طباعة هذه الصفحة

«الشعب ويكاند» تعود لمسيرة أبرز لاعبة كرة قدم جزائرية

نعيمة لعوادي... تحدّت محيطا غير مناسب والإرهاب لتحقيق حلمها

محمد فوزي بقاص

تعرف بصراحتها وقوة شخصيتها، واجهت الرجال واكتسحت ميدانهم وخطفت منهم الشهرة، قوة ناعمة ولدت من رحم التحدي. عكس كل فتيات المعمورة كانت تداعب الكرة وترفض اللعب بالدمى، رياضية بدرجة امتياز مارست الجيدو وألعاب القوى التي عبدت بها الطريق لولوج عالم الساحرة المستديرة، وضعت حجر أساس البطولة الوطنية النسوية لكرة القدم، وصنعت الحدث في بداياتها، الأمر الذي فتح لها باب الاحتراف بألمانيا وبعدها فرنسا، كان لها الفضل في تشكيل أول منتخب نسوي للعبة، قادته في أول لقاء وخطفت معه لقب كأس العرب، كتبت اسمها بأحرف من ذهب في تاريخ كرة القدم النسوية الجزائرية، نتحدث هنا عن ابنة مدينة تيزي وزو، نعيمة لعوادي أو مارادونا الجزائر كما تلقب.

تعتبر نعيمة لعوادي أول امرأة جزائرية تحدت المحيط غير المناسب، وسنت تفكيرا جديدا يقضي بتقبل فكرة مداعبة المرأة لكرة القدم في مجتمع جزائري محافظ، كان يتخبط في سنواته الأولى مع الإرهاب الهمجي الذي دمر كل ما هو جميل في الجزائر، ابنة مدينة تيزي وزو تخطت العقبات وتحدت كل الصعاب بالغة مرادها.
ولدت بمدينة تيزي وزو يوم 15 فبراير من عام 1976، من عائلة بسيطة تقطن أعالي وسط المدينة كبرت وترعرعت هناك، كانت مولوعة بكرة القدم منذ نعومة أظافرها، أين كانت تلعب الكرة مع ذكور حييها، وهو ما سبب لها العديد من المشاكل مع والديها اللذان حاولا ابعادها عن الكرة بأي طريقة، لكن تعنتها قادها لبلوغ القمة ولكتابة اسمها بأحرف من ذهب في تاريخ كرة القدم الجزائرية والإفريقية وحتى العالمية، وقالت بهذا الصدد «متأكدة من أنه قبلي كانت هناك العديد من الفتيات الموهوبات في لعبة كرة القدم، لكن في تلك الحقبة بالجزائر كان أمرا صعبا أن تقول بأني امرأة ولدي الحق في الوجود وممارسة رياضتي المفضلة، ولعب كرة القدم التي كانت حكرا على الرجال».
بداياتها في عالم الرياضة كانت من فريق شبيبة القبائل لـ الجيدو في بداية العشرية السوداء التي مرت بها الجزائر، ورغم تتويجها بالعديد من الألقاب المحلية على غرار البطولة الوطنية ولفت أنظار الناخب الوطني، إلا أن عشقها لكرة القدم جعلها تتجه نحو ممارسة أم الرياضات، ليس حبا في ألعاب القوى بل لتحقيق أمنيتها بدخول ملعب أول نوفمبر والاقتراب أكثر من كرة القدم، فرصة سمحت لها من التغلغل مع أصاغر وأشبال فريق شبيبة القبائل، بعدما حقق لها عمر قاص أمنيتها بالسماح لها من التدرب مع الذكور.

