طباعة هذه الصفحة

الفنّانة نعيمـة محايليـة لـ “الشعـب”:

هكذا أدمجـت تقنيـات المسرح في الأداء الحكائـي

أمينة جابالله

 الاختيــــار اللّغوي يجعــل الحكايـة أكثر التصاقــاً بالهويّــــة الثّقافيــة

ثمّنت الحكواتية نعيمة محايلية في تصريح لـ “الشعب” مبادرة وزيرة الثقافة والفنون مليكة بن دودة، المتمثلة في إطلاق برنامج “كان يا مكان”، الذي انطلقت فعالياته مؤخراً بقصر الثقافة “مفدي زكريا”. وأكّدت أنّ هذه الخطوة تمثّل رهاناً ثقافياً جدياً لإحياء فن الحكي الشعبي، من خلال إدراج عروض الحكواتيين عبر مكتبات المطالعة العمومية والمؤسسات التربوية، قصد ترسيخ هذا التراث لدى النشء وحمايته من الزوال.

 أوضحت محايلية في حديثها لـ “الشعب”، أنّ هذا البرنامج لا يقتصر على تقديم عروض فنية فحسب، بل يتعداه إلى عملية منهجية تتمثل في تسجيل التراث الحكائي الشعبي ضمن مشروع وطني لدعم المطالعة، والتأسيس لحدث حكائي وطني يعنى بهذا الموروث، بما يجعله جزءاً من المشهد الثقافي والفني العام. وترى أنّ هذه المبادرة ستساهم في إعادة الاعتبار للحكواتيين، وتثمين دورهم كحاملي ذاكرة جماعية ومغذّين لمخيلة الأجيال الجديدة.

مسيرة مهنية ثريّة في فن الحكي

وفي حديثها عن تجربتها الطّويلة في مجال الحكي، ذكرت الحكواتية نعيمة محايلية أنّها أسّست ورشات تكوين متخصّصة، تخرّج على يديها العديد من الأسماء الناشطة حالياً في الساحة الوطنية. كما قدّمت عروضاً حكواتية في المدارس، المراكز الثقافية والمؤسسات التربوية، معتبرة أنّ رسالتها لا تقتصر على الترفيه بل تمتد إلى التربية ونقل القيم.
وتوضّح محايلية أنّها عملت على تطوير أسلوبها من خلال ما تسمّيه “تمسرح الحكاية”، أي إدماج تقنيات المسرح في الأداء الحكائي، بما يسمح لها بأداء شخصيات متعدّدة، وإغناء العرض بتعبيرات الوجه، نبرة الصوت، الإيحاءات والحركات الجسدية. وترى أنّ هذا المزج بين الحكاية والمسرح يضفي على العرض بعداً جمالياً يجعل الطفل أو المتلقي أكثر تفاعلاً وانجذاباً. وتعتبر أنّ الحكواتي لم يعد مجرد راوٍ تقليدي، بل مؤدٍّ متكامل يوظف صوته وجسده وإيقاعه الداخلي لنقل الحكاية بروح عصرية، مع الحفاظ على أصالتها.
وشدّدت محايلية على أنّها تحرص في عروضها على الترويج للهجة الجزائرية الأصيلة، الخالية من الكلمات الدخيلة والشوائب، إذ تستعمل كلمات قديمة بعضها اندثر لتعيد إحياءها في أذهان الجمهور. وأوضحت قائلة: “أنا ألتزم مثلاً باللهجة العاصمية العتيقة في كثير من حكاياتي، وأحياناً أستعمل لهجات أخرى تتماشى مع أصل الحكاية ومنطقتها، حتى تكون مقنعة أكثر وتلامس روح المستمع”. وتضيف أنّ هذا الاختيار اللغوي يعزز مصداقية الحكاية، ويجعلها أكثر التصاقاً بالهوية الثقافية الجزائرية.

حضور دولي وإشعاع عربي

وعن حضورها خارج الوطن، أبرزت الحكواتية أنّها كُرّمت مرتين في الخليج العربي كأحسن حكواتية عربية، كما تمّ اختيارها في مناسبة أخرى كسفيرة للمهرجان الدولي للحكاية. وأشارت إلى مشاركاتها المتعددة في مهرجانات دولية، على غرار المهرجان الدولي للمسرح بلبنان، مهرجان “مسك” بجدة في السعودية، وملتقى “الراوي” بالشارقة، فضلاً عن ورش الكتابة التي أقامتها في إسبانيا. وتؤكّد أن الأجانب كانوا يُبدون دائماً إعجابهم بالتراث الحكائي الجزائري، لما يحمله من تنوّع وغنى في المضامين والأساليب.
إلى جانب ذلك، تحرص محايلية على الحضور الإعلامي المتواصل داخل الجزائر، حيث أطلّت في العديد من القنوات التلفزيونية، كما كان لها ظهور مميز في برنامج “قعدتنا جزائرية”، الذي ساهم في تعريف الجمهور العريض بخصوصية هذا الفن.

دعوة لإحياء التّجارب النّاجحة

واستحضرت محايلية في حديثها بعض المبادرات التي تتمنى عودتها إلى الساحة الثقافية، على غرار برنامج “كان يا ما كان” بقسنطينة و«القارئ الصغير” بوهران، معتبرة أن هذه التجارب كانت ناجحة وحقّقت تفاعلاً كبيراً مع الأطفال. وأكّدت أنّ الحكاية تفعل ما لا يفعله التلقين الجاف المباشر، لأنّها ترعى الخيال الخصب، تصنع القدوة وتغرس القيم النبيلة في وجدان المتلقي.

مدرسة للهويّة

وفي ختام تصريحها، أفادت بأنّها قريبا ستطل على جمهورها من ذوي الاحتياجات الخاصة “فئة المكفوفين”، من خلال إصدار بلغة “البرايل” عنوانه “صندوق بهلول”، تيمّنا بأوّل حكاية لها في مسيرتها الفنية، كما شدّدت الحكواتية نعيمة محايلية من جانب آخر، على أن فن الحكي الشعبي ليس مجرد ترف ثقافي أو ترفيه عابر، بل هو مدرسة حقيقية لتربية الذوق، وتعزيز الانتماء، وترسيخ الهوية الوطنية.
وترى أنّ مبادرة وزارة الثقافة خطوة مهمة في سبيل صون هذا الموروث، وإعادة الاعتبار له كجزء من الذاكرة الثقافية الجزائرية، ورافعة أساسية لبناء وعي جماعي متجذّر في الأصالة ومفتوح على العالم.