بينما تحصد القضية الصحراوية المزيد من المكاسب

الدبلوماسيــة المغربيــة من سقطة إلى أخــرى

فضيلة دفوس

لا يختلف إثنان في كون المغرب يعيش أسوأ أيامه بسبب التردّي الذي يطوّقه من جميع الاتجاهات، حيث أصبحت كلّ القطاعات في المملكة تئنّ تحت وطأة الفساد وتدهور القدرة المعيشية وتراجع حقوق الإنسان وحريّة التعبير، لتضاف لها الفضائح التي عرّت نظام المخزن، وكشفت بأنّه يتّبع أساليب منافية للأعراف الدبلوماسية في مساعيه للتأثير على مواقف الدول من المسائل التي تخصّه وعلى رأسها القضية الصحراوية.

وضع لا يحسد عليه، يعيشه النظام المغربي الذي لا يكاد يستعيد وعيه من صفعة يتلقاها من هذه الجهة، حتى يخرّ صريعا تحت وقع صفعة جديدة، وبما أنه عاجز عن الدّفاع عن نفسه؛ لأنّه في الغالب يكون في موقع المذنب، فإنه إمّا يلتزم الصّمت كما حصل مؤخرا مع بيان البرلمان الأوروبي الذي شجب الانتهاكات الحقوقية المخزنية، وإمّا يعتبر مثل هذه الإدانات مجرّد مواقف عدائية تعكس غيرة الآخرين وحسدهم على المكانة التي بلغها.
 فقد قال رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية عبد الله بوانو، في الجلسة التي عقدها البرلمان بغرفتيه، الاثنين، للرد على البرلمان الأوروبي، إن “تقدّم المغرب أصبح مزعجا”، مشيرا إلى أن “مسار تقدّم المغرب يظهر في مجالات مختلفة في السياسة وفي الرياضة، وآخرها كأس العالم بقطر”، دون أن يحدّد مظاهر وحجم هذا التقدّم الذي لا يراه أحد على أرض الواقع، بل يرى عكسه تماما، أي التراجع الرهيب في كلّ القطاعات.
علام يحسد الآخرون المغرب؟!
 لنقف بداية مع ما يسجّله المغرب من مصاعب داخلية، وهي التي باتت تحرّك الشوارع وتهزّها بسبب استمرار تدهور القدرة الشرائية وإخفاق الحكومة في إيجاد حلول توقّف زحف الفقر الذي توسّعت رقعته بشكل مخيف، حيث كشفت المندوبية السّامية للتخطيط بالمملكة، وهي هيئة الإحصاءات الرسمية في البلاد، أن أكثر من 3 ملايين مغربي إضافي تدهورت أوضاعهم المعيشية ودخلوا خانة الفقر بسبب ارتفاع الأسعار والتضخم، وأضاف المصدر،  أن “التقديرات تشير إلى فقدان ما يقرب من سبع سنوات من التقدّم المحرز في القضاء على الفقر والهشاشة، حيث عادت وضعية الفقر والهشاشة بالمغرب إلى مستويات سنة 2014”.
وتتزامن الأرقام التي أعلنت عنها المؤسسة الإحصائية، مع الغضب الشعبي المتصاعد، ليس فقط ضدّ تدهور الأوضاع الاجتماعية، بل ضدّ سياسة الحكومة التي فشلت في تدبير الشأن العام، ونكثت عهودها الانتخابية.
فقد أثبتت حكومة عبد العزيز أخنوش بعد أزيد من سنة على وصولها إلى السلطة، ضعفا في الأداء، وغياب أي إضافة للقطاعات المختلفة في البلاد، مما اعتبر انتكاسة مدوية في الادارة والتسيير لحكومة طبعتها صفة الفساد ومحاباتها لمرتكبيه.
فهذه الحكومة المنفصلة تماما عن الشعب، عمّقت الأزمات الخانقة في البلاد، وتركت الباب مفتوحا لاستشراء كل أشكال الفساد وهدر المال العام، ما صنع شرخا وتصدّعا بين السلطة والرعيّة يكبران يوما بعد يوم، ومعهما يكبر حجم الضغط الذي يتخبّط فيه المغرب.
