طباعة هذه الصفحة

القواعــد العسكرية الفرنسية فـي إفريقيـا

استمـرار الروابــط الاستعماريـة

حمــزة محصــول

بقيت إفريقيا مرتبطة بالقوى الاستعمارية، بعد استقلالها مطلع الستينات، من خلال الاتفاقيات الاقتصادية والثقافية والعسكرية، التي كانت في ظاهرها عبارة عن آليات لدعم ومرافقة مسار التنمية والتطور، ولكنها تمثل في الحقيقة، صكوك ضمان للمصالح الحيوية والأمنية لهذه القوى. وتعتبر فرنسا صاحبة أكثر عدد من الاتفاقيات والتدخلات المباشرة وغير المباشرة في الشؤون الداخلية للبلدان الإفريقية.

قال الجنرال الفرنسي ميشال دي بييرات ذات يوم”إن أمن ومصالح فرنسا قد تتعرض للتهديد ليس فقط في أوروبا، بل عبر مناطق في العالم والتي هي في إطار النمو و التطور. فهنالك إستراتيجية غير مباشرة تهدّد مناطق إمداداتنا من المواد الأولية والطاقة. فهذه التهديدات الأمنية هي خطيرة بحجم أكبر لو كانت على مقربة من حدودنا”.
بناءا على هذا رأت فرنسا في إبقاء قواعد عسكرية في إطار ما يطلق عليه اتفاقيات الدفاع والتعاون، أفضل وسيلة لمراقبة إفريقيا، بعد إنهاء وجودها الاستعماري، وفرضت على بعض الدول مثل جيبوتي وجزر القمر، إقامة قواعدها العسكرية مقابل منحها الاستقلال، وجرى عقد تلك الاتفاقيات في سرية تامة، وظل التعتيم يخيم على عددها والأدوار المنوطة بها، رغم الكشف عنها في وقت لاحق.
ومن المهام المعلنة للتواجد العسكري الفرنسي الدائم وغير الدائم في دول معينة، قمع حركات التمرد، والحفاظ على الأمن الداخلي في البلد وحماية الجيش الفرنسي من الاعتداء الخارجي.
ويعتقد خبراء الشأن الأمني الإفريقي، أن اقتداء فرنسا بالولايات المتحدة، أثناء الحرب الباردة، هو ما دفعها لإقامة قواعد عسكرية في إفريقيا، من أجل التصدي للمد الشيوعي، وتنصيب نفسها دركيا، يتدخل في الشؤون الداخلية ويمارس كل الطرق للحفاظ على مصالحه حتى وإن كان على حساب أمن واستقرار البلد، وأبرمت فرنسا ذات الماضي الاستعماري المخزي 11 اتفاقية أمنية مطلع الستينات والسبعينات، على غرار إفريقيا الوسطى، الغابون، كوت ديفوار، طوغو، جيبوتي، تشاد، السينغال، جزر القمر، والكاميرون.
هذه الاتفاقيات التي تُعوّض أحيانا باتفاقيات مساعدة، تمنح أولوية استغلال الموراد الإستراتيجية، لفرنسا التي  عمدت إلى إقامة علاقات دبلوماسية، يميزها طابع الشخصنة، ما يعني أن تعاملها ليس مع مؤسسات سياسية تعكس شرعية نظام الحكم، ولكنه يكون مباشرة مع شخص الرئيس الإفريقي الذي يعتبر صديقا لها.
وتم في السنوات الأخيرة، توسيع الاتفاقيات الأمنية لتشمل تدريب جيوش وضباط الدول الإفريقية، وتخرج دفعات، لها ولاء دائم للمؤسسة العسكرية الفرنسية.
وينتشر في الوقت الراهن حوالي 10 آلاف جندي فرنسي في إفريقيا، ينتمي نصفهم إلى ثلاثة قواعد عسكرية دائمة، حيث يوجد 900 جندي في قاعدة جيبوتي يراقبون البحر الأحمر، وحوالي 1150 في القاعدة البحرية في السنغال، و800 جندي في الغابون ”قاعدة العمليات الجوية الفرنسية في إفريقيا”.
وتشارك بقية القوات في عمليات خارجية تنصب على إثرها قواعد مؤقتة تطول مدتها في أغلب الأحيان، على غرار قاعدة “ليكورن” في كوت ديفوار التي تضم 2400 جندي وأنشئت سنة 2002، وقاعدة “ابروفي” في تشاد وبها حوالي 1200 جندي منذ 1986، وقاعدة “باولي” في إفريقيا الوسطى وتضم 400 جندي منذ 2008. وستعزز هذه القواعد بأخرى في مالي، حيث ينتظر بقاء 1000 جندي بصفة دائمة.
وتدعم هذه القوات بفيلق من القوات الخاصة، انشىء عام 1992، يتكون من 3000 جندي مسلحون بوسائل جد متطورة، وتابع مباشرة لقصر الايليزي، مهمته التدخل في أي منطقة في العالم. وتصر السلطات الفرنسية على إبقاء قواعدها المطلة على واجهة المحيط الهندي والمحيط الأطلسي، وترى في الغابون أفضل موقع للملاحة الجوية.
إذا كانت مبررات التواجد العسكري الفرنسي في إفريقيا خلال العقود الماضية هو اعتراض المد الشيوعي وحماية المصالح، فإنه يعد اليوم استمرارا للتدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول ويشكل مؤشرا واضحا على  النيوكولونيالية الجديدة.