طباعة هذه الصفحة

بعد سلسلة قمم ومنتديات حول التنمية والاقتصاد

هل سيتحقق الحلـم الإفــريقـي؟

حمزة محصول

ينظر العالم في السنوات الأخيرة إلى مستقبل إفريقيا  بنظرة تفاؤلية غير مسبوقة، خاصة من الناحية الاقتصادية التنموية. ورسّخت الأرقام الضخمة عن الاستثمارات المبرمجة إلى غاية ٢٠٣٠ فكرة مفادها أنّ الدول الإفريقية مقبلة بعد عقود من التخلف على عصر مزدهر، يتحول فيه الحلم إلى حقيقة.

يصنع العيش في أوروبا والتجول في مدنها والظفر بمنصب عمل هناك حلما لشباب إفريقيا، يستوجب المغامرة وقطع آلاف الكيلومترات سيرا على الأقدام وسط الصحاري والمسالك الحدودية الوعرة، من أجل الوصول إلى سواحل الشمال أين يحكم على رحلتهم بالفشل الذريع أو ببداية مرحلة جديدة من حياتهم.
لكن حلم القارة الافريقية يختلف بشكل كلي عن حلم شبابها، فهي ترى أنّ المستقبل على أرضها وبقدر ما يتطلبه من تضحيات، فهو يتطلب تضامن وتظافر جهود جميع البلدان التي ترى أن لها ماض وأفق مشترك. وجاءت القمم والمؤتمرات الاقتصادية العالمية والاقليمية  التي عقدت خلال شهر ماي المنقضي، بمقترحات تدعو إلى الاندماج وتعزيز التعاون والتنسيق لتحقيق النهضة المنشودة، مع التوجه نحو الاستثمارات المنتجة للثروة والقيمة المضافة مع الشركاء الأجانب وأن لا تقتصر على الطابع تجاري الخالص.
وحاولت تلك المؤتمرات تقديم توقعات دقيقة عن آفاق التنمية في إفريقيا على مدار العقدين القادمين، وقدّرت أن يتم استثمار أكثر من ٥٠٠ مليار دولار، في البنى التحتية والمشاريع الاستراتيجية، يقوّيها التسابق المحموم بين أقطاب الاقتصاد العالمي من آسيا وأوروبا وأمريكا للظفر بها وتهيئتها لإطلاق قطار التنمية والتكامل الاقتصادي الافريقي.
وقد أبانت  بلدان القارة خلال احتفالها بخمسينية تأسيس منظمة الوحدة الافريقية الأسبوع الماضي عن إرادة فولاذية للتعاون فيما بينها، وتجسيد كل المخططات الرامية إلى تحسين المستويات المعيشية لمواطنيها وخفض مستويات الفقر والأمية، والرقي بقطاعات الصحة والتعليم وحقوق الانسان، وتقوية الحكم الراشد وإرساء الديمقراطية والسلم والأمن، وأخذ المبادرة في حل مشاكلها بنفسها وعدم إخلاء المكان للغير كي يملي تصوراته التي لا تخدم إلاّ مصلحته.
هذه الوعود كانت إيجابية إلى درجة غطّت على الواقع السوداوي الذي تصنعه النزاعات والأزمات، وجعلت أغلب الأفارقة يطرحون تساؤلات عن هذا الحلم المنشود، هل سيكون هناك أبراجا تجارية وناطحات سحاب في أكثر من دول، ولن يقتصر الأمر بذلك على جنوب إفريقيا فقط، وهل سترتبط الدول الافريقية بطرق وخطوط السكك الحديدية للقطارات السريعة؟ هل ستبنى الجسور العملاقة فوق الأنهار والبحيرات العظمى، ويتم استبدال السفن والقوارب التقليدية لنقل السلع من مدينة إلى أخرى بوسائل عصرية على غرار ما هو موجود في آسيا وأوروبا الشرقية على الأقل؟ هل سيتم تصدير مواد مصنّعة وذات جودة عالية خلال العقدين القادمين نحو القارات الأخرى إلى جانب المواد الأولية؟ وهل سيجد شباب إفريقيا أنفسهم في مكان يستجيب لطموحاتهم ويفضّلونه عن ذلك الذي يرونه اليوم حلما؟
هي تساؤلات في حقيقتها أهداف يجري الاعداد لبلوغها من طرف دول القارة وشركائهم من أمريكا اللاتينية وآسيا والولايات المتحدة وأوروبا، والأكيد أنّ تحقيقها لن يكون بملايير الدولارات، فهناك عراقيل داخلية معروفة يجب تجاوزها، وأخرى خارجية تحلّ بتغيير النظرة وفرض الاحترام والندية في المعاملات، وتوفر النية الصادقة في الدعم والمساعدة.ولاشك أنّ عتبة الانطلاق نحو تجسيد الحلم الافريقي تبدأ بتخطي المشاكل الأمنية التي قضت على فرص هامة للاستثمار، ويتصاعد خطرها مع تصاعد طموحات القارة، لذلك فإنّ تجاوزها يعلن نهاية مرحلة بائسة وبداية أخرى مشرقة.