طباعة هذه الصفحة

الولايات المتحدة

باراك أوباما يفوز بعهدة رئاسية ثانية

محمد العربي

منذ أسبوع تحصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما على ولاية ثانية لأربع سنوات أخرى في البيت الأيبض وقد أنتشى مؤيدوه من الحزب الديمقراطي والملونين لذلك طيلة الساعات التي تلت اعلان الانتصار على مرشح الحزب الجمهوري ميت رومني الذي اعترف بالهزيمة، مهنئا خصمه اللدود على مدى أسابيع عديدة من حملة انتخابية شرسة.

لقد اعتقد العديد من المراقبين أن باراك أوباما في حالة اعادة انتخابه على رأس الدولة، قد يستمر في نهجه المسطر منذ سنوات والمطبق في جلّه، رغم حدة الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالولايات المتحدة وبالبلدان الغربية منذ هزات السابرايم  عام ٢٠٠٧ وما تلاها من تداعيات على المنظومات المصرفية، وصولا الى قطاعات الاقتصادي الحقيقي وليست الصناعة والتجارة أقلها تأثرا.
لكن الرئيس الفائز سارع غداة اعلان النتائج الى التصريح، علنا، بأنه سوف يتراجع عن بعض اجراءات الرعاية الصحية التي فرضها، منذ عامين على  مجلس النواب ومجلس الشيوخ، رغم معارضة أغلبية البرلمانيين الجمهوريين، وتحجّج الرئيس بعذر العمل جديا على الوصول، ما أمكن الى تحقيق توازن الميزانية التي سوف تبلغ قريبا ولاشك في ذلك السقف المحدد قانونيا والذي لا ينبغي بأي حال من الأحوال تجاوزه، ولا أدل على الأزمة الجديدة التي من الممكن أن تحدث اذا تم تجاوز هذ السقف في الولايات المتحدة، الا الجدل الخطير القائم بشأن معاهدة الميزانية بين البلدان الأعضاء  في الاتحاد الأوروبي وبالأخص بين فرنسا وألمانيا، بكل ما ينطوي ذلك من مخاطر جديدة على تماسك منطقة اليورو ومصير الاتحاد الأوروبي نفسه.
لذلك، بادر باراك أوباما الى دعوة خصومه الجمهوريين الحائزين، خاصة على الأغلبية في مجلس الشيوخ، موضحا أنه يتطلع الى العمل مع منافسه في السباق نحو الرئاسة هذا العام، ميت رومني، كل ذلك من أجل التوصل الى الاجماع الذي سوف يجعل منه، على ما يبدو، أساس نهجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي خلال عهدته الثانية.
في واقع الأمر ، لن يكون من السهل التوفيق بين المواقف المعبّر عنها، طوال الحملة الانتخابية حيث جعل منها كل مترشح أحد محاور سياسته.
وقد تباينت مواقف المرشحين على النحو التالي:

¯ بالنسبة للجباية:
يريد باراك أوباما تخفيض أوجه العجز بحجم ٠٠٠ . ٤ مليار دولار، على مدى عشر سنوات، بفضل زيادة الضرائب على القيمات المضافة وكذلك رفع الرسوم على العائلات التي يتجاوز دخلها ٠٠٠ . ٢٥٠ دولار  سنويا، بالاضافة الى تخفيض نسب الرسوم المفروضة على الشركات، مقابل الغاء المزايا الجبائية الممنوحة لبعض القطاعات.
في حين يدعو ميت رومني الى العودة الى توازن الميزانية، في أفق سنة ٢٠٢٠، من خلال تخفيض العجز بحجم ٥٠٠ ملاير دولار سنويا حتى سنة ٢٠١٦، ثم تحديد سقف النفقات العمومية بما لا يتعدى ٢٠ ٪ من الدخل الوطني الاجمالي، بالاضافة الى الحد من التخفيضات الجبائية بحسب الدخل، مقابل تخفيضات بحجم ٢٠ ٪ في كل النسب الضريبية، ثم إلغاء الضريبة على القيمات المضافة، بالنسبة للعائلات التي يقل دخلها عن ٠٠٠ . ٢٠٠ دولار.

¯ بشأن الطاقة:
ـ وعد باراك أوباما بتخفيض نصف واردات الولايات المتحدة من البترول،  من الآن وحتى سنة ٢٠٢٠، ووعد أيضا بمواصلة منح أوجه الدعم للطاقات المتجددة وتطبيق معايير جديدة على شركات صناعة السيارات باتجاه اقتصاد الطاقة.
ـ من جهته، أكد ميت رومني أنه  مستعد لمنح الترخيص، فورا، لبناء أنبوب نقل البترول الكندي «كيستون» وكذلك توسيع الرخص للتنقيب عن البترول والغاز ومواد الطاقة الأخرى في الأراضي العمومية، بما فيها الأطلسي والباسيفيك وآلاسكا.

