النّاقد المسرحي عبد المالك بن خلاف:

الفنّان منتج للجمال..والفنّ ليس سلعة بالمعنى الاقتصادي

حاوره: أسامة إفراح

 عبد المالك بن خلاف، أستاذ بجامعة سكيكدة في تخصص اللغة الفرنسية، وهاوي مسرح منذ 1976، وناقد مسرحي، وهو رئيس جمعية مهرجان المسرح لمدينة سكيكدة. يحدّثنا في هذا الحوار عن تعريفه للفنان، والعلاقة الجدلية بين المغزى الجمالي من الفن والجدوى الاقتصادية منه، وعلاقة الفن بالنقد، والتداخل بين الفنون عامة، وبينها وبين المسرح بشكل خاص. كما يتطرق ضيفنا إلى دور الفنان في حماية مقوماتنا الثقافية والهوياتية.

-  الشعب: ونحن نحتفل باليوم الوطني للفنان..في رأيك أي تعريف يمكن أن نقدّمه للفنان؟
 الفنان المسرحي عبد المالك بن خلاف: الفنان إنسان ليس كأي إنسان..هو ربما الكائن الحي فوق الأرض الذي يبحث عن شيء ليس له ثمن، وهو في نفس الوقت شيء نفيس، ليس له نفع مادي مباشر مثل أي إنتاج أو سلعة أخرى، كتلك الموجهة للأكل مثلا، ولكنه ضروري جدا في حياة الإنسان. هذا الشيء هو الجمال.
المبتغى الأول عند الفنان هو أن ينتج الجمال، ويجب الإشارة هنا إلى أن الجمال لا يوجد فقط في المسرح أو الموسيقى، بل يوجد في مجالات متعددة في حياتنا اليومية، ودليلنا على هذا أننا نقول “فن الطبخ”، و«فن الطرز”، و«فن الخياطة”، و«فن الخطابة”..وغيرها من الأمثلة. وفي رأيي، فإنّ أشمل تعريف للفنان هو أنه ذلك الإنسان الذي يبحث دائما عن الجمال وينتج الجمال.

- كثيرا ما تطرح فكرة الجدوى الاقتصادية للفن..هل يمكن فعلا أن نتعامل مع الفن على أنه نشاط اقتصادي بحت؟ وهل يعتبر المنتج الفني كأي سلعة أخرى؟ وبالمقابل، يحتاج الفن إلى تمويل، والفنان إلى دخل مادي..فكيف التوفيق بين الاثنين: الإبداع من أجل الإبداع، والإبداع من أجل تحقيق المداخيل؟
 هنا كذلك العلاقة مُفارقَة (paradoxale)، فمن جهة، نجد أن الكل يعترف بأن الفن ضروري في حياتنا اليومية، والكل يعترف بأن الأشياء الجميلة لا تقدّر بقيمة مالية، وإذا حدث وأن تمّ تقييمها فسيكون ذلك بشكل جزافي..مثلا، ما هو ثمن غرنيكا (Guernica) أو رواية جميلة أو مسرحية؟ لو كانت سلعة مادية لكان تقييمها اقتصاديا سهلا، باحتساب كم كلّفنا إنجازها من مواد أولية وساعات عمل، ونضيف إليها نسبة الفائدة المبتغى الحصول عليها، وهذا هو السعر الذي سنحدده..لكن بالنسبة إلى عمل أساسه البحث عن الجمال، فكيف يقيّم؟ إذن فالمنتج الفني ليس مجرد سلعة، وفي نفس الوقت، الفنان هو إنسان وله احتياجات من ضمن ضرورات الحياة ومتطلباتها، فهل نقبل أن يعيش ويموت منتج الجمال في ظروف مأساوية، وبجيوب فارغة على قارعة الطريق؟ الفنان هو الآخر له حياة اجتماعية وعائلية، وبالتالي، فهو يحتاج إلى دخل دون أن يكون إنتاجه نشاطا اقتصاديا بحتا، لأن هذه الفكرة هي نقيض ماهية الفنان تعريفا: البحث عن الجمال.

- باعتبارك ناقدا مسرحيا..هل يمكن القول إنّ الناقد فنان أيضا، خاصة إذا اعتبرنا أنه لا فن بدون نقد؟
 فعلا، لا فن بدون نقد، بل يمكن القول إن بلدا ما، تكون فيه حركة نقدية في فن ما، يكون ذلك الفن منتعشا، ويشهد تطورا معتبرا، ويجب الملاحظة أنّني أقصد هنا النقد الأكاديمي الذي يحلّل ميكانيزمات العمل الفني، وليس النقد الذي يحدد للفنان ما يجب وما لا يجب، وما يجوز وما لا يجوز. الناقد الأكاديمي لا يقدم لنا ما يحب وما لا يحب هو، ولا يطلق النعوت والأوصاف كما أقرأ عند البعض في شبكات التواصل الاجتماعي، كأن يقول “فلان قدم لنا مسرحية راقية…”، وما إلى ذلك. في نظري، قد لا يكون الناقد فنانا، ولكن يجب أن يكون متذوّقا للفن، فهل يعقل أن يكتب أحد عن المسرح وهو لم يشاهد ولا مسرحية ما عدا تلك التي كتب عنها؟

- دائما في سياق الحديث عن المسرح..هل يجوز أن نفرّق بين مختلف الفنون، بما في ذلك الفن الرّابع، أم أنّها باتت متداخلة مع بعضها البعض؟
 نظّمت كلية الآداب واللغات بجامعة سكيكدة ملتقى حول تداخل الفنون، وشاركتُ فيه بمداخلة حول تداخل الفنون في المسرح، واخترت مسرح علولة نموذجا. ومما لاحظته أن تداخل الفنون (transmedialité) في المسرح موجود منذ (على الأقل) إروين بيسكاطور (Piscator Erwin)، وذلك بإدخال تقنية السينما والأغاني في المسرحية. من ناحية أخرى، وبما أن المسرح هو المشاهدة والسمع، فالسينوغرافيا كأشكال وكألوان تلعب دورا جدّ مهم في الشكل الجمالي للمسرحية، ناهيك عن استعمال الرقص والكوريغرافيا في العرض المسرحي. ومن هنا يمكننا أن نجزم أن المسرح هو أبو الفنون، ليس من باب تاريخ الميلاد، وإنما بالنظر إلى احتوائه للعديد من الفنون الأخرى.

- يحيلنا اليوم الوطني للفنان إلى ذكرى استشهاد الفنان علي معاشي وهو في عز شبابه دفاعا عن الوطن واستقلاله..أيّ دور يمكن أن يلعبه فنان المسرح في عصر “العولمة” و«الغزو الثقافي” وحتى “النيوكولونيالية” الذي نعيش؟
 مثلما لعب المسرح إبان الثورة التحريرية دورا جد فعال في تدويل القضية الجزائرية، فعلى المسرح اليوم ليس التصدي للعولمة، وإنما إنتاج قيمة مضافة من شأنها أن تحافظ على هويّتنا، ويلعب بهذا الشكل دورا يحافظ على أمننا بالمفهوم الثقافي. ومن هذا الباب أرى أنه من العاجل والضروري أن تأخذ السلطات على عاتقها قضية تنظيم الممارسة الفنية، والإسراع بتقنين ما يتعلق بالفنان في مهنته، واحتياجاته في حياته الاجتماعية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024