وبلغ تدني سياسة الحكومة المغربية لحدّ غض النظر عن الفساد ورفضها محاربته، فقد كشف أخنوش عبر العديد من القرارات على أن هذه المسألة ليست من أولوية حكومته، وهو ما ظهر جليا خلال سحبها لقانون يجرّم الإثراء غير المشروع.
وكان تجريم الإثراء غير المشروع من أهم المخرجات التي اقترحتها هيئة الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة في المغرب، وظهور الحاجة إلى مشروع قانون جنائي جديد، لكنه تعثر بعد سنوات من العرقلة حتى تمّ سحبه من طرف حكومة أخنوش، في خطوة أدينت على نطاق واسع من قبل المعارضة وفعاليات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية.
 وضع حقوقي مقلق
 تدهور الوضع المعيشي ليس وجع المغاربة الوحيد، فالحياة ليست أكلا وشربا فقط، بل هي حقوق وحرّيات كذلك، هذه الحقوق تعرف - للأسف الشديد - انتكاسة كبيرة تحت سلطة نظام المخزن، فالجمعية المغربية لحقوق الإنسان أدانت في أكثر من مناسبة تضاعف انتهاكات حقوق الإنسان بالمملكة خلال الفترة الأخيرة “كمّا ونوعا”، وتوسّعت لتشمل فئات جديدة كانت بعيدة عن هذه الانتهاكات، وأبرزت أن المؤسسة القضائية بالمملكة “أصبحت في خدمة الدولة وخدمة انتهاكات حقوق الإنسان”.
 كما أوضحت الجمعية أن هذه الانتهاكات تمسّ كل المجالات، إذ هناك مساس بالحقوق الأساسية للمواطنين مثل الحق في العمل، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وتفشي الفقر واستغلال العمال. والمساس بالحق في الصحة، والحق في التعليم وحرية الصحافة والتعبير، وتراجع الحق في الاحتجاج والتظاهر السلمي.
دبلوماسية بلا مهنية
 لا يمكن أن نقدّم تشخيصا لواقع الدبلوماسية المغربية أفضل من الذي قدّمه السفير المغربي السابق في الشيلي، حيث انتقد عبد القادر الشاوي، الأداء الدبلوماسي لبلاده، خاصة في معركة سيادته المزعومة على الصحراء الغربية، وقال بأنها تفتقد للمهنية والكفاءة، حتى أن الطرف الصحراوي حقّق انتصارات كبيرة أمامها خاصة في أمريكا اللاتينية، إذ أخفق المغرب في التأثير على مواقف دول هذه المنطقة التي تدافع بقوّة عن عدالة القضية الصحراوية وحق تقرير المصير وتستهجن سياسة المغرب الاستعمارية.
و قال الشاوي إن “الدبلوماسية المغربية لا تقوم على أي أساس نظري تحليلي، يرسم خطّطها وتصوراتها ومصالحها الوطنية، وأهدافها القريبة والبعيدة”، مضيفا أنها تبقى “تصورا أو موقفا طابعه الظرفية والاستثناء، يتبلور في كل مرحلة، وفي بعض الأحيان طوال مراحل، حسب الإدراك البرغماتي الذي يتطلبه العمل الدبلوماسي في مناطق التواجد التمثيلي”.
واعتبر السفير السابق أن “المهنية لم تكن دائما حاضرة في عمل الدبلوماسية المغربية في العديد من المناطق عبر العام، مؤكدا أنه كان في بعض الأحيان قصور وجمود في عملها وخاصة في بعض البلدان كالأوروغوي وفينزويلا”.
وشدّد المتحدث، على أن “العمل الدبلوماسي لم يكن موفقا في العديد من الفترات وكان مقيدا بشعارات مستهلكة”.
وأبرز عبد القادر الشاوي، أن هناك عددا كبيرا من المنطلقات المترسخة في الدبلوماسية المغربية، والتي أصبحت مع الوقت “مسلمة بديهية”، وعلى رأسها “الصمت السياسي، والهيمنة الإدارية البيروقراطية المركزية، والأولوية للاعتبارات الشخصية على حساب الاعتبارات السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية، والنقصان المهني”.
