طباعة هذه الصفحة

تحتفــي بمائوية الفن الرابع وتكــرّم رواده

المديــة تطلـق مهرجـان المسـرح الفكاهـي.. اليـــوم

فاطمة الوحش

تكريـــم  عمـار يزلــي ومرافعات لصالـح الكوميديـا المقاومـة

تنطلق اليوم الاثنين، فعاليات الطبعة الخامسة عشرة من المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي بمدينة المدية، في تظاهرة ثقافية كبرى تمتد إلى غاية 5 جويلية، وتقام هذه السنة تحت شعار “المدية... 100 عام من المسرح”، احتفاء بمائوية المسرح في هذه الولاية التي كانت إحدى الحواضن الأولى للفن الرابع في الجزائر، وتكريما للكاتب والباحث عمار يزلي، أحد أبرز الدارسين لفنون السخرية كوسيلة للمقاومة ضد الاستعمار.

تكتسي هذه الدورة طابعا رمزيا خاصا، إذ تأتي لإحياء ذاكرة قرن كامل من الفعل المسرحي بالمدية، منذ بداياته في عهد الأمير خالد، ومرورا بأسماء رائدة مثل محمود اسطمبولي، حسان الحسني، محمد فراح وعبد القادر فراح، وصولا إلى أجيال اليوم التي واصلت المشروع المسرحي في مختلف مراحله: من النضال في صفوف الحركة الوطنية، إلى التعبئة الثقافية في الثورة التحريرية، ثم إلى المسرح كفضاء لتأمل التحولات الاجتماعية والسياسية بعد الاستقلال. وإلى جانب هذا الامتداد التاريخي، يشهد المهرجان التفاتة خاصة تجاه الكوميديا، بوصفها شكلا تعبيريا قادرا على نقد الواقع وتفكيك تناقضاته بلغة الضحك الذكي والتهكم الهادف.
دفاعا عن الذاكرة
أكد محافظ المهرجان، سعيد بن زرقة، أن التظاهرة لا تعنى فقط بنقل البسمة إلى الجمهور، بل تؤمن أن الكوميديا في السياق الجزائري شكل من أشكال المقاومة الرمزية، وأن المهرجان لا يروج لخطاب الهزل السطحي أو الكراهية، بل ينحاز إلى خطاب وحدوي جامع يُشجّع على تقبل الآخر، ويُعلي من قيمة التنوّع الثقافي داخل وحدة وطنية صلبة. وذكّر بأن المسرح الفكاهي لا يزال أداة للحفاظ على الذاكرة، كما دعا الفنانين إلى الاصطفاف مع القضايا الإنسانية العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي تتعرض بحسب تعبيره “لأبشع صنوف الإبادة والتصفية العرقية”، إلى جانب مساندة كفاح شعب الصحراء الغربية، آخر مستعمرة في إفريقيا.
عمار يزلي.. الاسم الأغلى
تكرم هذه الدورة اسم الباحث والأديب الدكتور عمار يزلي، من مواليد 1955 بمدينة ندرومة في ولاية تلمسان، وهو أستاذ محاضر بجامعة وهران وباحث في علم الاجتماع الثقافي. عمل لأكثر من عشرين سنة على موضوعات المقاومة الثقافية في الجزائر والعالم العربي، واشتهر بكتاباته المسرحية والقصصية والصحفية ذات الطابع الساخر. تنوّعت أعماله بين القصة القصيرة والمسرح والدراسات النقدية، ومن أبرز عناوينه: “ما بعد الطوفان”، “البصمات”، “عرس الذيب”، “ماء أحلى الرجوع إليه”، إلى جانب مسرحيات مثل “منامات الوهراني” و«الضحكة”، وأعمال تلفزيونية على غرار “أنا شكون هو”، “يحيا اللي مات وحيا”، و«واش أخبار.كوم”. كما كتب دراسات مرجعية منها “ثورة النساء”، و«السخرية والمقاومة الثقافية للاحتلال” في جزأين. وكان آخر إصداراته سنة 2024، الرواية السيرية “البطمة الصفراء”، التي تسير على تقاطع بين السخرية الذاتية والتاريخ الاجتماعي.
وتحضر في هذه الطبعة لجنة تحكيم متنوعة تضم الأستاذ محمد الأمين بحري رئيسًا، إلى جانب الفنانة منيرة روابحي فيسة، والفنان حكيم دكار، والفنان ربيع أوجاووت، بما يعكس حرص المهرجان على إشراك أصوات فنية لها تجربة معتبرة في مجالات المسرح والفكاهة.
كوميديا الواقع..
أما العروض المسرحية المشاركة في المنافسة، فهي مرآة تعكس تنوّع المشهد الفكاهي الجزائري، وتجربة الفرق المحلية في معالجة قضايا معاصرة بلغة ساخرة، تستند إلى الكوميديا الاجتماعية أو السوداء أو حتى العبثية أحيانا. وتتنافس في هذه الدورة سبعة عروض تمثل مختلف جهات الوطن، كل منها يحمل تيمات خاصة ويقدّم مقاربته الجمالية والدرامية للفكاهة كأداة للتعبير والنقد.