فيما يتعلق بقضايا الدفاع:
ـ دعا باراك أوباما الى تقليص النفقات العسكرية حتى نسبة ٢,٩ ٪ من الدخل الوطني الاجمالي، بفضل الاستمرار في اعادة التنظيم المباشرة من طرف البانتاغون، لكن دون اضعاف الوجود العسكري الأمريكي، خاصة في مناطق آسيا ـ باسيفيك، واستئناف المفاوضات الرامية الى تصديق الولايات المتحدة على معاهدة الحظر الكامل للتجارب النووية.
ـ غير أن ميت رومني يريد رفع ميزانية الدفاع الى ٤ ٪ من الدخل الوطني الاجمالي، بغلاف مالي قدره ٢١٠٠ مليار دولار على مدى عشر سنوات، من أجل عصرنة الأسطول الحربي وسلاح الطيران وتجنيد ٠٠٠ . ١٠٠ جندي وتطوير منظومات الدفاع المضادة للصواريخ وعصرنتها دون الحد من قوة الردع النووي.

¯ في مجال الصحة:
وعد باراك أوباما بمواصلة تطبيق قانونه لسنة ٢٠١٠، مع سنّ اقتطاعات جديدة اعتبارا من سنة ٢٠١٣ ومنع شركات التأمين اعتبارا من سنة ٢٠١٤  من دفع مكافآت أعلى للمستفيدين من التأمينات الذين كانوا مرضى في السابق.
أما رومني، فانه يدعو الى الغا ء قانون أوباما لسنة ٢٠١٠ والمتعلق بتعميم الرعاية الصحية، مع اعطاء الأفضلية للولايات لاقامة منظومات الرعاية العامة التي تريدها هي والاستمرار في منع شركات التأمين من رفض الرعاية للزبائن الجدد، رغم أنهم يعانون من الأمراض.

¯ في مجال التربية والتعليم:
ـ دعا أوباما الى توسيع القروض الميسّرة لتمويل الدراسات العليا للطلبة المنحدرين من الأوساط الفقيرة، والاحتفاظ بالتمويلات الاتحادية لمنظومة التعليم العمومي ورفع مستوى التعليم العالي ببرنامج استثماري وتوظيف مدرسين جدد في الفروع العلمية بالجامعات.
من جهته، يريد ميت رومني تحويل  جزء من الأموال الاتحادية المخصصة لعمل المدارس العمومية، للسماح للأولياء بتمويل دروس أبنائهم في مدارس القطاع الخاص، ثم اخضاع التمويلات الاتحادية لتطبيق الاصلاحات في المدارس وأخذ آراء الأولياء بعين الاعتبار أكثر مما في السابق والاستثمار في الابتكار وربط مرتبات المدرسين بأدائهم.

¯ وفيما يخص الهجرة:
يرى أوباما أن منح البطاقات الرسمية للمهاجرين الشباب لابد أن يخضع للتسجيل في إحدى الجامعات أو التجنيد في القوات المسلحة.
ويحصر ميت رومني عملية منح البطاقات الرسمية للمهاجرين في التجنيد في القوات المسلحة، مع كونه يعد بإصلاح كامل للقوانين المتعلقة بالهجرة ومعاقبة أولئك الذين يوظفون المهاجرين بدون بطاقات رسمية.

في مجال السياسة الخارجية:
- أكد أوباما أنه سيحافظ ويعزز العقوبات ضد إيران ويدعم المعارضة السورية بمساعدات غير عسكرية وسوف يستأنف الجهود لإيجاد حل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني وسيواصل إعادة انتشار القوات الأمريكية في منطقة آسيا باسيفيك لضمان الأمن الإقليمي، دون تحدي الصين.
- من جانبه، يريد ميت رومني منع إيران من إكتساب «قدرة» نووية وسيساعد الثوار السوريين وربما سيسلحهم لقلب نظام ببشار الأسد. كما أكد تعزيز التضامن الأمريكي مع إسرائيل والحرص على ضمان أمنها، ثم رفع اللهجة حيال الصين فيما يتعلق بالملفات التجارية.
وأيا كانت المسائل المطروحة، فان المفاوضات ستزداد حدة، مثل الضغوط من كلا الجانبين الديمقراطي والجمهوري، فكل فريق سيعمل، بالتأكيد، على تغييب أطروحاته واستغلال مواطن الضعف لدى الطرف الآخر من أجل استمالة الحلول الوسطى إلى مصالحه.
كيف سيتم التغيير في ظل الإستمرارية؟ كل الاشكال يكمن هنا؟