طباعة هذه الصفحة

”نصف قرن من السّرد بنون النّسوة”

كتاب يوثّـق مسار الرّوايـة النّسائيــة الجزائريـــة

أسامة . إ

 صدر للبروفيسور محمد فايد والدكتورة آسية بوطيبان كتاب “نصف قرن من السرد بنون النسوة في الجزائر، بيو ـــ بيبليوغرافيا (1973 ـ 2024)”، وهو عمل يُعنى برصد التطور الكمّي للرواية النسائية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية، من خلال دراسة بيبليوغرافية وبيوغرافية تسعى إلى تقديم صورة تقريبية وشاملة للمشهد الروائي النسائي خلال خمسين سنة من الكتابة، بدءًا من أولى المحاولات في السبعينيات إلى غاية الإصدارات المعاصرة.

 صدر حديثًا عن دار “ألفا للوثائق”، كتاب توثيقي بعنوان “نصف قرن من السرد بنون النسوة في الجزائر، بيو ـ بيبليوغرافيا. دراسة في الرواية النسائية الجزائرية المكتوبة بالعربية (1973 ـ 2024)”، من تأليف أ . د . محمد فايد ود . آسية بوطيبان.
يؤكّد الكاتبان في مقدّمة كتابهما المتكون من 150 صفحة، أن البحث في الأدب الجزائري يظلّ مركز اهتمامهما، رغبة منهما في مزيد من الاشتغال على نصوصه وقضاياه، بغية التعريف به، ومنحه ما يستحق من الرعاية والمتابعة، وإيمانًا منهما بكونه ما يزال حقلًا بكرًا لمّا يُلْتَفَت بعدُ إلى جميع مراحل نشأته وتطوره وأعلامه، ولعل السرد بنون النسوة في الجزائر يكون من أكثر فروع ذلك الأدب حاجة للدراسة، سواء تعلق الأمر بالنصوص التي يشهد تواترًا في ظهورها، أو بالكاتبات اللائي لا يكاد قسم من القراء يعرفهن، أو حتى بتاريخ الكتابة في هذا الفرع وتلويناته الأجناسية والمضمونية والموضوعاتية.
وفي هذا الإطار جاء هذا الكتاب، غير أنّ اشتغال الكاتبين فيه لن يتجاوز محاولة رصد التطور الكمي للرواية النسائية الجزائرية المكتوبة بالعربية، والظاهر من خلال العنوان أنهما يحتفيان من خلال هذه الدراسة بمرور خمسين سنة على صدور أول محاولة روائية تكتبها امرأة جزائرية باللغة العربية، وهي المحاولة الموسومة “الطوفان” لصاحبتها زوليخة السعودي، هذه المحاولة التي لم تنشر كاملة للأسف، حيث نشر حلقات منها فقط عبر جريدة “الحرية” بقسنطينة مطلع سبعينيات القرن الماضي، وتلتها بعد سنوات رواية “من يوميات مدرّسة حرة” للروائية زهور ونيسي التي يمكن عدّها أول رواية نسائية جزائرية تصدر باللغة العربية.
ورفعًا لكلّ لبس، أكّد الباحثان أنّ هذه الدراسة تظل عملًا تقريبيا، لا يدّعيان من خلالها مقدرتهما على الوصول إلى جميع ما صدر من الروايات النسائية الجزائرية باللغة العربية خلال الفترة المعلن عنها، كما أنّهما لم يستطيعا الحصول على ترجمة لجميع الكاتبات، حيث تعذّر عليهما ذلك رغم محاولاتهما الكثيرة.
ولأنّ الدراسة البيبليوغرافية دراسة إحصائية تأريخية تعليمية تعريفية، فإنّها لا تمنح شرعية الانتساب إلى الجنس الأدبي (الرواية) وليست مطالبة بذلك، فتلك مهمّة المؤسسة النقدية، لأنهما في البيبليوغرافيا يحتكمان بالدرجة الأولى إلى المؤشر الأجناسي الذي يتضمنه الغلاف لا غير، وعليه فإنّ جميع النصوص المذكورة ضمن البيبليوغرافيا، والترجمات الواردة ضمن البيوغرافية، أُثبتت استنادًا إلى محمولات الغلاف وتصريحات الناص، سواء عبر التواصل المباشر أو عن طريق الروافد المساعدة.
من جهة أخرى، يعرف المهتمّ بالأدب الجزائري أن الفترة بين (1990 و2000) هي فترة التأسيس الفعلي للكتابة الروائية النسائية الجزائرية باللغة العربية، ودلائل ذلك تواتر ظهور النصوص والكتّاب والاستمرارية في الكتابة، عكس الفترة التي سبقتها (1973 و1989)، حيث لم يصدر خلالها سوى بضع حلقات من نص “الطوفان” حوالي سنة 1973 للكاتبة زوليخة السعودي، ونص “من يوميات مدرّسة حرة” لزهور ونيسي سنة 1979.