وندّد الكاتب والسفير المغربي السابق لدى الشيلي، بما أسماه “غموض التواصل وضعف الإلمام”، معتبرا أن “ضعف تواصل الدبلوماسية المغربية تسبب في بقاء المغرب بالنسبة لعدد من الدول قارة مجهولة، وفي أحسن الأحوال يُنظر إليه، حتى من طرف نخب تلك البلدان، على أنه بلد عربي مسلم متخلف ينتمي إلى القرون الوسطى”.
أداء السياسة الخارجية كارثي
 الاخفاق والضعف الدبلوماسي المغربي الذي تحدّث عنه السفير المغربي السابق في الشيلي، نستشفّه من الهزائم المتتالية والضربات التي تتلقاها المملكة بعد أن تجلّى بوضوح فشل دبلوماسية الرشاوى وشراء الذمم التي تتبناها لتعويض إخفاقات سياستها الخارجية.
ولعلّ أكبر صفعة واجهتها الدبلوماسية المغربية مؤخّرا، هي الفضيحة التي أخذت اسم “مغرب غايت”، والتي كشفت عنها تحقيقات العدالة البلجيكية، حيث أكّدت هذه الأخيرة، تورّط النظام المغربي في شبكة الرشوة والفساد التي نسجت خيوطها داخل البرلمان الأوروبي قصد التأثير على مواقف دوله وتوجيهها لتلميع صورة المغرب وسياساته الاستعمارية، ودعم وتعزيز مواقفه خاصة فيما يتعلّق بالقضية الصحراوية.
 التحقيقات ركّزت على اسم المغرب، فوفقًا لصحيفة “دير شبيغل” الألمانية، فإن عضو البرلمان الأوروبي السابق أنطونيو بانزيري، وهو ديمقراطي اشتراكي إيطالي وأحد المتهمين الأساسيين في القضية، كشف حصوله على رشاوى من الرباط لتبييض المملكة، وللتأثير على القرارات السياسية للاتحاد الأوروبي.
ولم تتفاجأ آنا جوميز، عضو البرلمان البرتغالي السابق، من الفضيحة ولا من تورّط المغرب، وقالت إن قضية بانزيري “كانت خاصة مع المملكة، لكن كان هناك المزيد، لطالما اختلفت معه بشأن القضية المغربية، ولكنه فعل كل ما يريده المغاربة بذكاء”.
جاء ذلك خلال محادثة هاتفية مع صحيفة “بوبليكو” الإسبانية، قالت فيها البرلمانية البرتغالية إنها “كانت شاهدًا مباشرًا على الرحلات الفخمة التي روجت لها الرباط”، والتي رفضتها جوميز.
 فضيحة الفساد التي أصابت نظام المخزن في مقتل، كشفت كيف استطاع المغرب أن يحصل على قرارات أوروبية تدعّم استمرار احتلاله للصحراء الغربية وسرقة ثرواتها، فسياسة الرشاوى وإغداق الأموال، مكّنت المملكة المغربية منذ أكثر من 20 عاما، من الحصول على اتفاقات أوروبية زراعية وفي مجال الصيد تشمل أراضي الصحراء الغربية الغنية بالفوسفات والمعادن والمياه المليئة بالأسماك. وأصبح المغرب “الشريك المتميز” للاتحاد الاوروبي وفي صدارة الدول من سياسة الجوار الأوروبية والمساعدة المالية (زهاء 200 مليون يورو في العام)”.
 هذا، وقبل فضيحة البرلمان الأوروبي، وقّع المغرب في فضيحة التجسّس باستخدام برنامج “بيغاسوس” الصهيوني، حيث تأكّد بالدليل القاطع تورط المخزن في التجسس على الأوروبيين بما فيهم الرؤساء، والمعارضين المغاربة وموظفي الأمم المتحدة والصحراويين.
