طباعة هذه الصفحة

رئيس الاتحاد العالمي لأدباء الحسّانية الأستاذ الدوه ولد بنيوك لـ “الشعب”:

الجزائر دولة عظمى بإمكانها النّهوض بالثّقافة الحسّانية

حاوره: علي عويش

القضيــة الصّحراوية العادلــة..قضية البيظـان الأولـى

خطـاب عالمي من أجـل الثّقافــات الشّعبيـة خدمـةً للقضايـا العادلــة

حيـاة أبنــاء البيظــان بجميع تفاصيلهــا..قصيـدة

 الثّقافة الحسّانية هي ثقافة البيظان، وهم عشيرٌ ومكوّن اجتماعي ينتشر في عدة دول غرب الصحراء الكبرى، منها الجزائر، موريتانيا، الصحراء الغربية، ليبيا، مالي والنيجر، ولهذه الثقافة عدة امتدادات تشكّل أحياناً عواصم وحواضر دول كانت موجودة، مثلما تمثّل موريتانيا حاضنةً وحاضرة للمرابطين، ومثلما تمثّل الجمهورية العربية الصحراوية حاضرةً للقبائل العربية المجيدة، ومثلما تمثّل الجزائر نواةً للثقافة الحسّانية من توات وواركزيز إلى كيدال. في هذا الحوار الذي انفردت به “الشعب”، يكشف رئيس الاتحاد العالمي لأدباء الحسّانية الأستاذ الدوه ولد بنيوك جانباً من الثقافة الحسّانية، وما تعيشه من تجاذبات في واقع إقليمي متشنّج، مستعرضاً آفاقها ومستقبلها، ودور الجزائر في تعزيز مكانتها وحضورها في المجتمع.

