طباعة هذه الصفحة

استحقاقات برهانات داخلية وإقليمية

الماليون ينتخبون اليوم رئيسهم المقبل

حمزة محصول

يتوجه اليوم، 8 ملايين ناخب مالي إلى صناديق الاقتراع للتصويت على الرئيس المقبل، بعد 3 أسابيع من حملة انتخابية وصفت بـ»الساخنة»، عرض فيها 24 مرشحا برامجهم للسنوات الخمس المقبلة، ومهما كانت النتيجة النهائية للاقتراع، تنتظر من سيجلس على كرسي قصر «كولوبا» رهانات كبيرة. 

رغم كثرة المتنافسين في الانتخابات الرئاسية المالية، المقرر اليوم الأحد 29 جويلية 2018، سيكون على الناخبين الاختيار بين مشروعين اثنين هما «الاستمرارية وإعطاء الفرصة لاستكمال النقائص المسجلة في السنوات الخمس الماضية» أو «التغيير الجذري وإعادة بناء المجتمع».
حامل المشروع الأول، هو الرئيس المنتهية ولايته إبراهيم بوبكر كيتا، الذي ركز في حملته الانتخابية على «تقوية السياسة العمومية للدولة»، «سد النقائص المسجلة» و»استكمال الورشات الضخمة المتعقلة بالأمن والاستقرار».
 أما المشروع الثاني، فيمثله مرشح المعارضة وصاحب المركز الثاني في استطلاعات الرأي للفوز بالرئاسة، صومايلا سيسي زعيم ائتلاف الاتحاد من أجل الجمهورية والديمقراطية،
 ويليه دكتور الفيزياء والموظف السابق في وكالة نازا الأمريكية الشيخ موديبو ديارا، الذي بنى حملته الانتخابية على ضرورة عولمة اقتصاد البلاد، والانفتاح على الاستثمارات الأجنبية.
وسيجرى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية المالية، في 04 أوت المقبل، في حالة ما إذا عجز أحد المرشحين عن حسم المنافسة لصالحه خلال الدور الأول.

كسب رهانين

ويمكن القول أن مالي كسب معركتين لحد الآن، هما إجراء الانتخابات في موعدها المحدد،  رغم الهواجس الأمنية وتسجيل بعض الهجمات الإرهابية خاصة في مدن الشمال، إلى جانب بعض حالات العنف الاثني وسط البلاد.
كما جرت الحملة الانتخابية رغم التنافس الشرس بين برامج المترشحين، في ظروف هادئة، ولم تسجل أية تجاوزات، خاصة بعد توقيع المرشحين الـ 24 مدونة سلوك تضمن السير الحضاري للحملة وتفادي الخطابات التي من  شأنها خلق التوتر.

المعركة الاقتصادية

وبعد أن اجتازت البلاد محنة الانقلاب العسكري سنة 2012، وسيطرة الجماعات الإرهابية على مدن الشمال والأزمة السياسية التي كادت أن تعصف بوحدتها، أخذت المتطلبات التنموية الحيز الأكبر من برامج المترشحين، بشكل يؤكد الاستقرار النسبي المحقق في السنوات الخمس المقبلة.
وروج المشرح إبراهيم بوبكر كيتا، لانجازاته في المجال الزراعي، خلال العهدة المنقضية، وقال أن «مالي باتت  تحتل المرتبة الأولى من الناتج الداخلي الخام من قطاع الفلاحة في غرب إفريقيا».
بينما ركز الشيخ موديبو ديارا على عولمة الاقتصاد واستقطاب رأس المال الأجنبي، لاستغلال القدرات الطبيعية التي تزخر بها البلاد، بينما رفع صوميلا سيسي شعار التغيير الجذري، واعدا بإحداث القطيعة مع السياسات المتبعة في السابق خاصة محاربة الفساد.
وتحتل مالي مراتب متدنية جدا، في سلم الدول الفقيرة، حيث هناك الكثير من العمل الواجب القيام به في مجالات الصحة، التعليم، محاربة الفقر، وتثبيت الشباب في مناطقهم للتقليل من نسب الهجرة غير الشرعية نحو الشمال.
وتزيد الأوضاع المناخية، خاصة المرتبطة بالجفاف، من معاناة سكان بعض المناطق الشمالية، الأمر الذي يحفز الهجرة المناخية ويفاقم خطر المجاعة، ويتطلب حل المشكلة ضخ الكثير من الأموال.

الوحدة خط أحمر

برزت في الأشهر القليلة الماضية، مظاهر خطيرة جدا على المجتمع المالي، حيث ارتفعت جرائم العنف القبلي بشكل مثير للقلق خاصة وسط البلاد، وحذر كل المترشحين من هذه السلوكات التي تضرب وحدة وتجانس الماليين في الصميم.
ومالي، بلد مسلم، معروف بتبني الوسطية والاعتدال والتسامح وكان في السنوات الأخيرة، أحد أكبر ضحايا التطرف العنيف الدخيل على منطقتي شمال إفريقيا والساحل الإفريقي، وهو ما جعل دور رجال الدين يزداد من حيث الأهمية وحجم المسؤولية، وكان حضورهم بارزا في الحملة الانتخابية التي جرت على مدى 3 أسابيع.

