طباعة هذه الصفحة

الإيدز.. رحلـة عذاب ومعاناة في صمـت

مصابون تحت رحمة الدّاء خوفـا مــن نظـرة المجتمــع

عنابة: هدى بوعطيح

يدق الخبراء والمختصون في كل مناسبة ناقوس الخطر للتحسيس بالمخاطر التي تحدق بالجزائريين بسبب الانتشار المتزايد من سنة لأخرى لداء الايدز، لا سيما وسط فئة الشباب بسبب غياب التوعية  والحملات التحسيسية، لتعريف المواطنين بخطر هذا المرض وسبل الوقاية منه من خلال الكشف المبكر، والذي قد يحد من انتشار هذا الداء الذي يفتك بالملايين سنويا عبر العالم.

يعيش أغلب حاملي فيروس نقص المناعة المكتسبة آلامهم في صمت، بسبب نظرة المجتمع لهذا المصاب، على اعتبار أنه في نظرهم انتقل إليه بسبب علاقاته خارج إطار الزواج، لجهلهم بالأسباب المتعددة لانتقال هذا المرض، والتي يمكن لأي كان في هذا المجتمع أن يكون حاملا له حتى وإن كان طفلا صغيرا، وذلك بسبب نقص التوعية والحملات التحسيسية، لتسليط الضوء على طرق انتقاله وعلى رأسها التبرع بدم شخص مصاب لشخص سليم، أو عن طريق طبيب الأسنان أو حقن المخدرات..وغيرها من الأسباب التي جعلت هذا الداء الفتاك ينخر مجتمعنا، على غرار ولاية عنابة التي تسجل في كل سنة إصابات جديدة.
جمعيات تتجنّد لمكافحة الداء القاتل
 تتجنّد بونة من خلال جمعيات، ومجتمع مدني ومؤسسات استشفائية للتقليص من هذا الداء، وإعلان حالة طوارئ بمجرد اكتشاف مصاب به، وهو ما حدث منذ ما يقارب السنتين، حين تم توليد سيدة بمستشفى «ابن رشد» حاملة للفيروس أين تم إخضاعها هي ومولودها لفحوصات مكثّفة، والتأكد من عدم انتشار المرض.
وكانت جمعية «أنيس لمكافحة الأمراض المعدية» وهي من الجمعيات الناشطة بولاية عنابة قد دقت ناقوس الخطر خوفا من انتشاره مستقبلا لدى المولودين حديثا بسبب انتقاله من الأم الحامل إلى جنينها، وبالتالي اتساع رقعة الإصابة به، وعدم التمكن من الحد منه.
العديد من الدراسات تكشف بأن عنابة تحتل المراتب الأولى من بين الولايات التي ينتشر بها داء الايدز، كما أنّها احتلّت المراتب الأولى في انتشار السيدا عن طريق المخدرات، على اعتبار أن المدمنين عليها يتبادلون الحقن فيما بينهم، دون أن يكونوا على دراية بأن هذا المرض يمكنه أن ينتشر عبر المخدرات.
وبالرغم من ذلك تعد عنابة من بين أكثر الولايات عبر الوطن التي تسعى لمكافحة هذا الداء، لا سيما من قبل الجمعيات الناشطة في الميدان، على غرار ما قامت به «جمعية «أنيس» معتمدة على البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة المتعلق بمتابعة تنفيذ تمويل مصابات بالايدز بمبالغ مالية لخلق مؤسسات خاصة بهن ودمجهم في مجتمعهم، وهو المشروع الذي ضم الجمعيات، مديرية التضامن والنشاط الاجتماعي، إلى جانب جمعية حماية حقوق الطفل والهلال الأحمر الجزائري.
فرحة تتحوّل إلى نقمة
إن كان الكثير من حاملي الفيروس يفضّلون العيش تحت رحمة هذا الداء، خوفا من نظرة المجتمع لهم، فإن آخرون لا هم لهم سوى إنقاذ حياتهم قبل فوات الآوان غير مبالين بما يقال عنهم، لا سيما وإن وجدوا الدعم الكافي لمكافحة هذا المرض الخبيث، فلم يكن بالسهل العثور على مصابين به أو فتح نقاش معهم، غير أن «محمد أمين» وهو اسم مستعار كما فضّل أن نطلق عليه، تحدث لنا عن معاناته التي بدأت يقول منذ ما يقارب 3 سنوات تاريخ اكتشافه لهذا المرض، حين كان يحضّر ملفا طبيا للزواج، غير أن فرحته انقلبت إلى حزن وحسرة لديه ولدى عائلته التي لم يخفي عنها مرضه ولا عن زوجته التي فضلت مواصلة المشوار معه إلا انه رفض ذلك، كونه على علم أنه مرض معد قد ينتقل لها ولابنه مستقبلا.
ويضيف محدثنا «محمد أمين» أن ما حز في نفسيته كثيرا أنه لم تكن تربطه علاقات غير شرعية، وهو متأكد تمام التأكيد بأنه انتقل له عن طريق المستشفى أو طبيب الأسنان، وهو ما أدخله في دوامة نفسية كادت تودي بحياته، لولا عائلته التي وقفت إلى جانبه، وشجّعته على محاربة الداء، وهو ما جعله يتقدم لمصلحة الأمراض المعدية، حيث يعالج إلى يومنا هذا على أمل الشفاء أو اكتشاف دواء لهذا المرض الفتاك، وإنقاذ حياة ملايين البشر ضحية أخطاء طبية كما حدث له.
«الدّعم النّفسي بداية العلاج»
وقال «عمي السعيد» والد «محمد أمين»، إنّه لن يدّخر جهدا للوقوف إلى جانب ابنه، حتى وإن كان مخطئا، على اعتبار أنه داء قدّره الله له، مشيرا إلى أن الدعم النفسي لهؤلاء المرضى هو بداية العلاج، حيث توجّه في سياق حديثه لنا برسالة إلى القائمين على المنظومة الصحية، للوقوف على معاناة المصابين، مؤكدا بأنهم بحاجة إلى رعاية واهتمام خاص لتمكينهم من مكافحة هذا الداء، بعيدا عن البيروقراطية واللامبالاة ومراعاة الحالة النفسية للمريض بالدرجة الأولى، ليبقى هذا الشاب البالغ من العمر 33 سنة عيّنة فقط من بين آلاف العيّنات التي تعاني في صمت.