طباعة هذه الصفحة

المـهـرجان الثقافي والفنـي بالنـعامــة..

”الوعـدة”.. هنـا يبــدع أصحاب البارود والكارابيـلا..

النعامة: محمد أمين سعيدي

أهم ما يميز التظاهرات الثقافية “الوعدة” هو ذلك المهرجان الثقافي، الفني والرياضي المفتوح في الهواء الطلق، ولعل أهم ما يميزه هو الفروسية والفنتازيا التي تمنح لهذه المناسبة نكهة خاصة، تحت وقع صهيل الخيول ودخان ودوي البارود، بمشاركة كل من قبائل المجادبة، لعمور، حميان (النعـــامة)، أولاد نهار (سيدي بلعباس)، سيدي يحي (تلمسان) وغيرها من الفرق المحلية والوطنية من أدرار، غرداية، ورقلة، وولايات أخرى تشتهر بها الفنتازيا، من خلال فرق خاصة ومدربة تعرف بـ«العلفة”.

تمنح الفنتازيا للتظاهرة الثقافية “الوعدة” نكهة خاصة، حيث يتم استحضار الأصالة الجزائرية من خلال الأهازيج الشعبية واللباس التقليدي لولاية النعامة، إضافة إلى اعتماد تقاليد وطقوس خاصة لا ينبغي الإخلال بها وإلا كانت هجينة، منها اللباس الخاص لهذه الفرق، أو العلفات التي تتبارى وتتباهى بما تملكه من خيول فارهة وبنادق ولباس وسروج ذات أشكال وألوان وأنساق موحدة.

فضاء مفتوح على الفلكلور الشعبي الأصيل

تعتبر “الوعدة” فضاء مفتوحا على الفلكلور الشعبي الأصيل، خاصة رقصتي العلاوي والحيدوس التي تشتهر بهما المنطقة، ويقدمان تحت أنغام القصبة والغايطة والقلال، فهما فن تشتهر بهما المنطقة بالجهة الغربية وتتفنن فيه الفرق التي تؤديها، حيث تحاول كل فرقة إعطاء لمسة خاصة بها، خاصة من حيث توزيع الرقصات، أو ما يعرف بالرشم ومدى انسجام الراقص مع ضارب الدف، هذه النوع من الرقص ذات الإيقاع المنسجم، والحركات الدقيقة التي توحي بإيقاع حركة الخيل، واندفاعها في ميدان الحرب ومناوراتها ودورانها عند الصدام، كما يوحي “العلاوي” بدوي البارود، ونظام الجماعة ذهابا وإيابا، أما رقصة “الحيدوس” وبالرغم من أنها رقصة تشتهر بها النساء يتقنها كذلك الرجال، ولعل الحيدوس من الحدس الذي هو السرعة، والمضي على استقامة واحدة، وتقوم على نظام الصف المنسجم المتراص، وعلى الإيقاع الواحد باستخدام الأيدي والأرجل والصوت، ويمكن أن نجسد في هذه الحركة والاندماج في كلتا الرقصتين، طبيعة البدوي الذي لا يقر له قرارا في الأرض، إلى جانب الشعر الشعبي الملحون والكلمة الموزونة، في حلقات دائرية ينشطها فطاحلة الشعر الملحون، وشيوخ الأغنية البدوية في باقات متنوعة، تمتاز بالفكاهة أحيانا وبالرسائل الدينية، الوطنية والعاطفية، وكل فنان وما جادت به قريحته.

سوق مفتوح وتجارة متنوعة

تتميز الوعدة كذلك بتنظيم سوق شعبي كبير لمدة ثلاثة أيام، تتم من خلاله المبادلات التجارية بكل أنواعها بين تجار المنطقة والتجار الوافدين من مختلف أنحاء الوطن، حيث يتم عرض كل المنتوجات التجارية المحلية سواء فلاحية كفاكهتي الرمان والتمر المعروفة بهما المنطقة، خاصة تمر “الفقوس وأغراس”، أو الصناعات التقليدية كالأواني المنزلية المصنوعة من الحلفاء، الافرشة، الزرابي، الجلابيب..وغيرها من الصناعات النسيجية الصوفية، حيث تنظم بهذه المناسبة غرفة الصناعات التقليدية لولاية النعامة، بالتنسيق مع مديرية السياحة وبمشاركة الديوان الوطني للسياحة، خلال هذه التظاهرة معرضا إما محلي، جهوي أو وطني للصناعات التقليدية، كما يستغل سكان المنطقة الفرصة لاقتناء الأشياء المفقودة والتي يجلبها التجار المتنقلون من مختلف الولايات إلى المنطقة، كما أنها فرصة للسياحة الداخلية والترويج لها، حيث أن استقطاب الزوار من مختلف مناطق الوطن يساهم في تنشيط الحركة التجارية والسياحة للمنطقة..

جــود وكــرم..

إلى جانب الكرم والجود فإن “الوعدة” خاصة وعدة “سيد أحمد المجدوب” بعسلة تتميز بالتنظيم المحكم من طرف أحفاد سيدي أحمد المجدوب، حيث يتم تخصيص مكان للنساء مرتفع يمكنهم من خلاله مشاهدة كل الأنشطة الثقافية للمنطقة المنظمة بهذه المناسبة، ويتم حراستهم من طرف بعض الأشخاص كلفوا بهذه المهمة، بينها مهمة الأمن تنظيم حركة المرور فقط، كما تشهد قبة الولي الصالح” سيدي احمد المجدوب” إقبالا قياسيا من طرف الزوار للتبرك به إلى جانب قراءة القرآن الكريم، حيث يتم ختمه كاملا ليلة الخميس إلى الجمعة، وتنشيط مدائح دينية من طرف بعض الشيوخ سواء من القبيلة أو من خارجها، خاصة القادمين من ولايات أخرى في حلقات كبيرة سواء بالزاوية، أو ببعض البيوت وتسمى هذه الحلقات بـ«الحضرة”.
لتختتم هذه التظاهرة بحلقة دائرية كبيرة مساء يوم الجمعة قوامها مئات المواطنين تسمى بـ«المعروف”، حيث يتم خلالها قراءة فاتحة الكتاب والدعاء للبلاد والعباد وإنزال الغيث ليفترق الجمع مع ضرب موعد آخر السنة المقبلة بحول الله..
إحياء “الوعدة” هي تجديد للعهد مع الأرض والدين، فهي تذكير بقيم الإخلاص، الوفاء، العمل الجماعي، وتكريم العلماء والمصلحين الذين خدموا الدين والوطن، فالوعدة هي تراث لامادي وموروث ثقافي يحترم ويحافظ عليه، لأنه رغم تغيير الزمن تبقى الوعدة تراث حافظ على مكانته فهو عنوان للفخر والهوية، وجب الحفاظ عليها وتوريثها للأجيال القادمة.