الموسيقار عبد الرحمن قماط:

استشعار روح الفـن ضرورة قصـوى

أمينة جابالله

 الدّخلاء على السّاحة الفنية لا يقدّمون إضافة 

الفنّ متعال عن الماديّات

 ذكر الموسيقار عبد الرحمن قماط بأنه لم يستطع الانسياب أو الاتفاق مع الجيل الجديد لأسباب عديدة، أبرزها عدم الاكتراث والالتفات إلى ما قدّمه فنانون برتبة مناضلين، وبما أنّه ينتمي إلى الجيل القديم، فقد بقي وفيّا لمن تربّى في أحضانهم ليقدّم الكثير لهذا البلد العظيم.
 أكّد قماط أن الفن الجزائري قدّم وأعطى الكثير سواء في الموسيقى العصرية أو الحداثية، وقال: “هناك أشياء جميلة أنتجها الفن الجزائري، ولكن في نفس الوقت هناك مزيج طغت عليه الرداءة، والأمثلة كثيرة وهي موجودة على أرض الواقع، وألوم أصحاب البرامج التي لم تدرس محتوى المادة المقدمة للجمهور، أو المتلقي الذي يجب أن نحترم ذوقه ونسعى إلى إرضائه بمحتوى يليق بتطلعاته، فمثلا، في رمضان المنصرم، استعرضت بعض القنوات حصصا تعنى بالفن، وبالرغم من أنها تملك معدات ذات جودة عالية، إلا أنها فشلت فشلا ذريعا في تقديم الأفضل والأنسب للجمهور العريض محليا وعربيا”.
تساؤلات..
 قال قماط: “ما دمنا نقف عند يوم الفنان، فهل تمّ تقديم دراسة شاملة بمناسبة إحياء هذا اليوم الوطني الهام، حول ما هو المنتوج الفني الجزائري؟ وكيف يمكن لنا أن نطور آليات الثقافة الفنية سواء على مستوى الفن، الشعر، الأدب، الفكر؟ لماذا لا نحاول أن نضع الجزائر في خانة أخرى؟ مثلا كيف يمكننا أن نطور الفن؟ كيف يمكننا كتابة الفن والتراث الجزائري منذ الاستقلال إلى غاية اللحظة؟ كيف كان الفن وكيف أصبح؟ وأين هي الميكانيزمات التي يمكننا من خلالها أن نطور العمل الفني كي تتبوأ بلادنا مركزا يليق بعظمتها؟”.
ويرى قماط أنّنا عندما نتكلم عن حقوق الفنان، ونتطرق إلى قضية الحقوق المهدورة التي ما زالت تشكل الانشغال الوحيد لدى أغلب الفنانين الجزائريين، يجب أن نطرح هذا السؤال: هل الفنان الجزائري الآن خاصة منذ أواخر التسعينيات وما بعد، أعطى للجزائر قيمة مضافة؟”، ويضيف أنّنا يجب عند إثارة إشكالية الحقوق، من المنطق والمعقول أن نشرك عامل الواجب أيضا، حتى يتسنى للمعنيين بالأمر الوقوف عند الإشكال، وكي لا نلوم جهة ونترك الأخرى بدون عتاب.
الأصيل لا يندمج مع الدّخيل
 من جهة أخرى، يرى الموسيقار قماط أنه من باب العدل أيضا أن نعترف أن هناك بعض الفنانين قدّموا أعمالا لم ترتق لما يجب أن ننسبه إلى الفن الجزائري الأصيل، وفي المقابل، هناك فنانو الظل الذين يعيشون على الهامش، وفي جعبتهم إضافات نوعية حقيقية، “وبما أن ظروفهم لم تمكنهم من الوصول إلى الهيئات العليا، رغم طرقهم لذات الأبواب عدة مرات، قرّروا الانسحاب وحمل حقائب إبداعهم وإيداعها في خزائن الذكريات، وكان ذلك فرصة كي يمتطي الغرباء عن الفن صهوة الفن، ويقدّموا ما لا شكل له ولا مضمون”.
