طباعة هذه الصفحة

أبعاد مشاركة جيش تشاد في حرب مالي

حسابات المصالح والنفوذ بمنطقة الساحل

حمزة محصول

للجيوش الإفريقية، باع طويل في الحروب والنزاعات، سواء ما تعلق بالصراعات الداخلية والحروب الأهلية بين الأقليات الاثنية والمجموعات القبلية من اجل السيطرة على دواليب الحكم، أو ما ارتبط بالنزاعات الحدودية بين الدول. ورغم أنها تقاتل بأسلحة تقليدية بسيطة، إلا أنها قتلت وشردت ملايين البشر، ومع تطور عمل المنظمات الرسمية الإفريقية باتت هذه الجيوش منوطة بمهمة حفظ السلام في البلدان التي تعرف أوضاعا أمنية عصيبة.
يعد الجيش التشادي واحدا من النماذج التي حملت على عاتقها، مسؤولية الانخراط في عملية عسكرية دولية لإعادة السلم والأمن في مالي، تاركا تساؤلات كثيرة عن أبعاد وخلفيات هذه المشاركة.
تحمست، تشاد، منذ البداية لشن حرب شاملة على الجماعات الإرهابية التي سيطرت على شمال مالي، طيلة ١٠ أشهر كاملة، وبشكل فاق إصرار دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، رغم أنها محسوبة على دول وسط إفريقيا، ولا تنتمي إلى هذه المجموعة التي تعد دولة مالي عضوا فيها.
وبدأ عساكر الجيش التشادي يصلون إلى مناطق الحرب، منذ اليوم الأول لإطلاق فرنسا عملية «سرفال»، إلى أن بلغ العدد الإجمالي ٢٥٠٠ عسكري، يقاتلون إلى جانب القوات الفرنسية، ويخوضون أشرس المعارك، وكلفهم ذلك الفاتورة الأغلى بين الجيوش الإفريقية الأخرى، بعد مقتل ٣٠ عسكريا لحد الآن، منهم ٢٦ في يوم واحد، أقيم على شرفهم حداد وطني.
وازداد في كل مرة، الاهتمام الدولي، بمشاركة تشاد في هذه العملية العسكرية، وإرسالها كل هذا العدد بصفة مستقلة عن البعثة الدولية لدعم مالي «مسما»، المرخص لها من الأمم المتحدة، دون أي تأخر في الوفاء بهذا الالتزام، كما حدث مع بعض بلدان غرب إفريقيا. هذا الاهتمام اخذ منحى آخر، بعد إعلان الرئيس التشادي «إدريس ديبي»، تصفية جيش بلاده للقياديين البارزين، في صفوف الجماعات الإرهابية، المعروفين بـ«أبو زيد» و«مختار بلمختار»، وطرحت تساؤلات كثيرة عن القوة الحقيقية لهذا الجيش، والآثار التي أحدثها على الصعيدين الدولي والإفريقي وكذلك الرأي العام الداخلي التشادي.
واتفقت آراء المحللين، على أن نفوذ تشاد، تضاعف في المنطقة، بعد مشاركتها في هذه الحرب، وبدأت تفرض نفسها كدولة ذات دور محوري في مكافحة الإرهاب وضمان الاستقرار، وتمكن الجيش التشادي، من تحسين صورته إفريقيا على الأقل، وتدليل تهم التجاوزات، المسجلة باسمه، ضد المدنيين في السنوات الماضية.
أما المستفيد الأكبر من كل هذا، فهو الرئيس «إدريس ديبي»، حيث سارت النتائج الأولية  لمجريات المعارك في صالح نظامه، وبدأت أسهمه تأخذ في الارتفاع خاصة لدى الرأي العام المالي، الذي أصبح يعتبره «المنقذ الشجاع». لكن هناك تحليلات في اتجاه آخر، تقول أن الأوضاع الداخلية وحالة الريبة التي تحوم حول نظام «ديبي» دفعته لإرسال خيرة الضباط إلى مالي، من اجل تفادي انقلاب عسكري قد يكون محتملا، وتحويل اهتمام الشارع إلى خارج حدود البلاد، كما أراد الرئيس من خلال هذه المشاركة أن يقول لمعارضيه، أن وجوده في السلطة ضروريا لفرض الأمن والاستقرار بشريط الساحل، ويحصل على دعم وتزكية الأطراف الإقليمية والدولية.
ويوجد جانب، يرتبط بفرنسا التي أشادت بقوة الجيش التشادي، وشجعت، «إدريس ديبي»، على إرسال اكبر قوة عسكرية ممكنة للقتال إلى جانب قواتها في مالي، حتى تبقي على الطابع الإفريقي لحل الأزمة، وتزيل مخاوف الحساسيات المتعلقة، بالماضي الاستعماري، وأصبح للجيش التشادي بهذا، رمزية تمثيل إفريقيا.
أما معارضو رئيس تشاد، فيعتقدون أن هناك صفقة بينه وبين السلطات الفرنسية، بحيث تضمن مشاركته في الحرب، تبيض التهم الموجهة إليه، بشأن تصفية معارضيه ومسؤوليته عن عدة تجاوزات بحق المدنيين في مختلف مناطق البلاد.
 ومن مقتضيات السياسة الخارجية، أن تبدل مختلف القوى ما بوسعها للحضور في معادلة النفوذ واقتناص الفرص في البعد الاستراتيجي لكل أزمة، كما يجري حاليا في مالي، إذ أصبح هذا البلد ومنطقة الساحل ككل، بؤرة يجتمع فيها أصحاب المصالح، من الدول الغربية أو الإفريقية التي تملك مآربها الخاصة، وقد أسالت انعكاسات مشاركة تشاد في حرب مالي، لعاب الكثير من الدول على غرار النيجر وموريتانيا التي قبلت تقديم مساعدة عسكرية تحت غطاء الأمم المتحدة.