طباعة هذه الصفحة

يعتبره عملا ثقافيا ببعد استراتيجي.. خليل بن عـزّة لـ”الشعب”:

توظيف التراث الشّعبي في الأدب.. صـناعـة المسـتقبـل..

أمينة جابالله

الإدمــاج في الحاضر..حـفـاظ على الموروث الـفنـي

يرى الدكتور خليل بن عـزّة، بأنه لطالما احتل التّراث الشّعبي مكانة محورية في تشكيلِ الهويةِ الثقافيةِ للشٌعوبِ والأممِ، وهو الحال مع بلادنا الجزائر أمةً ومجتمعًا، حيث نجدُه ـ يقول ـ أن كل ما يرتبط بالمستوى الأنثروبولوجي للمعرفة، يختزن الحكايات والأساطير والرٌموز والعادات والتّقاليد والأعراف التّي تُشكّل ذاكرتَنا الجماعية، مضيفا “ومع تعاقب الأجيال، تحوّل هذا التٌراث من مجرّد ماضٍ يُروى إلى مادةٍ حيوية تُستعاد في الصّناعات الثّقافية عمومًا والأدب على وجه الخصوص، والذّي أَثبت قدرتَه على إعادةِ تقديمِه في قوالبٍ فنيةٍ معاصرةٍ.”

قال الباحث في اقتصاديات الإعلام والوسائط الجديدة، الدكتور خليل بن عزّة في تصريح خص به “الشعب “ إننا “نظل كنقاد ومحللين ثقافيين نحاول الإجابة عن هذا السّؤال الإشكالي الهام: ما مدى حضور التراث في الصّناعات الثقافية الجزائرية عموما والأعمال الأدبية على وجه الخصوص؟ وكيف يُسهم الكُتاب والمثقفين في توثيقِه واستثمارِه في أعمالِهم بما يخدم الثّقافة والمجتمع؟
ولكي نجيب على هذه التساؤلات، يقول: “دَعُونا نقول بأنّه في المشهد الأدبي الجزائري المعاصر، يتجلى بعض الحضور النّسبي للتّراث الشّعبي في بعضِ الأعمال الروائية والشعرية، حيث يستعيد الكُتّاب الحكاية الشّفوية، والأغنية الشّعبية، والأسطورة المحلية كعناصرٍ سرديةٍ تحمل بُعدًا رمزيًا وتاريخيًا، نقول ذلك ونحن نفكر مثلاً في بعض أعمال الكاتبة الرّوائية أحلام مستغانمي، على سبيل المثال، والتّي توظف التّراكيب الشّعبية والوجدان الجماعي في بعض حواراتِها لتمنح النٌصوص بعدًا واقعيًا حميمًا. وأيضًا الرّوائي واسيني الأعرج الذّي ينفتح على البعد الصٌوفي والأسطوري ببراعة، مستلهمًا شخصيات من الذّاكرة الشّعبية مثل الولي الصّالح والمتصوف “سيدي عبد الرحمن الثّعالبي”، ضمن بنيةٍ سرديةٍ حداثيةٍ تجمع بين الواقعي والتّخييلي”.
هذا التوظيف حسب المتحدث، لا يندرج فقط ضمن الوظيفة الجمالية للنّص، بل يمتد إلى وظيفة توثيقية وحفظية، تجعل من الأدب وسيلةً فعّالةً في صيانةِ التٌراث الشّعبي من الاندثار. إذ يُسهمُ في أرشفة الذّاكرة الشّعبية وتحويلها إلى مادة مكتوبة، خاصةً في ظل تراجع التّقاليد الشّفوية بسبب التغيرات السٌوسيولوجية والتّحولات التّكنولوجية الرّاهنة. ويضيف “بيد أنّ هذا الاستثمار لا يخلو من التّحديات، إذ ينبغي على الكاتب أن يعي الفرق بين إعادة إنتاج التراث نقديًا، وبين الوقوع في فخ الفلكلرة (Folklorization) التي تحوّل التراث إلى صورةٍ سطحية أقرب إلى الاستهلاكية، فالأدب لا يستدعي التراث كمادةٍ جاهزةٍ، بل يُعيد تأويله ويمنحه دلالاتٍ جديدةٍ تتماشى مع قضايا العصر، كالهُوية، والمعرفة، والسلطة، والقيمة، والوجود”..
ويشير بن عزة إلى أنه يمكن للكاتب الجزائري المعاصر أن يستثمر في التراث الشّعبي بعدّة طرقٍ بنّاءةٍ ومنتجةٍ، منها مثلاً اعتماد بنية الحكاية الشّعبية كأساس للسّرد، وإعادة كتابة الأسطورة في سياقاتٍ حداثيةٍ، مع توظيف الأمثال الشّعبية والحكم الكلاسيكية والأغاني التّقليدية واللهجات البدوية..لإثراء اللٌغة، أو مزج أشكال التّعبير الشّفوي بالمكتوب. أضف إلى ذلك استثمار تطور الوسائط الرّقمية كمبتكرات مستحدثة تمنح إمكانات جديدة لتقديم التراث عبر الرّوايةِ التّفاعلية، أو المسرحِ الرّقمي، ممّا يُعـزز من انفتاح الأدب على الفنون البصرية والتّقنيات الحديثة.
كما يؤكد بن عزة أن توظيف التراث الشّعبي في الأدب الجزائري “يعد عملًا ثقافيًا ذا بُعد استراتيجي”، كما يعتبر شكلا من أشكال “المقاومة الرّمزية الرّامية إلى تثبيتُ الخصوصيةِ الثّقافيةِ من خلال الفن، الأدب، صناعة المحتوى، ومختلفة الصّناعات الثّقافية، بهدف ربط الحاضر بالماضي دون السٌقوط في فخ اجترار التّقليد”، وأردف في الختام بالقول “إن الحفاظ على التراث الشّعبي لا يعني تجميده، بل إدماجه في الحاضر وإعادة بعثه عبر الكتابة، ليبقى حيًا في الوجدان الجماعي، وملهمًا للإبداع في الحاضرِ والمستقبل”.