طباعة هذه الصفحة

زين الدين بوشعالة في حوار مع «الشعب»:

العيساوة طابع تبنّاه الجيل الجديد وقسنطينة مدينة الفن العريق

قسنطينة: مفيدة طريفي

يعتبر الفن العيساوي بعاصمة الشرق الجزائري من أعرق الطبوع الفنية المنتشرة عبر ربوع المدينة العتيقة، هذا الفن الجميل الذي ظل يصارع مغريات الزمن ويعاند تحديات المجتمع العصري بموسيقاه الروحية وموشّحاته الدينية  الجميلة التي تغوص بالروح الإنسانية إلى روح الموسيقى الراقية المعبرة عن قصص وروايات الزمن الجميل، هذا الفن المخضرم المرتبط بشيوخ كبار صنعوا تاريخ أمة عربية مغربية، وماضي شعوب مشتركة بثقافة روحية وحاضر يطمح لصنع موسيقى عالمية. هذه الطريقة الغنائية التي تناغمت وشعوب عربية وأجنبية عديدة، ففي مدينة قسنطينة العتيقة هذه المدينة التي تتسابق التسميات لوصفها فهي مدينة الهوى والهواء، مدينة الصخر العتيق، مدينة الجسور المعلقة، فسيرتا اليوم لا تزال ترقص على وقع أنغام الفن العيساوي العتيق، وعندما نقول العيساوة يكون لزاما علينا أن نذكر عددا من فناني هذا الفن وعلى رأسهم  الفنان الكبير «زين الدين بوشعالة»، وعليه فقد كانت لـ «الشعب» الفرصة لمحاورة هذا الفنان الرقيق الحالم بتحقيق ما يليق بعراقة قسنطينة الجميلة.

