طباعة هذه الصفحة

الكاتبة والناشرة عذراء بويونس لـ”الشعب”:

النشـر ليـس مغامـرة عابرة ولا مشروعــا تجـاريـــا بحتا

حوار: فاطمة الوحش

ترى الكاتبة والناشطة الثقافية عذراء بويونس، أن النشر ليس مغامرة عابرة ولا مشروعا تجاريا بحتا، بل هو فعل ثقافي ممتد وحلم شخصي عملت على تحقيقه سنوات طويلة، قبل أن يرى النور في جويلية 2024، مع تأسيس “دار هيبورجيوس للنشر” بعنابة. بالنسبة لها، يحمل هذا الاسم أكثر من دلالة رمزية، إذ يعيد وصل الحاضر بذاكرة المدينة التاريخية “هيبو ريجيوس”، ليجعل من الدار منارة تحمل روح المكان.
وفي عامها الأول، تمكنت الدار من الحضور بقوة عبر مشاركتها في الصالون الدولي للكتاب بستة وخمسين عنوانًا متنوعًا، مستقطبة أسماء وازنة من الجزائر ومن مختلف الدول العربية. عن هذه التجربة ورهاناتها الثقافية وتحدياتها، كان لـ«الشعب” معها هذا الحوار.

-  الشعب: ما الدوافع الحقيقية التي قادتك إلى خوض مغامرة إنشاء دار نشر؟ وهل كان التأسيس استجابة لحاجة ثقافية معينة شعرتِ بغيابها في الفضاء الأدبي الجزائري؟
عذراء بويونس: نعم، دار “هيبورجيوس” حديثة التأسيس، إذ لا يتجاوز عمرها السنة. ومع ذلك، لا أعتبر خوض تجربة النشر مغامرة، بقدر ما هو مشروع وحلم بدأ قبل أربع سنوات، إلى أن تحقق أخيرًا في الفاتح من جويلية 2024، حيث أسستُ دار نشر خاصة بي.
جاء ذلك بعد تجربة مهنية في مجال النشر، بدأت بالعمل في دار المثقف، ثم توليت إدارة دار سيفار، وصولًا إلى تأسيس دار هيبورجيوس، التي أصبحت اليوم واحدة من دور النشر المنتشرة عبر الوطن، والتي يُقدّر عددها بحوالي ألف وخمسمائة دار نشر.
لكن ما يميز دار هيبورجيوس عن غيرها هو أنها، إلى جانب كونها مؤسسة اقتصادية، تُعد مشروعًا ثقافيًا بامتياز. كيف لا، وأنا أعتبر نفسي من الطبقة المثقفة، وكاتبة أملك مؤلفين منشورين وثالث قيد الطبع، وناشطة جمعوية في عديد المجالات، خاصة في المجال الثقافي.
- يحمل اسم الدار “هيبورجيوس” إحالة ثقافية واضحة إلى مدينة هيبون التاريخية (عنابة) وإلى إرث القديس أوغسطين، هل كان اختيار الاسم مجرد تحية رمزية للمكان، أم أنكِ أردتِ تأكيد ارتباط المشروع بجذور فكرية وتاريخية أعمق؟ وكيف تنعكس هذه الهوية في اختياراتكم النشرية؟
جاء اختيار اسم دار هيبورجيوس للنشر بعد اجتهاد طويل وتشاور مع بعض المقربين، إذ كان من الضروري أن نحمل اسمًا يرتبط بجذور مدينة عنابة، حيث تتواجد الدار، وأن يكون في الوقت ذاته اسمًا ذا دلالة ثقافية وتاريخية، وغير مستهلك أو متكرر في المشهد الأدبي والنشري.
وقع الاختيار على اسم “هيبورجيوس” بناءً على اقتراح الشاعرة الكبيرة نادية نواصر، وهي مستشارة بالدار، لما يحمله هذا الاسم من ثقل رمزي وحضاري. فـ«هيبورجيوس” يعود إلى التسمية القديمة لمدينة هيبّوريجيوس، الاسم الروماني التاريخي لمدينة عنابة، التي كانت ذات يوم عاصمة فكرية وثقافية في العهد الروماني، وموطنًا للفيلسوف والقديس أوغسطين، أحد أبرز أعلام الفكر الإنساني.