 قصة «لقب مارادونا» الذي رافقها

لعوادي الطموحة لم تتوقف عند هذا الحد وقررت إعطاء نفس جديد في حياتها وتكسير قيود الفكر المتخلف، حيث بعثت برسالة إلى حصة مواهب التي كانت تبث عبر التلفزيون الجزائري لإبراز موهبتها، وتحدثت بهذا الشأن «حصة مواهب التي كان ينشطها الصحفي فؤاد حرز الله عبر التلفزيون الجزائري، كان دائما يطالب فيها المواهب في مختلف ربوع الوطن بمراسلته».
وأضافت، «أتذكر أني قلت في قرارة نفسي بأنه يتوجب عليّ بعث برسالة إلى هذه الحصة، كوني أملك موهبة مداعبة الكرة».
وقالت أيضا، «رسالتي وصلت والتلفزيون الجزائري تنقل إلى مدينة تيزي وزو وأعدوا لي بورتريه من 26 دقيقة، كان ذلك سنة 1994 وكنت أول امرأة تبث في تلك الحصة».
وختمت «هنا كانت الانطلاقة الفعلية لنعيمة لعوادي في مجال كرة القدم، وكذلك للقب مارادونا الجزائر الذي كان عنوان البورتريه ورافقني طيلة مشواري الكروي».
بورتريه التلفزيون الجزائري تفاعل معه أبناء تيزي وزو وأفراد العائلة، كما أنه لفت أنظار مسيري فريق المدينة عملاق القارة السمراء شبيبة القبائل، أين تقرب منها مسير من النادي وعرض عليها فكرة مداعبة الكرة والقيام بعروض كروية ما بين شوطي مباريات الفريق محليا وقاريا بملعب أول نوفمبر بتيزي وزو، فكرة وافق عليها والدها ولقيت رفضا منقطع النظير من قبل والدتها، التي تخوفت على ابنتها من ردة فعل الأنصار والجيران، وقالت بهذا الصدد «بما أني تلقيت موافقة والدي تحليت بالشجاعة وتنقلت للملعب، وبدأت في مداعبة الكرة أمام أزيد من 20 ألف مناصر، وعكس كل التوقعات تلقيت تشجيعات كبيرة من قبل جمهور الكناري، وهو ما زادني ثقة في النفس للذهاب بعيدا».

 رسالة أدخلتها التاريخ

لأن الأزمة تولد الهمة، تخطت لعوادي حاجز الخوف من الإرهاب الجبان الذي كان يخطف الأرواح ويقتل كل ما فيه الأمل في الجزائر، في يوم من الأيام كتبت رسالة حولت مجرى حياتها وأدخلتها التاريخ ومكنتها من تحقيق كل أحلامها، «في سنة 1996 قررت أن أبعث رسالة إلى وزير الشباب والرياضة السابق مولدي عيساوي الذي أحييه بالمناسبة، كونه كان السبب المباشر في تأسيس كرة القدم النسوية».
واسترسلت قائلة «استقبلني في مقر الوزارة وكانت برفقته السيدة خليلي والسيد يفصح، لقاء تمخض عنه إقامة أول دورة كروية نسوية في الجزائر».
وواصلت حديثها «في ذلك اللقاء تحدثت للوزير عن المنتخب الوطني النسوي وكشفت له أن بلوغ ذلك لن يكون إلا بتشكيل أندية نسوية، بعد ذلك اللقاء تحركت الأمور في الاتجاه الصحيح، وبدأت مديريات الشباب والرياضة تعمل على تحقيق الحلم الذي بات حقيقة».
رسالة «نعيمة» كانت منعرجا حاسما وسببا رئيسيا في التفكير بإنشاء بطولة نسوية ومنتخبا وطنيا لكرة القدم، وقالت «المسؤول في السابق كان يهتم بكل الانشغالات، ومولدي عيساوي لما التقى بي كانت له نظرة بعيدة المدى».
وقال لها بالحرف الواحد «سنبدأ بفكرة الدورة، وأعدك بأن المنتخب الوطني سيتم انشائه، وهو الوعد الذي تجسد على أرض الواقع لاحقا».

حناشي محقق الأماني

أشهر بعد ذلك نظمت الدورة الكروية في عنابة بمناسبة الاحتفالات بعيد المرأة المصادف لثامن مارس، أين شاركت سبع فرق بينها فريق شبيبة القبائل، فريق تكون بفضل الرئيس الراحل محند شريف حناشي، الذي تقربت منه لعوادي من أجل طلب يد المساعدة للتنقل إلى فرنسا قصد الاحتراف هناك وممارسة رياضتها المفضلة، لكنه في ذلك الوقت طالب منها البقاء في الجزائر وتشكيل أول فريق نسوي لكبريات شبيبة القبائل، «كان ذلك أمرا رائعا أن أتمكن من حمل قميص نادي القلب، وبمجرد سماع الاقتراح قلت بأن هذا الحدث سيخلده التاريخ».
وأكدت «شكلنا فريقا وشاركنا في دورة عنابة بلغنا فيها النهائي، وانهزمنا ضد فتيات حمراء عنابة بضربات الجزاء».