الوفاق الوطني

تنامى العنف القبلي بشكل مثير للريبة في النصف الأول لـ2018، يضاف إلى أزمة شمال البلاد التي طالما انهكت مالي منذ استقلالها، وبينما حاولت بعض الحركات إعطائها صبغة سياسية محضة، أجمعت  معظم الحركات الأخرى على أن المشكل «اجتماعي-اقتصادي»،  يتعلق بعجز الحكومة المركزية عن ضمان التوزيع العادل للثروات وتوفير متطلبات التنمية المحلية للساكنة وإنقاذ الشباب من الوقوع في فخ  الاستغلال من قبل تجار المخدرات والتهريب والجريمة المنظمة العابرة للحدود.
وكان للأزمة التي نشبت بعد انقلاب مارس 2012، آثارا بالغة على الوحدة الوطنية للبلاد، قبل أن تنجح المفاوضات التي قادتها الجزائر لمدة 8 أشهر وتوجت باتفاق السلم والمصالحة في 2015، إلى وضع إطار صارم للسلامة الترابية والوحدة الوطنية والطابع الجمهوري للدولة.
ونصت أغلب بنود الاتفاق على المطالب الاجتماعية والاقتصادية لسكان شمال البلاد، والتي اعترفت الحكومة المركزية بأنها مشروعة، وتضمنت مجموعة من الآليات أهمها زيادة التمثيل في المجالس المنتخبة وخلق مناطق نشاط.
لكن التنفيذ الميداني لمضمون اتفاق الجزائر في الشق المتعلق بالاندماج المجتمعي وجعل التعددية الثقافية والإثنية عامل افتخار بدل وتر لإذكاء النعرات، يمر عبر ندوة الوفاق الوطني التي تعني المصالحة الشاملة بين كل الماليين في مختلف مناطق البلاد دون استثناء.
وحضرت الحكومة المالية بقيادة الوزير الأول صومايلو بوباي مايغا، مطلع السنة الجارية، النص القانوني لإجراء ندوة الوفاق الوطني.
لذلك تشكل المصالحة الوطنية، ورقة مهمة تنتظر، الفائز المقبل بالرئاسيات في مالي، لأنها الأرضية الحقيقة التي يمر عبرها قطار التنمية ومشروع المجتمع الناجح.
ولاشك أن درجة التأثير الواضحة بين دول الساحل تجعل من الانتخابات الرئاسية المقررة اليوم في مالي، ذات أهمية بالغة على جميع الأصعدة، نظرا لدرجة الترابط الوثيقة فيما بينها.

معلومــات عامـــــــة

-  أكثر من ثمانية ملايين ناخب مالي  مدعوون اليوم  للاقتراع في الدورة الاولى من الإنتخابات الرئاسية، لاختيار رئيسهم  من ضمن 24 مرشحا لهذه الاستحقاقات التي يأمل في أن تشكل  منعطفا هاما لإعادة الأمن والاستقرار في البلاد، خاصة في ظل تواصل الهجمات الإرهابية بشمال ووسط البلاد.

-  وضع استطلاع للرأي أجراه معهد «إبسوس» الفرنسي الرئيس المالي المنتهية ولايته إبراهيم بوبكر كيتا في صدارة المترشحين للانتخابات الرئاسية التي ستجري اليوم،  يليه زعيم المعارضة سومايلا سيسي، ثم الوزير الأول الأسبق الشيخ موديبو ديارا، فالوزير الأول الأسبق موسى مارا بنسبة 15.1%.

-   يشارك في الانتخابات الرئاسية المالية 24 مترشحا، من بينهم رئيس الوزراء السابق موسى مارا والجنرال موسى سينكو كوليبالي، وعمدة مدينة سيكاسو الخليفة سانوغو والخبير الاقتصادي موديبو كوني والرئيس المنتهية ولايته إبراهيم بوبكر كيتا، وزعيم المعارضة سوماغلا سيسي.
-   استمرت الحملة الانتخابية 3 أسابيع  وكانت ساخنة.
-  عبأت السلطات المالية 11 ألف عسكري لتأمين العملية الانتخابية على عموم تراب البلاد، خصوصا في المناطق التي تنشط فيها الجماعات الإرهابية.
-  تجري الانتخابات بحضور مراقبين من الاتحادين الافريقي والأوروبي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ايكواس)، وقد اختار الاتحاد الإفريقي الرئيس البنيني السابق توماس بوني يايي رئيسا لبعثته لمراقبة استحقاق اليوم، وكان السياسي والمصرفي بوني يايي، الذي ترأس بنين لمأموريتين متتاليتين، قد تولى دوريا رئاسة الاتحاد الإفريقي عام 2012، كما أشرف على الانتخابات الرئاسية بعدد من دول القارة.

