طباعة هذه الصفحة

الجزائر وجنوب إفريقيا.. شراكة المبادئ

بقلم: أسامة إفراح

قد لا يرى البعض في زيارة وزير الفنون والثقافة الجنوب أفريقي ناثي مثيثوا للجزائر، ولقائه وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي أول أمس الثلاثاء، إلّا لقاءً عاديا لوزيرين لنفس القطاع، تحدثا عن فيلم من إنتاج مشترك، حول نيلسون مانديلا، هذه الأيقونة الأفريقية بل العالمية في سماء النضال الإنساني.

لكن الأمر يتعدى مجرد زيارة وزارية، فالضيف والمضيف يمثلان دولتين لهما ثقلهما على المستوى الإقليمي والقاري، بل والعالمي في عديد القضايا.. دولتان تتحملان عبء الدفاع عن القارة السمراء في مختلف المحافل، السياسية، الدبلوماسية والاقتصادية، وما مبادرة «نيباد» التي تعتبر كل من الجزائر وجنوب أفريقيا محورين هامين في إنجاحها إلا أحد الشواهد على ذلك.
دولتان تدافعان عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وضرورة الامتثال للشرعة الدولية تفاديا للفوضى والنزاعات، وموقفهما من القضية العادلة للصحراء الغربية دليل على تمسكهما بالمبادئ السامية التي أجمعت عليها، واجتمعت حولها، مكونات المجتمع الدولي، وهو ما أكده الوزير الجنوب أفريقي مرة أخرى أول أمس، حينما قال إن «للإنسانية واجبا تجاه الشعب الصحراوي الذي يكافح لأجل استقلاله». وإن كانت جنوب أفريقيا قد استفادت في بلورة هذا الموقف السامي من تجربتها المريرة مع نظام الميز العنصري «الأبارتيد»، فإن للجزائر قناعة راسخة مستمدة من معاناتها تحت نير الاستعمار قرابة القرن والنصف من الزمن، قناعة جعلت منها نصيرا لـ»معذبي الأرض»، بداية بـ»نيلسون مانديلا» ذاته، ورفاقه في النضال ضد الأبارتيد الذي كانت الجزائر، ووزير خارجيتها حينذاك هو رئيسها الحالي عبد العزيز بوتفليقة، وراء طرده من الجمعية العامة للأمم المتحدة، لحظة سجلها التاريخ بحروف من ذهب.
كثيرة هي التجارب المشتركة بين الدولتين، ولعل إحداها الاتفاق حول مبدأ الحوار في حل الأزمات والنزاعات، داخلية كانت أو خارجية، ففي أقصى شمال القارة نجد التجربة الجزائرية في إنهاء الإرهاب الدموي عن طريق الوئام المدني فالمصالحة الوطنية، وفي أقصى جنوب القارة نجد «المصالحة والمصارحة» دليلا على شجاعة جنوب أفريقية خالصة، دفنت بها أحقاد الماضي متطلعة إلى بناء السلام وإرساء أواصر التآخي في مجتمع متعدد الثقافات والأعراق.
إن التعاون بين الجزائر وجنوب أفريقيا دليل رقي هاتين الدولتين وتساميهما عن المصالح الضيقة لبعض الدول، التي تعكر مسار التنمية في القارة السمراء، وتقف حاجزا أمام الشرعية الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها بكل حرية وسيادة.. فهنيئا لكلتا الدولتين بهذه الشراكة المتينة والمثمرة والمبنية على مبادئ إنسانية راسخة.