_  الشعب: ما هي أخبار الفنان زين الدين بوشعالة؟
❊❊ زين الدين بوشعالة: أولا الصّلاة والسّلام على رسول الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا مسرور جدا بجريدة «الشعب» التاريخية، هذه الجريدة الرمز التي أتشرّف باتصالها بي ومحاورتها معي ومحاولة معرفتها لأخباري، إن أخبار بوشعالة الفنية في أحسن أحوالها، حيث أنني أعمل ومنذ نعومة أظافري على ترقية وتطوير هذا الفن العيساوي والمحافظة على هذا الطابع الشعبي الفريد من نوعه، حيث قمت مؤخرا بتسجيل ألبومي الجديد الذي انتهيت منه مؤخرا، والذي يحتوي على مقاطع وطرطقات شعبية، مديح ديني وكذا غنيت من خلاله أيضا على الأولياء والأنبياء الصالحين،  والذي أترحم من هذا المنبر على أرواحهم، فالطريقة العيساوية أساسا تعتمد على أسلوب المديح الديني، هذا الأداء الفني الذي يعرف طلبا متزايدا عبر العالم العربي.
_  بما أنّك تعتبر من كبار الطّريقة العيساوية بالولاية، هل يمكنك أن تحدّثنا عن بعدها التّاريخي؟ وعوامل انتشارها بالجزائر؟
 هناك تاريخ كبير للفن العيساوي ينطلق من أعماق المغرب العربي الكبير، فهو فن قديم قدم شيوخه الكبار، فإذا تحدّثنا عن بدايات الطريقة العيساوية سنتكلم عن الشيخ الكبير «محمد بن عيسى» رحمه الله، فهو من مواليد منطقة مكناس المغربية، هذا الشيخ الذي وحسب شهادات بعض رجال الفن العيساوي قام رفقة حفيده برحلات عبر عديد الدول العربية والتي كانت من بينها الجزائر، حيث قيل أنه قام برحلات مست عدد من الولايات وتحديدا ولايات سكيكدة (القل)، قسنطينة، عنابة، سوق هراس وقالمة الأمر الذي ساعد في نشر هذا الطابع الفني والمديح الديني عبر ربوع بلدان المغرب العربي. ومن المعلوم والمتعارف عليه أن الأم لهذا الفن العيساوي هي الطريقة الجازولية، والتي كان شيخها شيخ الفنان «محمد بن عيسى المغربي»، والذي وضعه مقدم الطريقة العيساوية هذا الأخير الذي كان اختصاصه القرآن، السنة والكتاب، وهنا تلخّصت لديه الطريقة العيساوية.
أما عوامل انتشارها فتعود إلى أنه وفي السنوات السابقة كان الطابع العيساوي لم يخرج عن الزوايا، إلا أنه وفي سنوات الثمانينات تم إخراجه من حيز الزوايا إلى خشبة الحفلات الفنية ثم بعد ذلك المهرجانات الدولية الخاصة بالسماع الصوتي، حيث أننا شاركنا مؤخرا في مهرجان دولي أقيم بمصر، حيث شاركنا بإلقاء وصلات غنائية تخلّلتها أناشيد ومدائح دينية نالت إعجاب الحاضرين العرب والأجانب، حيث تحصّلنا خلالها على شهادة تقدير أولي، أين شاركت في هذا المهرجان الدولي 17 دولة عربية وأجنبية، وهنا أريد أن أتوجّه بالشكر لوزارة الثقافة التي دعّمتنا ودفعتنا للمشاركة بهذا المهرجان الدولي.
وببساطة إن الطريقة العيساوية تعتمد في استمرارها وسط هذا الزخم الفني الكبير على العمل الدائم، سيما وأن من تتلمذوا على يد مشايخ كبار لا يزالوا يحافظون على أساسيات العيساوة، لذا السبب نحن كحاملي الراية نجتهد للحفاظ على العيساوة، وهنا أترحّم على روح الشيخ بلقاسم وهو شيخ المشايخ بولاية قسنطينة، فهو من علّمني وكل من تابع على الدرب وصل، ولا نزال إلى اليوم نتعلّم.
_  كنت قد أدخلت طابعك الخاص على هذا الطّابع الذي جمع بين الفن والمديح؟    
❊❊ ربما أكون قد أدخلت بعض اللمسات الجديدة على الفن العيساوي، فهنا يقول اللفظ الشهير «تونس تصنع وقسنطينة تطبع»، فهناك مشايخ على غرار الشيخ «شقلب» هو ووالده «مسلي»، الذي كان متزوجا بإمرأة تونسية، فطبوع تونس في الطريقة العيساوية نقلت من خلال هذا الزواج المختلط بين الدولتين، الذي سمح بنشر الطبوع العيساوية التونسية إلى قسنطينة، لأن الطريقة العيساوية تحوي على ثلاث طرق رئيسية فهناك الرحمانية، القادرية والحنصلية. فالعيساويون الحقيقيون تجدين فيهم خليط مكون من الطرق الثلاثة، وهي ما تسمى بالمجموعة العيساوية القديمة، هذه التي تحتوي على طبوع جاءتنا من تونس، كما لدينا أيضا شعراء على غرار «بوبكر بن محمد» الذي كتب بعض القصائد مثل قصيدة «صلي على الهادي»، «زرتو ليلى»، هذا الشاعر الذي ينحدر من ولاية قسنطينة يختص في المديح الديني، كما أن الطابع الذي استحدثتاه هو عبارة عن مزيج بين الآلة والعيساوة، وعند قيامي لهذا المزيج كنت آنذاك لا أزال «آلاجي» أين أدخلت آلة  تعرف بالبندير، كما لا ننسى رجال المديح والزاوية العيساوية لفناني المالوف التي تعتبر المدرسة الأم.
_   لماذا اخترت هذا الطابع سيما وأن لك خلفية عائلية مشهورة بأداء فن المالوف؟
  لقد بقيت محافظا على هذا الطابع الروحي الفني الجميل، ولقد تعبنا للمحافظة على الفن العيساوي كما أن المدينة تحتوي على مشايخ في العيساوة على غرار «حمو الفرقاني»، «أحمد بسطانجي»، هؤلاء الذين تركوا لنا ماض حمل معه روائع الطريقة العيساوية، وأنا واحد من أشد المعجبين بهذا الطابع الذي يجمع بين الدين والغناء الروحي والمديح، ولا يمكن أن أتخيل نفسي مؤديا لأي طابع غير العيساوة.
_   هل تجد أنّ الطّريقة العيساوية دخلتها لمسات جديدة شوّهت مل  طابعها الخاص؟
❊❊ إنّ الجيل الجديد محافظ على الطريقة العيساوية، لكن من جهة أخرى هناك شروط أساسية هو أنه ليس عليهم تشويه هذا الطابع لأن هناك مشايخ تعبت على نشره وتطويره، ولعبت دورا كبيرا على المحافظة على تاريخه، فلابد علينا احترام هذا النوع المصنف كتراث محفوظ.
_  كيف تجد صمود الطّريقة العيساوية في ظل هذا الزّخم الموسيقي والفني؟
❊❊ إنّ الصّمود راجع إلى أن الطابع العيساوي لديه طابع ترفيهي روحي، تحتوي كلماته على أناشيد وتراتيل دينية، كما أن الجيل الجديد يقبل على أداء العيساوة، فإن الأداء عندما يكون في وسط مسرحي ثقافي ومكان محترم وهو الأمر العادي والمقبول، أما أن تكون العيساوة وآلياتها تقدم في الشارع وترافق مواكب الأعراس، فأنا ضد هذه السلوكات الدخيلة على أسس ومبادئ الطريقة العيساوية التي لها مكانتها المرموقة داخل المجتمع الجزائري عموما والعربي خصوصا.
_  كيف يقيّم بوشعالة الحقل الفني بالولاية إذا قارناها بالسّنوات الماضية؟
  إنّ الحقل الفني بولاية قسنطينة عرف تطورا ملحوظا مقارنة بالسنوات الماضية، والفضل يعود إلى انتعاش المجال الفني بالولاية، ذلك من خلال إقامة مهرجانات وطنية ودولية كما أن مديرية الثقافة فتحت أبوابها في وجه فناني المدينة، وأعطتهم الفرصة للبروز والعمل من خلال توفير الإمكانيات، وهو ما كان مفقودا في السابق.