 من حلم صغير إلى سفيرة كرة القدم الإفريقية

متوسطة الميدان المتألقة سرعان ما تحولت إلى سفيرة الكرة النسوية الجزائرية والقارية، بعدما تنقلت للاحتراف بألمانيا، احتراف كان عن طريق الصحفي حوشين الذي قدم لها يد العون، حيث عرفها بصديق له هناك كان يعمل مناجيرا، وسرعان ما تطورت الأمور وتمكنت من خطف أول عقد احترافي بمسيرتها الكروية وسنها لم يتعدى 21 ربيعا، لتكون بذلك أول لاعبة كرة قدم تحترف من الجزائر إلى القارة العجوز، عن هذه الحقبة تحدثت «كانت أول مرة أخرج فيها من الوطن وأبتعد عن أهلي، نحن عائلة كبيرة نقيم في بيت صغير بتيزي وزو، وكان عددنا بالغرفة الواحدة خمس أشخاص، وبين ليلة وضحاها وجدت نفسي في ألمانيا بمدينة فرانكفورت التي تعتبر مدينة أمريكية في قلب أوروبا».
وأفادت متحدثة «فرانكفورت مدينة دمرت بالكامل في الحرب العالمية وبقي بها إلا الأوبيرا، وهو ما جعلهم يعيدون بناء مدينة جديدة وعصرية بالكامل، وبين هذا كله وجدت نفسي بشقة كبيرة ولدي سائق يرافقني للتدريبات ويعيدني للبيت».
لعوادي عانت الأمرين في موسمها الأول بالاحتراف، خصوصا من جانب اللغة الذي كان عائقا كبيرا بالنسبة لها، ورغم ذلك لقيت الترحاب من لاعبات فريقها اللائي وضعنها في أريحية تامة وحاولن مساعدتها للاندماج سريعا.
بعدها تنقلت إلى فرنسا وتعاقدت مع فريق إيفرو الذي أضحى اليوم يقدم لاعبات للمنتخب الفرنسي الأول، وأحد أفضل المدارس الكروية النسوية بفرنسا، ورغم تخلصها من مشكل اللغة إلا أن معاناتها تواصلت كونها كانت تعيش هناك دون وثائق، وفي يوم من الأيام لعبت مباراة مع المنتخب الوطني في دورة كروية بمدينة رين وتعرفت على جزائري مزدوج الجنسية، كان المكلف بالإعلام لوزيرة الشباب والرياضة الفرنسية ماري جورجي بوفي، وقالت «عرفني بها وفي ذلك اللقاء حكيت لها كل همومي، لكن لم أكن أعلم أنها الوزيرة كنت أتوقع أنها تحب لعبة كرة القدم، وإذا بي طرقت في الباب المناسب ودورة المنتخب الوطني سمحت لي بالتعرف على الوزيرة ساعدتني على حل مشكلتي، أين تحصلت على الوثائق التي سمحت لي مواصلة مسيرتي الاحترافية بأوروبا إلى غاية نهاية موسم 2006».
وخلال طول هذه المدة تمكنت في الست أشهر الأولى من تحقيق الصعود إلى الدرجة الثانية ومنها إلى الدرجة الأولى، وبقيت معهم أربع مواسم، وبعدها قررت مغادرة الفريق ومنطقة نورمانديا، والاقتراب من البحر الأبيض المتوسط والجزائر، رفضت عرض نادي باريس سان جيرمان الذي كان فريقا هاويا في تلك الحقبة، ورفضت أيضا مقترح فريق موناكو المحترف بسبب كثرة الأموال والرفاهية الفاحشة هناك، وقبلت عرض سيلتيك مارسيليا بالجنوب الفرنسي لأنها المدينة التي أشعرتها بقرب الوطن ودفئه، حيث لعبت هناك لمدة خمس مواسم كاملة وختمت مشوارها الكروي هناك عن عمر نازه الثلاثين عاما.

 لقب تاريخي مع الفريق الوطني

الساحرة الجزائرية دخلت العالمية بعد اختيارها في تشكيلة أفضل لاعبات العالم التي اختارتها الفيفا، قصد خوض المباراة الافتتاحية ضد المنتخب الألماني النسوي، بنهائي كأس العالم بين البرازيل وفرنسا سنة 1998 بملعب فرنسا بالعاصمة باريس، وهي الفرصة التي سمحت لها من ملاقاة زميلاتها السابقات، على غرار اللاعبة أنوشكا التي تدرب حاليا منتخب الألماني لفئة أقل من 20 سنة، وتونغيث التي اختيرت أفضل لاعبة في العالم.
من إنجازاتها أيضا تحقيق المرتبة الثانية في سباق أفضل لاعبة بالقارة السمراء خلف النيجيرية باربيتوا نكووشا، كما خاضت في مناسبتين نهائيات كأس أمم إفريقيا مع المنتخب الوطني، وشاركت في نسختين من الألعاب الأفريقية، وفازت بلقب كأس العرب، وحلت ثالثة مع المنتخب الوطني في البطولة العربية داخل القاعة بمصر، التي خطفت خلالها لقب أحسن هدافة في الدورة.