إن اختيار هذا الاسم هو بمثابة وفاء لذاكرة المدينة، وتجذير للمشروع الثقافي الذي تمثله الدار، والتي تسعى إلى أن تكون امتدادًا معاصرًا لتلك الروح الفكرية التي احتضنتها عنابة عبر العصور. وبهذا، لا تكون الدار مجرد مؤسسة للنشر، بل منارة ثقافية تحمل اسمًا يعكس الأصالة والتفرّد والانتماء.
- كيف ترسم دار هيبورجيوس ملامح خطها الثقافي؟ هل تسعون إلى تخصيص النشر لفئات معينة من الأدب والمعرفة، أم أن الدار منفتحة على طيف واسع من الأجناس؟ وما المعايير التي تعتمدونها في قبول أو رفض النصوص؟
 تتبنّى دار هيبورجيوس للنشر منهجية عمل خاصة بها، تنطلق من قناعة راسخة بأن النشر ليس مجرّد عملية تجارية، بل هو مشروع ثقافي متكامل. ومن هذا المنطلق، لم تكتفِ الدار بنشر الكتب فحسب، بل باشرت بتأسيس لجنة قراءة علمية مختصة، وهي ميزة نادرة لا نجدها في كثير من دور النشر.
وتضم اللجنة نخبة من الأكاديميين والمبدعين البارزين، من بينهم: البروفيسور آمنة بلعلى، الأستاذ والناقد علاوة كوسة، الأستاذ علي خفيف، الأستاذ السبتي سلطاني، الدكتور عيساني محمد الطاهر، المترجم المعروف محمد بوطغان، الدكتورة صبرينة ملواح، الشاعرة نادية نواصر.
وتتمثل مهمة اللجنة في دراسة وتقييم الأعمال الواردة إلى الدار، وفق معايير واضحة، أهمها: توفر مستوى إبداعي معتبر، احترام مقومات الدولة الوطنية، الابتعاد عن الإساءة للأديان، وكذا خلو النصوص من الألفاظ البذيئة أو الأفكار المتطرفة.
كما تنفتح دار هيبورجيوس على مختلف الأجناس الأدبية، دون تمييز، لكنها تُولي اهتمامًا خاصًا بالكتب العلمية وبتلك الموجهة إلى الطلبة والأساتذة، لما لها من أهمية في تدعيم المسار الأكاديمي، وتحرص على أن تكون إصداراتها مراجع موثوقة في عدد من التخصصات.
- مضى عام على التأسيس، ما هي العناوين التي أصدرتموها حتى الآن؟ هل يمكنك الحديث عن بعض الإصدارات التي تعكس توجه الدار؟
 من أبرز الإنجازات التي حققتها الدار في عامها الأول مشاركتها في الصالون الدولي للكتاب “سيلا 2024”، شهر أكتوبر، حيث لم يتجاوز عمر الدار آنذاك أربعة أشهر، ومع ذلك تمكنت من الحضور بـ56 عنوانًا، تنوعت بين الأدبي والأكاديمي. وقد استقطبت أسماء وازنة من مختلف ولايات الوطن، ودول الجوار، خاصة تونس.
وقد التحقت في السنة الحالية أسماء وازنة أخرى بمسيرة الدار، من أبرزها: الدكتور عمر أزراج (المقيم في إنجلترا)، الذي أطلقت الدار ضمن أعماله سلسلة بعنوان آفاق المعرفة، تصدر عنها ثلاثة كتب سنويًا موجهة للطلبة وتهتم بالنقد والترجمة، الروائية ربيعة جلطي، الكاتب الكبير محمد العيد بهلولي. وبهذا، تواصل دار هيبورجيوس ترسيخ مكانتها في المشهد الثقافي، مستندة إلى رؤية واضحة في دعم الأدب والفكر، وتكريس معايير الجودة والمسؤولية الثقافية.