يحتفل الشعب الجزائري بذكرى اندلاع ثورة أول نوفمبر المجيدة في ظل تحديات عديدة، تتطلب الرفع من درجة اليقظة ومضاعفة الجهود من أجل تجاوز المنعرج الذي تجتازه البلاد، بما يضمن حماية المكاسب وتنمية الموارد وبالتالي تفويت الفرصة على المتربصين بالجزائر وإحباط مخططاتهم الهدامة التي ألحقت بأوطان هشة تسلل إليها فيروس الفتنة المدعومة من مخابر وقوى أجنبية تستهدف السيادة الوطنية للدول ومقدرات شعوبها من خلال تسويق شعارات براقة والترويج لمشاريع مخادعة.
ليس هناك أفضل من محطة كهذه الذكرى الغالية، لاستخلاص العبر وتعزيز الوحدة وتقوية الجبهة الداخلية لتنمية القدرات الوطنية التي تتطلبها مواجهة تحديات حماية الأمن والممتلكات وصيانة المكاسب والذود عن الحدود الوطنية، أمام ما يجري في المنطقة على قربها والعالم على بعده من تطورات تحمل مخاطر لا ينبغي الاستهانة بتداعياتها أو التقليل من درجة ضررها إذا لم نكن لها بالمرصاد.
ولعلّ قيمة الأمن والاستقرار الذي أدركته البلاد بعد إطفاء نار الفتنة التي أتت على الأخضر واليابس طيلة العشرية السوداء، هو المكسب الثمين الذي يتطلب الدفاع عنه بالوقوف صفا واحدا أمام أي خطر محتمل وعدم التهاون في تقدير الخطر، في وقت انزلقت فيه الأوضاع في بلدان المنطقة إلى حالة من الفوضى وانتشار نشاط الجماعات الإرهابية والإجرامية التي تحولت إلى أدوات لتنفيذ مخططات لقوى يزعجها ثبات الجزائر أمام الإعصار وقدرة شعبها على الإفلات منها.
لقد حققت المصالحة ضمن الإطار القانوني، انسجاما مع إرادة الشعب الجزائري، الأهداف المسطرة. فتم استرجاع الأمن والسكينة، فانبعث الأمل وأعيد الاعتبار للمؤسسات الدستورية وعادت مكانة المواطن إلى مركزها الأصلي، باعتباره مصدر السيادة وجوهر كل البرامج والمشاريع والمخططات التنموية.
ومن الطبيعي أن يكون جوهر الدولة الوطنية الاجتماعية مضمون روح بيان أول نوفمبر الحامل لقيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والغيرة الوطنية والتضامن الاجتماعي، وهي كلها عناصر حيوية تشكل صمام أمان في وجه أي طارئ في الراهن والمستقبل، مما يسمح بمواصلة المسيرة وسط عاصفة العولمة الهدامة التي تهب من جانب دون أن تتزعزع الجزائر قيد أنملة، مقدمة صورة بلد فريد يعرف شعبه كيف يرد غير مكترث بما يشاع من مغالطات وأكاذيب وتحريض لم يعد ينطلي على المواطن الجزائري.
وانطلاقا من ذلك، وكما أكد عليه رئيس الجمهورية في رسالته، فإن السبيل الوحيد لضمان أمن الوطن ومستقبل الشعب، أن يتجند كل واحد ومن موقعه، أن يتعمق التفاف الجزائريين حول بعضهم البعض والتخندق وراء الجيش الوطني الشعبي وتجاوز الخلافات الظرفية التي تكفل بها الدستور من اجل الانتقال من مرحلة فيها من الصعوبات الكثير إلى مرحلة يقطف فيها الجزائريون ثمار التنمية المستدامة التي تستمر ديناميكيتها على مسار النموذج الاقتصادي الجديد للنمو.
ويتطلب التحدي الاقتصادي هبة أشبه بتلك التي أنجزها مفجرو ثورة نوفمبر من حيث الإرادة والإخلاص والتفاني في تنفيذ المهام المطلوبة من أجل غاية وطنية تتجاوز الاعتبارات الذاتية والظرفية، خاصة وأن الشروط المواتية، على ما في المرحلة من معوقات وصعوبات، متوفرة ويكفي أن تخضع لعمل منسق ومنسجم ضمن رؤية واضحة الأهداف ودقيقة المناهج لا مجال فيها للعبث أو المغامرة أو تثبيط العزائم، إذ لا مجال اليوم لخطاب اليأس الحامل لروح انهزامية مهما كانت شدة الصدمة.
وبالفعل، فإن المؤشرات المالية والاقتصادية الراهنة لاتزال تشجع على انجاز التحول الاقتصادي دون الإخلال بتوازن الجبهة الاجتماعية، التي تتطلب معالجة بعض جوانبها الانخراط في مسار الحوار الاجتماعي بين الشركاء لصياغة ورقة طريق تستجيب للانشغالات والتطلعات مع التزام كافة القائمين على الشأن العام الإداري والاقتصادي والمالي بالرفع من درجة الأداء وتنمية روح المبادرة والدفع بالكفاءات إلى المواقع الأولى ونبذ كافة أشكال الفساد، خاصة بقايا الجهوية والموالاة للذات، التي تولد الرداءة وتقطع الصلة بالجدية، وهي الممارسات التي قطعت ثورة أول نوفمبر دابرها مبكرا فنجح مشروع التحرر.
إنها مسؤولية تتطلب التشبع بقيم أول نوفمبر كقناعة راسخة وليس مجرد شعار حتى لا تضيع البوصلة في أفق يحمل الكثير من الصعوبات إذا لم تعالج أسبابها في الجوهر بالعودة إلى منظومة القيم النوفمبرية يتصدرها الصدق، ثقافة وسلوكا، يتجسد في كل يوم وفي كل لحظة دون انتظار مقابل، ذلك أن حماية البلاد وصون مقدراتها وتأمين شعبها والذود عن حدودها فرض عين يلزم كل واحد منا التقيد بسلوك يتطابق مع رسالة نوفمبر دون الاكتراث بالمشاكل اليومية وصعوبات الحياة التي لا يمكن بأي شكل من الأشكال مقايضتها بالسيادة والكرامة والحرية بالمعنى السليم والإيجابي.