 العودة إلى الشبيبة سنة 2007

مباشرة بعد نهاية مسيرتها الكروية، عادت لأرض الوطن سنة 2007، أين طالب منها الراحل محند شريف حناشي قيادة الفريق وخوض أول تجربة لها في عالم التدريب، وهو العرض الذي قبلته لكن بقائها لم يدم طويلا، لتصبح موسم (2008 – 2009) مساعدة مدرب المنتخب الوطني.
احترافيتها العالية جعلتها تبحث عن تطوير ذاتها، حيث نالت شهادة تدريب الدرجة الأولى مربية درجة «أ» في فرنسا، ثم تمكنت من نيل شاهادتي فاف «أ» وفاف «ب»، وكذلك شهادة كاف «ج» وكاف «ب» وكذا شهادة وزارة الشباب والرياضة، ومن 2006 إلى 2012 درست لدى الكاف، مدة مكنتها من أن تصبح أول امرأة عربية حاصلة على شهادة مدربة كاف، وهو ما مكنها من تدريب العديد من الفرق الجزائرية وقيادة العارضة الفنية للمنتخب النسوي الأول.
 همشها القائمون على شؤون الكرة
رغم اعتراف الاتحاد الدولي بكفاءتها التدريبية، إلا أنها همشت في الجزائر على غرار كل من صنعوا مجد الرياضة الجزائرية، قدر حتم عليها التفكير في الهجرة من الجزائر، وكانت قاب قوسين أو أدنى من مغادرة أرض الوطن السنة الماضية باتجاه الخليج لخوض تجربة جديدة قبل أن تغير جائحة كورونا كل المعطيات وتفرض عليها البقاء.
هذا، وقبلها قررت البطلة الجزائرية انشاء مدرسة كروية مختلطة خاصة بالذكور والإناث، الأولى من نوعها بالجزائر وفي البلدان العربية وحتى إفريقيا، مختصة في تكوين الأطفال من أربع سنوات إلى 12 سنة اطلق عليها اسم اتحاد أمل شراقة.
كما أنشأت فريق ألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة، وفريق آخر خاص بالأطفال المصابين بمرض التوحد، وتفكر في إنشاء فريق كرة قدم للكبريات، «سأبرهن للجميع بأنه لا يجب التخوف من لاعب كرة القدم والذي يعشق الكرة، بل من الانتهازي الذي يستغل الكرة لخدمة مصالحه الشخصية».
لعوادي أكدت أن فريق إتحاد أمل الشراقة أفضل من نادي بارادو لأنه يقوم بتكوين الجنسين، «أعمل معهم بطرق علمية وأهدف إلى تكوين لاعبات للمنتخب الوطني النسوي، ولأكون أول فريق جزائري مصدر للمواهب الجزائرية نحو القارة العجوز، وننتظر بشغف السماح بالعودة إلى التدريبات».

 تجربة جديدة أعادت الابتسامة

وتخوض صاحبة 45 ربيعا تجربة جديدة بصفتها محللة في المولود الإعلامي الجديد لينا تيفي، حيث أكدت أنها تجربة أعادت إليها الروح والابتسامة، «أستمتع بالتحليل على شؤون كرة القدم الجزائرية في حصة ناس البالون، وهي رسالة قوية أؤكد بها أنه حتى المرأة يمكنها القيام بتحليل معمق حول المباريات فنيا وتكتيكيا أو حول شؤون كرة القدم الجزائرية»،.
وأضافت «العمل كمحللة بالتلفزيون هي تجربة رائدة في العالم العربي، وبالمناسبة أشكر المدير العام سمير بوجاجة ومنشط الحصة محمد سليماني اللذان منحاني هذه الفرصة الرائعة».
من جهة أخرى، تفكر صاحبة الفنيات العالية في تأليف كتاب للحديث عن قصتها المشوقة، وقالت «الجميع يقول لي بأني ساهمت في تغيير الذهنيات في الجزائر، وهو ما جعلني أفكر في تأليف كتاب عن مسيرتي».
وقالت أيضا «في سنة 2005 هناك كاتبة فرنسية ألفت كتابا تتحدث فيه عن مائة امرأة تمكنت من صنع التاريخ في إفريقيا، وكنت الجزائرية والرياضية الوحيدة في كتابها».
وختمت حديثها «هذا شرف لي أن يدوّن اسمي مع 100 امرأة صنعن التاريخ في القارة السمراء في مختلف المجالات وساهمن في تطوير بلدانهن».