- قبل الاتحاد الإفريقي، كان الاتحاد الأوروبي قد بعث فريقا يتكون من 80 شخصا لمراقبة الانتخابات المالية، ترأسهم الوزيرة الإيطالية السابقة، سيسيل كيانج، وهي من أصل بوركيني.
-  يتوقع أن تصدر أولى نتائج الاقتراع في غضون 48 ساعة، والنتائج الرسمية المؤقتة في 3 أوت على أقصى تقدير، وفي حال الاضطرار لجولة ثانية ستنظم في 12 أوت.  
-  يرتكز الاقتصاد المالي بالأساس على الفلاحة خاصة بمحيط نهر النيجر، وزراعة القطن حيث تعرف البلاد بكونها المنتج الأول للقطن بإفريقيا جنوب الصحراء، كما أنها منتج مهم لفاكهة المانغ (200 ألف طن) إلا أنها لا تصدر منه سوى 3 آلاف طن، فضلا عن كون مالي مصنفة كثالث بلد منتج للذهب في إفريقيا.
-  حملت المرشحة الوحيدة للانتخابات الرئاسية، «كانتي دجيبو ندياي» شعار «صوّتْ لامرأة. لقد فشل الرجال»، عنوانًا لحملتها الدعائية أملا في جذب ليس فقط أصوات النساء بل أيضًا أصوات الشباب، وتعول على خبرتها في مجال الاقتصاد لتقديم حلول جذرية للمشكلات الاقتصادية التي تعاني منها مالي.

بطاقة تعريف

تعتبر دولة مالي من الدول الإفريقية الحبيسة، أي أنها لا تملك سواحل بحرية، وذات طابع جغرافي تغلب عليه الصحراء خاصة من الناحية الشمالية.  
ولمالي حدود مع 7 دول، هي الجزائر، موريتانيا، النيجر، بوركينافاسو، السنغال، كوت ديفوار وغينيا، مساحتها 1 مليون و240 ألف كلم مربع، يقدر سكانها حسب آخر تقرير للبنك الدولي ب18.5 مليون نسمة، وبها حوالي 20 اثنية، ويعبرها نهر النيجر على طول 1780 كلم
وتتخذ مالي من باماكو وسط البلاد عاصمة لها، وتتبنى نظام حكم ذا طابع جمهوري، يقوم على الديمقراطية والانتخابات  للوصول إلى الحكم وتسيير البلاد.
وغالبية سكان البلاد مسلمي  يتبعون المنهج الوسطي المعتدل القائم على التسامح والحوار واحترام الآخر.  

رؤساء البلاد

تعد مالي من المستعمرات الفرنسية، نالت استقلالها عام 1960، أول رئيس قادها هو مديبو كيتا، أطيح به بانقلاب عسكري سنة 1968 من قبل موسى تراوري، الذي حكم إلى غاية 1991 وأسقط هو الآخر بانقلاب.
وبعد فترة انتقالية، انتخب ولأول مرة، ألفا عمر كوناري بطريقة ديمقراطية رئيسا للبلاد.
وعوض كوناري بالجنرال السابق حامادو توماني توري، في انتخابات 2002، وأعيد انتخابه لعهدة ثانية سنة 2007، قبل أن يطاح به في انقلاب عسكري قاده النقيب أمادو هايا سانوغو في 22 مارس 2012.
قطعت مالي فترة انتقالية عسيرة، قادها بالنيابة ديونكوندا تراوري، وانتهت بتنظيم انتخابات رئاسية في 2013، توجت بفوز الرئيس ابراهيم بوبكر كيتا، بعد منافسة حادة مع صوميلا سيسي، أدت إلى الذهاب للدور الثاني.

أخطر الأزمات

غالبا ما كان الفقر والرعاية الصحية والتعليم، أبرز الأزمات المستعصية على السلطات الحاكمة في مالي.
وإلى غاية 1991 كانت الانقلابات العسكرية، هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى سدة الحكم، وتكرر هذا السلوك سنة 2012، بعد 4 مواعيد انتخابية ديمقراطية.
وكانت أخطر الأزمات التي عرفتها البلاد بدءا من تسعينات القرن الماضي، مشكلة الشمال التي أخذت طابعا انفصاليا، وتم احتواؤها في أكثر من مناسبة بعدة اتفاقات كانت الجزائر أبرز صانعيها.
وكانت سنوات 1992،  1995، 1996، 2006، 2013، 2015، أبرز محطات اندلاع وإخماد معضلة الشمال التي تمثل تهديدا حقيقيا على وحدة دولة مالي.
وفي 2007، ظهر خطر آخر، والمتمثل في بروز الجماعات الإرهابية المتحالفة مع عصابات الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وبات تحديا ليس لمالي فقط وإنما لكافة دول الساحل، واستطاعت الجماعات الإرهابية السيطرة على مدن الشمال الرئيسية وهي تمبكتو، كيدالن وغاو، قبل أن يتم طردها وهزيمتها عبر تدخل عسكري دولي أواخر 2013.

إشعاع ثقافي

تمثل مدينة تمبكتو، أحد أبرز المعالم الثقافية في مالي وإفريقيا عموما، وتعرف بمخطوطاتها ذات القيمة العلمية والتاريخية النادرة، إلى جانب الطابع المعماري المتميز، وعرفت مرور مختلف العلماء والمهتمين بتاريخ القارة الإفريقية والمماليك القديمة.