الشعب: في البداية، ضعنا في صورة ماهية الثقافة الحسّانية وطبيعة الرجل البيظاني؟
  رئيس الإتحاد العالمي لأدباء الحسّانية الأستاذ الدوه ولد بنيوك: الإنسان البيظاني أو الرجل في قبائل بني حسّان له عدة خصائص، منها القريحة والمَلَكة الجيّاشة وسرعة النُكتة وسرعة البديهة والموسوعية، حيث أنّ هذه الثقافة الحسّانية قد تكون هي الوريث الشرعي الوحيد للثقافة العربية الإسلامية في المنطقة، وبما أنّها الوريث الشرعي لهذه الثقافة، فقد ورثت الحسّانية قِيم الفروسية والإباء، وتمجيد قِيم الإيثار والتكافل والسماحة والذود عن الحِمى، كما ورثت قِيم الذَودِ عن العِرض بالبذل والعطاء، والدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تكون الثقافة الحسّانية الأدب العالمي الوحيد بعد اعتراف المنظومات الدولية به كتراث عالمي يمثّل “إكسير” الحياة لدى متذوّقيه، لأنّه يرافق الإنسان البيظاني من المهد إلى اللحد، فالإنسان البيظاني في يوم مولِدهِ، تُكتب له قصيدة تكون بمثابة احتفال بميلاده، وإذا بلغ أربعين يوماً ذٌكِّر بالبيت الذي قيل فيه يوم مولده، بكلمات تمجّد المولود وتمجّد ذويه، وبأنه من مجتمع يحبُّ الخير وينبذ الشر، وبأنّه من مجتمع يحترم الآخر، ولكنه يذود عن الذِمار، وإذا ما بلغ الطفل أو البنت في مجتمع البيظان سن الرشد، وأخذ في البناء الذاتي والتمايز، تُنظّم له قصيدة تعبّر عن الفرح والسرور بهذه المناسبة الاجتماعية، تُذكَر فيها المناقب الاجتماعية للزوج والزوجة، وما يجمعهما من صِلات وما يجمعهما من قيم السّماحة والخير والنُبل، وحين يبلغ مرحلة الشيخوخة في مجتمع البيظان تنظم له قصيدة كذلك.
ولقد واصل مجتمع البيظان تجسيد هذه العادات والتمسّك بها في عصرنا الحالي، فأصبح الفرد البيظاني عندما يريد تبوأ منصب سياسي، يتم تنظيم حملات انتخابية تكون القصيدة الحسّانية هي الناطق الرسمي باسم جميع الحركات السياسية عند البيظان، تُعبّر عن برنامج انتخابي متكامل لهذا المرشّح أو تلك المرشّحة، وبعد عمر طويل وحين يتوفّى الأجل الرجل أو المرأة من مجتمع البيظان، تُنظّم له قصيدة كذلك لرثائه وذكر مناقبه، لتذكير أبنائه بأنهم من ذلك الصُلب، وبأنهم من ذلك المنبع، وعليهم أن يتحلّوا بتلك الأخلاقيات والسلوكيات، والحفاظ على تلك العادات والتقاليد.
القصيدة في مجتمع البيظان ترافق الفرد منه من المهد إلى اللحد، وهو فن يطرق جميع الأغراض، من مدح، غزل، توحيد، مديح للنبي المصطفى، إلى تهيدين وهو “فن الملحمة”، وقد تكون أمة البيظان من الأمم القلائل التي تهتم بالملحمة في شعرها، فإذا كانت ملاحم الحضارات الأخرى تُألّه الفرد وتجعل البطل غير قابل للهزيمة، فإن الثقافة الحسّانية في مرحلة من مراحلها، كانت تُؤلّه البطل كذلك، وعندما نتجاوز فن الملحمة في الشعر الحسّاني، نجد فنوناً تكاد تكون محتكرة على القصيدة الحسّانية رغم أن الشكل يأخذ عدة ألوان، إلا أن الأغراض في حد ذاتها تكون أكثر بضعفين من الشعر العربي الفصيح.
 هل هناك ما تخشونه على الثّقافة الحسّانية؟
 أخشى ما نخشاه على الثقافة الحسّانية هو ألعاب الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي التي بدأت تغزو البيوت، وأن ندخل العولمة بدون بصمتنا الخاصة، فنجد البعض منا يغلق على الأطفال، ويحبسهم بين أربعة جدران ويعطيه الهاتف أو لوح رقمي، فنكون بذلك قد أعطيناه كل العالم وأقفلنا عليه حيزاً جغرافياً ضيقاً بإمكاننا أن نتحكم فيه، وبالتالي، نكون قد فتحنا الباب أمام الطفل على مصراعيه على جميع السخافات والتفاهات والبذاءات، وجميع ألوان الشذوذ والهرطقةِ والإلحاد.
البيظان يعايشون بعض التشنّجات يختلقها مراهقون سياسيّون بالمنطقة، فهل تؤثّر على تماسك النسيج المجتمعي بين البيظان؟
 هذه الثقافة هي فوق الحدود، وكلما فرقتنا السياسة وحّدتنا الثقافة، فثقافة البيظان عابرة للحدود. التحدي الذي يُطرح أمامنا اليوم كاتحاد عالمي لأدباء الحسّانية هو طريقة المواءمة بين الفرقاء السياسيين، وبين الدول التي تعدّت علاقاتها مرحلة التشنّج إلى مرحلة قطع العلاقات، وقد رفعنا هذا التحدي باعتبار أن من يستعد لدخول هذه المقاربة نرحّب به، ومن لم يكن مستعداً لذلك، نقدّر له إكراهاته ونقدّر له أجنداته، وننتظر منه أن يفيق من سكرته وغيبوبته الأنانية، وأن يفكّر في مصير ثقافة تكاد تندثر، ومصير أمّة عليها أن تكون فوق كل اعتبار، وبعيدة كل البُعد عن الأنا الضيقة.
 ما تعليقكم على محاولة بعض الأطراف تبنّي الثّقافة الحسّانية والتسويق على أنّها ثقافة وطنية خاصة، أو احتكار حصري؟
 هذه معركة اليونيسكو، وهي من نتائج الاستعمار، وأُعلّق بالقول أنّه بإمكان أيٍ كان أن يمتلك قصورنا ويبيعها، وبإمكانه الاستحواذ على ثروتنا السمكية ويبيعها، أما الادّعاء بامتلاكه ثقافتنا فهو ما لا يمكنه فعله، وما لا يتذوّقه الآخرون في هذا البلد وما لا يقبله المخيال الجمعي لمواطنيها، يُظهِر زيف الادعاء، وبالتالي، يعرف الجميع أنها مزوّرة ومحرّفة عن أصلها.
 وكيف تنظرون للثّقافة الحسّانية في الجزائر؟
 الثقافة الحسّانية في الجزائر على المحك، فينبغي أن نستغل أجواء الانفتاح الذي تشهده الجزائر، وأجواء كونها دولة عظمى ودولة مؤثّرة في المنطقة، وأن نستغل هذه الوضعية المريحة لنحقّق نهضة في الثقافة الحسّانية، لأنه كلما كان هناك استقرار وكلما كانت هناك ثروة، كانت الوفرة موجودة وأتيح لنا الاستمتاع بالثقافة الحسّانية، وكلما كانت الثقافة متاحة، تحقّق ذلك التثاقف والانتعاش والحضور والتميّز.
حدّثونا عن مشاركة الاتحاد العالمي لأدباء الحسّانية في تظاهرة نواكشوط عاصمة الثقافة الحسّانية كتجربة أولى له؟
 هي تظاهرة ثقافية احتضنتها العاصمة الموريتانية نواكشوط، وهي تهدف إلى جعل الفعل السياسي يتلاءم ويتناغم ويتماهى مع هذا الاهتمام الثقافي، لِنُخرج الى أرض الواقع أيقونة النضال من أجل الثقافة الحسّانية التي هي عواصم الثقافة الحسّانية، كانت انطلاقتنا من نواكشوط ثم من بعدها الجزائر ثم العيون الافتراضية (مخيم العيون للاجئين الصحراويين)، والوقوف مع إخوتنا في الجمهورية العربية الصحراوية باعتبار أن القضية الصحراوية هي قضية البيظان الأولى.
 وماذا بعد تظاهرة نواكشوط والجزائر عاصمتين للثّقافة الحسّانية؟
 سنحاول أن نجري توأمات مع الثقافات المشابهة للثقافة الحسّانية قصد الاحتكاك واكتشاف المواهب والمَلَكات، وتوحيد خطاب عالمي موحّد من أجل الثقافات الشعبية كرافد من روافد الإنسانية، وكرافد من روافد الثقافة العالمية خدمةً للقضايا العادلة، وخدمةً للأرض وللإنسان، ومن ثمّ خدمة للتنمية، فكلما وُجدت الثقافة الشعبية وُجدت السياحة.
كلمة أخيرة.
 شكراً لجريدة “الشعب”، صوت الشعب واهتمام الشعب ومرآة قضايا الشعب على هذا الاهتمام بالثقافة الحسّانية، وشكراً للشّعب الجزائري المعطاء الذي هو قِبلة الأحرار وملجأهم، ومَعِينهم الذي لا ينضب، وقُبة المجاهدين وأرض المروءات.