسية مثل الإثنوغرافيا والإتنولوجيا والأنثروبولوجيا، بينما خصّصت المحاضرة العاشرة لموضوع التكوين والانتشار. وفي المحاضرات اللاحقة تم تناول الاتجاهات الأساسية لتطور علم الإنسان، مع التركيز على الاتجاه الوظيفي، كما خُصصت المحاضرة الثانية عشرة للأنثروبولوجيا الاجتماعية، وتلتها محاضرة في الأنثروبولوجيا الحقلية، ثم اختُتمت السلسلة بمحاضرة حول الأنثروبولوجيا البنيوية والأنثروبولوجيا التأويلية.
أما الكتاب الثاني، فهو ميداني الطابع، ويحمل عنوان “الممارسات الطقوسية والأساطير المرافقة لها بمنطقة القبائل”، حيث جمع فيه الدكتور نبيل حويلي مجموعة من الطقوس التي تُمارس في منطقة القبائل شمال الجزائر.
وقد أشار المؤلف إلى أنّ هذه المنطقة تُعد ميدانا خصبا للدراسة الأنثروبولوجية، بالنظر إلى ثراء ثقافتها الشعبية التي أنتجتها ظروف تاريخية واجتماعية معينة، كما أنها تختزن مجموعة معتبرة من الطقوس المتنوعة. من بين هذه الطقوس، نجد طقوسا استرضائية (rites propitiatoires) تقوم على إرضاء القوى الخفية لكي لا تؤذي البشر وتتركهم وشأنهم، بالإضافة إلى طقوس زراعية ترتبط بالحرث والحصاد والفلاحة، وتسعى إلى مباركة المحصول، مثل طقوس استقبال موسم الحرث في بداية فصل الخريف، أو طقوس انتصاف فصل الصيف واستقبال فصل الربيع. كما نجد أيضا طقوسا تكهنية (rites de pronostications) تهدف إلى معرفة المستقبل قصد الانتفاع به وتدارك الأخطاء، فضلا عن طقوس تستهدف تغيير مجرى المتاح، مثل طقوس “ابزار” (الاستسقاء) التي تُقام أثناء انتشار القحط والجفاف، وطقوس دفع الزياح وإبعادها، وطقوس دفع الطرفان وغيرها من الطقوس المنتشرة في منطقة القبائل.
الكتاب ليس فقط توثيقا لهذه الطقوس، بل هو قراءة علمية في دلالاتها وأبعادها داخل البنية الاجتماعية والثقافية للمنطقة، ويبرز مدى ارتباط هذه الممارسات بالذاكرة الجماعية والهوية الثقافية لسكان القبائل.
للإشارة، الدكتور نبيل حويلي، هو أستاذ التعليم العالي بجامعة الجزائر 2، يشغل منصب مدير مخبر أطلس الثقافة الشعبية بالجزائر، ومختص في الدراسات الثقافية الشعبية. حائز على شهادة دكتوراه علوم من جامعة مولود معمري بتيزي وزو، وعضو في لجان تحكيم علمية عديدة داخل الوطن وخارجه، إلى جانب عضويته في المجلس العلمي لجامعة الجزائر 2، والمركز القومي للترجمة. يمتلك رصيدا أكاديميا غنيًا يشمل مقالات علمية وكتبًا متخصصة في مجالات الأدب والنقد الثقافي والأنثروبولوجيا.