طباعة هذه الصفحة

عنصر محوري في التخطيط التنموي المستدام..باحثون

هذه سبل تثمين التراث الثقافي المعرّض للخطر

قسنطينة: مفيدة طريفي

احتضن مركز البحث في تهيئة الإقليم بقسنطينة أشغال الملتقى الدولي حول “التقنيات المتقدمة لتثمين وترويج سياحة التراث الثقافي والطبيعي في الأقاليم المعرّضة للخطر”، وذلك بحضور شخصيات أكاديمية وإدارية وفاعلين من مختلف القطاعات، بهدف مناقشة إمكانات التقدم التكنولوجي في حماية وتطوير التراث، وتحويله إلى أداة استراتيجية للتنمية الإقليمية المستدامة.

انطلق الملتقى وتحت إشراف البروفيسور أحمد بوراس، مدير جامعة قسنطينة 1، من فكرة جوهرية مفادها أن التراث الثقافي والطبيعي لم يعد مجرد ذاكرة جماعية فقط، بل أصبح عنصرًا محوريًا في التخطيط التنموي المستدام، خاصة في المناطق الهشة والمهمشة. وقد أكد البروفيسور شوقي بن عباس في كلمته الافتتاحية أن “إدماج التراث في استراتيجية التنمية يتطلب الاستعانة بالتقنيات الحديثة، وتحقيق التكامل بين المعرفة الأكاديمية والتطبيقات التكنولوجية الذكية”، مضيفا أن هذه الرؤية تستلزم تعاونًا فعليًا بين القطاعات، سواء من خلال توظيف نظم المعلومات الجغرافية، الذكاء الاصطناعي أو بناء قواعد بيانات رقمية تعزز من جاذبية المواقع التراثية وتُسهّل حمايتها وترويجها سياحيًا باستخدام الفرص التي تتيحها التكنولوجيات المتقدمة، بهدف استكشاف سبب البحث والقدرة على بناء استراتيجية متكاملة للحفاظ على السياحة في المناطق الثقافية والطبيعية وتعزيزها.
وسلط المشاركون الضوء على المخاطر الكامنة التي تهدد المناطق ذات القيمة الثقافية والطبيعية، والتي تتراوح بين التغيرات المناخية، الكوارث الطبيعية، الامتداد العمراني الفوضوي والإهمال البشري. كما ناقش الخبراء نقص الحماية القانونية، هشاشة البنى التحتية، وضعف التمويل كعوامل تضاعف من خطورة فقدان هذه الأصول الثقافية.
وفي هذا السياق، أشار البروفيسور منير بوشفاتي، في تصريح خاص، إلى أن “استدامة التنمية التراثية تبدأ من النظر إلى التراث كمنظومة إنتاج، وليس ككائن أثري ساكن”، مضيفًا أن “التقنيات الحديثة تتيح فرصًا غير مسبوقة لإعادة إحياء التراث وربطه بالاقتصاد المحلي، من خلال السياحة الذكية والمحتوى الرقمي التفاعلي”.
وقد ناقشت الورشات والجلسات العلمية إمكانات توظيف التكنولوجيا لتعزيز الجاذبية السياحية للتراث، عبر عدة حلول مثل الواقع الافتراضي، المسح الثلاثي الأبعاد، تطوير التطبيقات السياحية الذكية، وإدماج الزائر في تجربة تفاعلية رقمية تغني عن القيود الجغرافية والزمنية، كما تم عرض تجارب حية لتوظيف الطائرات بدون طيار في المسح الأثري، وتطوير منصات ترويج رقمية لمواقع غير معروفة للعموم، بما يسهم في تنشيط اقتصاديات محلية خارج الدوائر السياحية التقليدية.
الملتقى الدولي الذي جاء في شكل اجتماع رئيسي متعدد القطاعات مكن من تحقيق أهداف ملموسة، أبرزها دراسة إمكانات التقدم التكنولوجي لحماية وتثمين التراث في المناطق المعرّضة للخطر، بناء استراتيجية متكاملة للبحث والتطوير تستند إلى تجارب ميدانية ومبادرات ناجحة، إلى جانب إنتاج قاعدة توصيات تطبيقية تسهم في صياغة سياسات عمومية تراعي البعد التكنولوجي في إدارة وتثمين التراث.
رؤية جديدة لمستقبل المدن
وبالمقابل، أجمع المتدخلون على أن خلاصات هذا الملتقى يمكن أن تُشكّل مرجعًا استشرافيًا لتخطيط مستقبل المدن الجزائرية، لا سيما تلك التي تعاني من هشاشة في مواردها الطبيعية أو طمس لهويتها المعمارية والثقافية، معتبرين أن إدراج التراث في صلب استراتيجيات التنمية لا يمكن أن يتحقق دون دمج التقنيات المتقدمة، وتوفير بيئة تشريعية وتمويلية ملائمة.
الملتقى جاء ليؤكد أن التراث ليس عبئًا يجب حمايته فقط، بل فرصة يمكن استثمارها بذكاء، شريطة توجيه التكنولوجيا في خدمته، وتفعيل الجهود المشتركة بين الباحثين وصناع القرار والمجتمع المحلي، فهي بداية مسار جديد يُمكّن المدن الجزائرية خاصة الهشة منها، من تحويل ماضيها إلى مورد تنموي مستقبلي.