وقد سجّل الباحثان، وهما بصدد إنجاز هذه الدراسة التي تتوزع على قسمين، القسم الأول خاص بالبيبليوغرافيا، والقسم الثاني خاص بالبيوغرافية، جملة من الملاحظات يتعلق بعضها بالنصوص، وبعضها الآخر بالكاتبات:
أولا، التطور الكبير للنصوص الروائية النسائية المكتوبة بالعربية من حيث الكمّ، حيث انتقل من أكثر من أربعين نصًا (40) خلال الفترة من 1990 إلى 2000، إلى أكثر من مائتين (200) خلال الفترة من 2000 إلى 2015.
ثانيا، تطوّر عدد الكاتبات من كاتبة واحدة في الفترة (1970/1992) إلى أكثر من 160 كاتبة في الفترة ما بين (1992/2024)، وتمكُّن أكثر من تسعين (90) كاتبة، أي أكثر من (50%) من الكاتبات، من تجاوز عتبة النص الواحد. كما توجد إمكانية لتجاوز البقية عتبة النص الواحد، فمن بين أكثر من ثمانين (80) كاتبة صدر لهن نص واحد، لدينا أكثر من خمسين (50) كاتبة صدر نصّها الأول خلال السنوات الثلاث الأخيرة (2021-2022-2023)، أي أنّهن في بداية المشوار الإبداعي.
ثالثا، تصدر الروائية ربيعة جلطي الترتيب من حيث الكمّ، فقد صدر لها خلال الفترة (2010/2024) ثمانية نصوص روائية. كما حاز عدد كبير من الكاتبات جوائز أدبية مثل (علي معاشي / كتارا فئة رواية الفتيان / سعاد الصباح / المجلس الأعلى للغة العربية / آسيا جبار / الطيب صالح…). ومن الأمثلة على ذلك: هاجر قويدري عن روايتها “نورس باشا”، بلكحل نسرين عن روايتها “سيلفي”، ليلى عامر عن روايتها “حواف مينا”، صباح مدرق نارو عن روايتها “وطن مع وقف التنفيذ”، مريم يوسفي عن روايتها “أبي الجبل”، ناهد بوخالفة عن روايتها “سيران”، هدى بوهراوة عن روايتها “نحو النور”، حميدة شنوفي عن روايتها “ريح الشمال”، آمنة حزمون عن روايتها “المجانين لا يموتون”، إنعام بيوض عن روايتها “هوارية”.
رابعا، الوعي بالتأطير الأجناسي وأهميته، حيث لاحظ الباحثان ورود مؤشرات أجناسية غير معتادة في الكتابة الروائية الجزائرية، مثلا: نص “من كلّ قلبي..رواية للأطفال” لأمل بوشارب، و«نحو النور..رواية للفتيان” لهدى بوهراوة.
خامسا، نقل نصوص سردية نسائية جزائرية من اللغة العربية إلى لغات أخرى، مثل رواية “حنين بالنعناع” لربيعة جلطي التي تُرجمت إلى الفرنسية ونُشرت بعنوان “أجنحة الضاوية”، كما تُرجم نص “آخر الكلام” لآمال بشيري إلى الإسبانية.
سادسا، ظهور أنماط كتابية جديدة: رواية تفاعلية، وهي نص “المعتوه” الذي أشرفت عليه الكاتبة فضيلة بهيليل، رواية مسموعة بصوت صاحبتها، وعنوانها “زلة قلب” للكاتبة زهرة مبارك، رواية ضمن نمط الخيال العلمي، وعنوانها “ثابت الظلمة” لأمل بوشارب، رواية تاريخية “حرب المذاهب” للكاتبة ريم بن العابد، رواية بتقنية البرايل للمكفوفين “حوش المعاشات” لحميدة شنوفي، رواية ثنائية، وهي نص “أرواح كيريانوسا” للجزائرية نور الهدى لشلح والفلسطينية نهى الحوراني، وروايات لمبدعات من حقل معرفي مغاير، مثلا: طبيبة المخ والأعصاب آمنة حزمون، والصيادلة ميرة غربي وخليل ياسمينة، والجمركية بشرى بوشارب، وغير ذلك.
وفي الختام، جدّد الباحثان التأكيد على كون هذه الدراسة تقريبية، لعدم استطاعة الوصول إلى بعض الكاتبات وبعض النصوص، ولكنّها تظل في حدود معرفتهما أكثر دراسة تحاول تقديم صورة شبه مكتملة عن المشهد الروائي النسائي الجزائري المكتوب باللغة العربية من الناحية الكمية.