 حجم العقوبات بحجم الخطيئة
لاشكّ أن المغرب في هذه اللحظات يعضّ أصابعه ندما، ليس فقط لأن شبكات الفساد التي بناها وكلّفته أموالا باهظة - انتزعها من لقمة عيش مواطنيه - انهارت على رأسه، بل لأن فرائسه ترتعد خوفا من العقوبات التي تنتظره خاصّة وأن وزير خارجية الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل حذّر من الرباط مؤخّرا أنه “لا افلات من العقاب” في قضية فضيحة الفساد في البرلمان الاوروبي.
وقال جوزيب بوريل بعد اجتماع مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، “موقف الاتحاد الأوروبي واضح لا إفلات من العقاب في قضايا فساد. لا تساهل اطلاقا”، وأضاف يقول إن “الشراكة الأوروبية المغربية لا تستند فقط إلى المصالح بل كذلك إلى القيم”.
ومن ضمن العقوبات التي يدرسها الأوروبيون حاليا ضد المغرب، تقليص حجم البعثة الدبلوماسية وحصر التعاون الاستخباراتي وفرض عقوبات على أفراد.
وسيكون أكبر ثمن يدفعه المغرب، بعد الإهانة التي يعيشها والخطيئة التي لطّخت سمعته، هو فقدانه للحاضنة الأوروبية وللقدرة - مستقبلا - على العبث بالملف الصحراوي داخلها، ما يعني أنّ القضية الصحراوية خرجت منتصرة، فمن منطلق “مصائب قوم عند قوم فوائد”، يتجلى بوضوح أن الموقف الأوروبي سيجنح نحو الشرعية ليراجع مواقفه الجائرة واللاقانونية تجاه الصحراويين، ومثلما أصدر البرلمان الأوروبي الخميس الماضي قرارا يدين الخروقات الحقوقية المغربية التي تستهف حريّة الصحافة بالخصوص، نتوقّع أن تصدر المؤسسات الأوروبية بأسمائها وأدوارها المختلفة، قرارات تصحّح الاختلالات وتدعم الحل الأممي الشرعي لآخر قضية تصفية استعمار في الصحراء الغربية.
 القضية الصحراوية تنتصر
الأكيد أن انكشاف فضائح المخزن، ساهم بشكل أو بآخر في تعزيز الدّعم الدولي للقضية الصحراوية، والذي تجلى واضحا خلال وبعد مؤتمر البوليساريو الذي اختتم أشغاله الأحد الماضي، وأيضا، من خلال إسقاط العديد من الدول بصفة صريحة وواضحة الخيار المغربي الأحادي الذي يرسّخ سيادته المزعومة على الاقليم الصحراوي المحتل، والتزامها بدعم الحلّ الأممي القاضي بتنظيم استفتاء لتقرير المصير يختار عبره الصحراويون مستقبلهم بكل حريّة ونزاهة.
وآخر من رافع للشرعية الدولية في الصحراء الغربية، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، لشؤون المنظمات الدولية، ميشال سيسون، التي أكّدت من الجزائر، أن بلادها تدعم جهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء الغربية، ستافان دي ميستورا، للمضي قدمًا في حل دائم وتسهيل حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين في المنطقة.
من جهته، جدّد الممثل السامي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الموقف المشترك لدول الاتحاد الأوروبي تجاه قضية الصحراء الغربية، القاضي “بالدعم الكامل لجهود الأمم المتحدة” من أجل التوصل إلى حل سياسي يقبله طرفي النزاع، جبهة البوليساريو والمغرب.
كما جدّدت ألمانيا مساندتها للمسار الذي ترعاه الأمم المتحدة من أجل التوصل لحل سياسي “واقعي”، و«مستدام” لملف الصحراء الغربية. وشدّدت على أن المسار “يجب أن يكون في إطار الأمم المتحدة برئاسة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية ستافان دي ميستورا”.
 وحتى فرنسا التي دأبت على دعم الموقف المغربي، وفي أحسن الأحوال مسك العصا من الوسط، فقد دعت قبل أسابيع لاستئناف المفاوضات بين الأطراف من أجل التوصل إلى حل عادل وواقعي.
 يبقى في الأخير أن نشير إلى أن سقطة المغرب الدبلوماسية موجعة وتداعياتها خطيرة، ما ينذر بتصعيد داخلي وانتكاسة خارجية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024