الافتتاح سيكون مع مسرحية “العين في العين”، من إنتاج الجمعية الثقافية للموسيقى الكلاسيكية بسطيف، وهي عرض بسيكودرامي فكاهي يتناول مظاهر النرجسية والأنانية في مواقع القرار، مسلطا الضوء على أحادية النظرة في السلطة وصعوبة الاعتراف بالاختلاف. تدور القصة في مغامرة بحث عن كنز، حيث يلتقي عدد من الشخصيات المتباينة، لتكشف المفارقات والصراعات الطريفة عن طبيعة السلطة وعلاقتها بالتفرد. في اليوم نفسه، يُعرض عمل ثانٍ بعنوان “خمسة نساء وعربة” من إنتاج المسرح الجهوي مصطفى كاتب بسوق أهراس، وهو عمل تهكمي اجتماعي يسلط الضوء على نساء يعشن في عزلة بعد اجتياح وباء لمحيطهن، حيث تطفو على السطح مشاعر الغريزة والحاجة إلى الأمومة وقلق تأخر الزواج، ضمن قالب يجمع بين السخرية والمرارة.
ويتواصل البرنامج التنافسي يوم الثلاثاء بمسرحية “الدب”، من إنتاج جمعية ماسيني الثقافية بأدرار، ومن إخراج عقباوي الشيخ. تدور حول أرملة تدعى “بوبوفا”، تنغلق على نفسها حدادا على زوجها، قبل أن يُفاجئها زائر يطالبها بدين قديم، وتتفجر من هذه المواجهة سلسلة من المفارقات الغريبة، في نصّ يمزج بين عبث الموقف والدراما السريالية. وفي ذات اليوم، تُعرض مسرحية “النصف الآخر”، من إنتاج الجمعية الثقافية للمسرح المثلث الواقي بقالمة، وتتناول بأسلوب مرح إشكالية الزواج في العصر الرقمي، من خلال شاب يبحث عن شريكة حياته عبر الفضاء الافتراضي، حيث تتصاعد الأحداث في قالب من المفاجآت والخيبة.
ويُخصص يوم الأربعاء لعرضين آخرين. الأول بعنوان “خطوبة كلب”، من إنتاج دار الثقافة وجمعية تيزيري ـ جيجل، ويعتمد على الكوميديا السوداء، حيث يدفع شرط والد الفتاة بالزوج المرتقب إلى قبول وظيفة “كلب حراسة”، في مشهدية تقلب القيم رأسا على عقب. أما العرض الثاني، فبعنوان “وأخيرا” من إنتاج المسرح الجهوي عبد المالك بوقرموح ـ بجاية. تدور أحداثه في حي شعبي حول الجار السنوسي، الذي يتخبط بين رغبته في الزواج وتعقيدات الحياة، ضمن حكاية تمزج البساطة بالفكاهة.
أما ختام العروض، فسيكون بمسرحية “الورطة”، التي تمثل ولاية المدية، من إنتاج جمعية شباب وفنون تابلاط. العرض يطرح سؤالًا حول كيف يمكن لعفوية الشخص أن تُورّطه في مشاكل لم يكن يتوقعها. يتناول المسرحية بعين ساخرة كيف يمكن للبساطة أن تتحول إلى عبء، وللنوايا الطيبة أن تُساء تأويلها.
وتُقدم العروض على مدى خمسة أيام بدار الثقافة حسن الحسني، ويتراوح توقيتها بين السادسة مساءً والعاشرة ليلًا. وتُعرض في اليوم الواحد مسرحيتان، الأولى في الفترة المسائية (18:00 سا) والثانية في السهرة (22:00 سا)، باستثناء يوم الجمعة 4 جويلية، الذي سيُخصص للأنشطة السياحية واختتام الورشات التكوينية، تمهيدا لحفل الاختتام الرسمي الذي سيُقام مساء السبت 5 جويلية على الساعة العاشرة ليلًا بمسرح الهواء الطلق بالقطب الحضري لمدينة المدية.
وبموازاة العروض الرسمية، حرص المنظمون على أن تشمل الفعالية جمهور الأطفال، من خلال تقديم عروض ترفيهية موازية في عدد من بلديات الولاية، منها أولاد هلال، قصر البخاري، البرواقية، بني سليمان وجواب، ما يؤكد الطابع الشعبي للمهرجان، وسعيه إلى إشراك كل الفئات في المتعة المسرحية.
نشاط فكري حافل..
في الجانب الفكري، يتضمن البرنامج ندوتين رئيسيتين تقامان بدار الثقافة حسن الحسني. الأولى تُعقد بعد غد الثلاثاء تديرها الدكتورة ليلى بن عائشة، وتضم مداخلة للدكتور محمد كاديك حول “تجربة يزلي في المسرح والكتابة الساخرة”، إلى جانب مداخلة يقدمها يزلي نفسه عن “السخرية والمقاومة الثقافية للاحتلال”، بالإضافة إلى مداخلة منى محمد سالم حول “مسرح الصحراء الغربية: الهوية والرهان”. أما الندوة الثانية فتُقام يوم الأربعاء وتتوزع على ثلاثة محاور: المسرح في المدية في مرحلة التأسيس، المسرح زمن الثورة، ثم بعد الاستقلال. ويشارك فيها أساتذة ومؤرخون من بينهم محمد بوكراس، الطيب ولد العروسي، عبد الباري اسطمبولي، بوزيان بن عاشور، علي فراح، ومحمد بورحلة.
وفي إطار التكوين، يشرف الفنان عبد الكريم بن عيسى على ورشة خاصة بكتابة وتمثيل المونوكوميديا، فيما يشرف الفنان جمال قرمي على ورشة موجهة لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة بالمركز النفسي البيداغوجي للأطفال بذراع السمار، ما يعكس حرص المهرجان على شمولية الفعل الثقافي ودمج الفئات الهشة في المشهد الفني.