وقال قماط إنّ الفنان الأصيل لا يمكن له أن يندمج مع الدخلاء، فهو يملك طاقات كبيرة، ويملك بدائل فنية ضخمة، لكن لا تتاح له الفرصة، وأضاف: “حتى أُقَرّب المعنى أكثر، أضرب مثلا عن ذلك، منذ 10 سنوات اجتمعتُ مع ستة فنانين على أن نكتب موروثنا الفني سواء في الموسيقى الأندلسية والعصرية، كي يتسنى لنا تقديمه للزائر من خارج الوطن، وبالتالي يمكنه أن يتعرف على إنتاجنا الفني والثقافي الذي يعتبر واجهة فنية للجزائر، ولكن في المقابل، لم نجد آذانا صاغية للمبادرة الجماعية، والتي للأسف لم ينظر إليها بعين الاعتبار، ولذا كان الملاذ الوحيد اتخاذ الفضاء الأزرق كمنصة من خلال صفحة الوثبة الثقافية”.
من جانب آخر، تحدّث الموسيقار عن بعض ما ينظّم من فعاليات ثقافية وفنية وصفها بأنّها كانت تقام من أجل البهرجة، حيث كانوا يستدعون فنانين من خارج الوطن للمشاركة فيها، بينما يتم تهميش بعض الفنانين الجزائريين، ومن المفروض - يقول - أن يتم تنظيمها من أجل التأريخ للفن الجزائري، وليس من أجل البهرجة، فالدولة تؤسس للفن وتفكر في تأمين موروثها، وقال إن “الجزائر تستحق أن نناضل من أجلها، وأن نرتقي بها في كل الميادين، وبما أنّنا نتكلم عن الفن وبالخصوص عن الموسيقى، فإنّ الجزائر تمتلك خزّانا ضخما من الإيقاعات الموسيقية المتعدّدة بقديمها وحديثها، إلى جانب تعدّد الآلات الموسيقية، حيث تعود جذور الموسيقى في الجزائر إلى أكثر من ستة آلاف سنة، وتملك الجزائر نحو 14 طابعا موسيقيا نفتخر به على مرّ الأجيال، يجب أن نحافظ عليه، وأن نثمّن كل مبادرة قامت بها الدولة الجزائرية من أجل صون التراث الذي يرمز إلى هويتنا وذاكرتنا الجماعية”.
الفن أعلى من الماديات
 ذكر هذا الفنان المولود في 12 سبتمبر 1961 بمدينة بوسعادة، أنّه بالرغم من أنه قد وجد نفسه بين الفنانين المغمورين، سيظل على عهده تجاه وطنه الذي يحتاج إليه الآن أكثر من أي وقت آخر، كما قال، “فأنا ملزم بتقديم عملي وواجبي على أتم وجه، إذا تلقيت ثناء على عملي من طرف أي كان، وإن لم يلتفت إلي أحد، فهذا الأمر لن يؤثر في، لأنني منذ البداية عاهدت نفسي أن أكون في خدمة بلدي فنيا، ولن أغيّر من قناعتي هذه ما حييت”، وأضاف “لمن لا يعرفني أنا أستاذ لغة حية، متقاعد، مؤلف موسيقي، ملحّن، مطرب، باحث في مجال الموسيقى والإنشاد في الجزائر وفي العالم العربي، بدأت التلحين في مجال الأغنية الهادفة عام 1982، فلحّنت مئات الأغاني الملتزمة، وشاركت في مهرجانات وطنية وعربية وعالمية، مصر، تونس وكوريا الشمالية، ألّفت أعمالا موسيقية تفوق 1000 عمل، كما ألّفت أعمالا ذات سياقات عالمية مطروحة بشكل علمي دقيق، في جعبتي إصدار تحت عنوان قوالب الموسيقى العربية من القرن 18 إلى يومنا هذا، ومخطوطين في نفس المجال”.
وختم عبد الرحمن قماط حديثه قائلا: “نحن بحاجة إلى موسيقى جادة، نستشعر من خلالها روح الفن الذي يضيف للذات الإنسانية جمالا، ويعمق السمو الأخلاقي، كون أنّ العلاقة الحقيقية بين الفن والأخلاق هي علاقة تحفيز، وهو بالتالي محرك للإنساني والخيّر، وفي النهاية فإن الفن هو تجاوز لماديات الأرض، كما يجب الالتفاف حول تراثنا الغني الذي غابت عنا طرق التسويق له”.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024