طباعة هذه الصفحة

دراسة نقدية

قراءات في ديوان “حب واشتياق بعد الفراق” للشاعرة الجزائرية ســهام بـن لمــدق

بقلم: الشاعر والروائي والناقد زيــاد الشيخ صالح الحمداني / العـــــراق

«لحظوية اللاشعورية في صياغة وتركيب القصيدة النثرية”

مما لاشك فيه أن الشعر بمختلف ألوانه وتنوع أجناسه يُعدُّ من أقرب أنواع الفنون الحسيّة إلى اللحظة اللاشعورية وحالة التسامي من الوعي العقلي نحو الوعي الحسيّ العميق، لما يصاحب الشاعر حين كتابة القصيدة من تفاعل وانفعال رؤيوي وحركي ونفسي وجداني يتجلى في صياغة وترويض هذه المعاني، وفق نتاجٍ شعري انفعالي مشبّعٍ بكمٍّ وجداني عاطفي جيّاش يرسم من خلال كلماته صوراً لغوية انفعالية، موظفاً فضاءات دلالية تجعل من النص شكلا بديعيا من أشكال الإبداع التخيلي فكرا ومضمونا ..
من خلال هذا النص يحاكي ( الأنا ) بمعناها الأوسع والاشمل والأعمق فهو هنا يحاكي ( أناه وأناة ) المتلقي ويكتب من خلال البنيوية الشعرية رؤاه مع الآخر ( المتلقي) فتتحول ( الأنا الذاتية ) إلى ( الأنا المزدوجة ) أو ( الأنا والآخر ).
وما جاء في قراءاتنا من ديوان ( حب واشتياق بعد الفراق ) للشاعرة الجزائرية المبدعة سهام بن لمدق ومجموعتها النثرية نجد صورا شعرية تلونت وتعددت أشكالها البنيوية والفنية والتقنية ما بين قصيدة النثر الصوفية وقصيدة النثر الوجدانية والمقاطع الفنية المرسلة، وهي في مجملها تصّب في بوتقة وجدانية عاطفية، اتسمت بالعفوية الرقيقة والسلاسة في التركيب والصياغة اللغوية والإشارات الدلالية والإيمائية والترميزية.

في قصيدتها (أوراق خريفي) تقول:
تساقطت أوراق خريفي،
متمايلةٍ ..
مع نسيمٍ باردٍ، كمشاعري ..
متساقطةٍ،
على عتبات فصلي الجاف،
حتى تصل في قولها في سطور القصيدة:
غبارها كشظايا رصاص في القفار ..
لتقفل النص بقولها:
تتراقص مخضرّة الأوراق
فيها شوق لدفء مشاعري ..!!

تتضح بجلاء في صياغتها الشعرية وفي التركيب البنيوي الحداثوي في أدب المرأة عمق الصورة الانفعالية والسيكولوجية لدى المرأة، مستخدمة عناصر الترميز والمجاز بأعمق توصيف، متخذة من الطبيعة عنصرا حركيا ماديا وروحيا ملموسا ًفي تركيبتها الشعرية والترميزية (تساقطت أوراق الخريف ... نسيم بارد .. عتبات الفصول .. غبارها كشظايا رصاص .. مخضرّة الأوراق ) لتجانسها في مشاعرها في ياء الضمير والتملك، وذلك الحنين لدفء المشاعر والشوق لفصول ربيع تعني لها الحياة بأبهى صورها ..
 تتضح في قصيدة (( الشوق )) معالم أكثر وضوحا واتساعا وتناغما مع قصيدة ( أوراق خريفي) في قولها:
اغتربت، في هواجس الحبّ،
فتمايلت أهاجز الشوق
فوق عرش بساتيني ..!!

هذه الصور الانفعالية والحالة الوجدانية التي تعيشها المرأة وسيكولوجية البحث عن الذات والكينونة والوجود كعنصر فاعل في الحياة مع الآخر، وما يصب في خلجاتها وكينونتها تظهر معالمه بقوة في البناء الشعري الحداثوي في أدب المرأة المعاصر ..بؤرة التوتر الانفعالي في النص وحيثيات التركيب والصياغة الفنية وانتقاء المفردات كل هذا يعطي للحركة الذاتية دفقاً شعوريا غامضا في أحيان كثيرة فتحيط به هالة واسعة من المفهوم الغامض أو “السهل الممتنع “ من حيث التركيب والبناء والصياغة والترميز الشعري ..

في قصيدة (طلاسم الحب) تقول:
ألوان طيفك، تزورني ..
فكيف لي ألا أراها ..؟
فأنت لي الناب الذي،
يحمل نبرات صلاتي،
بمحراب عينيك
ارتّل طلاسم الحبّ
كل ليلة ..
علّ طيفك يكون حقيقــة ..!!

وفي قصيدة (( شرفات تلك النظرات )) تقول ..
من شرفات تلك النظرات،
المطلّة على،
بحرٍ يسري،، بغمرات
يفك قيد الاعراف
ويلهمني،
الغوص بعينيك الخلاّبتين
يأسر الحرف بالجوى
والروح
مغرّدة في فرح ٍ
يبحث عن حضنٍ،
خلف قضبان ...!!

تتضح في كِلا النصين الصورة الشاعرية وغزير الدفق العاطفي الانفعالي، بما يشبه الهمس الخافت والحس الوجداني، مستلهمة من تأثرها بالعشق الصوفي الخالص صورتها الشعرية، وهذا ما يظهر جليا في مفرداتها ( ألوان الطيف ...الرؤى .. الكتاب .. الصلاة .. المحراب .. وطلاسم الحب .. والحقيقة ..)، وهنا يكمن جوهر الصراع بين العاطفة والعقل والمسكوت عنه والمخفيّ خلف ثنايا السطور، كما يتضح أيضا عمق الصراع والرفض المكتوم في ترميزاتها الأعمق ( الشرفات ... النظرات .. قيد الأعراف .. الغوص .. الأسر .. تغريبة الروح .. البحث عن السكينة والدفء والأمان من خلف القضبان) .
في ديوان الشاعرة سهام، تتسم ملامح الشاعرية والإبداع السلس العفوي رغم عمق دلالاته الترميزية والبلاغية، حيث أبدعت الشاعرة في رسم صورة المرأة ومعاناتها بأسلوب شعري رائع وملتزم دون حشو وإطالة، مختزلة الكثير من خلال عناصر التركيب اللغوي والترميزي والايمائي ..

للإشارة: ديوان صادر عن مؤسسة المثقف للنشر والتوزيع / الجزائر 2018