طباعة هذه الصفحة

«الشعب» تنقل شهادات مثيرة لمستعمليها

الشبكة العنكبوتية تعرض إغراءات لا تقاوم

فتيحة. ك

يوفر الانترنت للسابح فيه عالما لا حدود له من المعلومات لا تختص بمجال واحد، بل تتعدى كل تصور يمكن تخيّله. وإذا كانت هذه الشبكة العنكبوتية تشكل إغراءً لا يقاوم بالنسبة للشخص الراشد، فهي للمراهق خطر قد يجعل منه لقمة سائغة لتلك المواقع التي تطلعه على كل ما هو مصنّف في خانة «الانحراف».

حاولت «الشعب» الاقتراب من هذه الفئة التي يراها الأولياء دائما متمرّدة وجامحة وخارجة في كثير من الأوقات عن السيطرة، ما يجعلهم في أغلب الأحيان عاجزين عن مراقبتها والتحكم فيها...

أتصفحها بعيدا عن أهلي

«ريان.س»، 16 سنة، طالب سنة أولى ثانوي بالقبة، سألناه عن الانترنت وعما يمكن أن تفتحه من آفاق للمراهق فقال: «من سمّى الانترنيت بالشبكة العنكبوتية لم يخطئ، لأنها عالم لا حدود له فهي لا تترك شيئا من المعلومات، الأمر الذي جعلها تسلب عقول الكثير، وأنا في أغلب الوقت أزور المواقع التعليمية، خاصة وأن الأساتذة يطالبوننا ببحوث تستدعي اللجوء لاستخدامه، إلى جانب ذلك هو فضاء بالنسبة لي للترفيه والتسلية بكل تلك الألعاب التي تجدها في مختلف المواقع على الانترنيت». وأضاف قائلا: «ولن أبالغ إن قلت لكم إنني أبقى مستيقظا حتى ساعة متأخرة من الليل أمام شاشة الحاسوب...»
وعن زيارته المواقع التي تتخطى الخطوط الحمراء يقول ريان: «في الحقيقة لا أزورها كثيرا، لأنني في أول مرة تصفحتها ذهلت من تلك الصور والفيديوهات التي تفتح بكبسة زر صغيرة، ولا ننسى أن بعض النوافذ تأتي على شكل إعلان صغير لا تدري ما محتواه حتى تطلب الدخول، رغم أنك في الأصل زرت موقعا للألعاب أو غير ذلك من المواقع، فحتى بريدي الإلكتروني أجد فيه بعض الرسائل التي تحوي دعوة لولوج تلك المواقع غير الأخلاقية، لذلك لا يمكن البقاء بعيدا عنها». وقال ريان: «بالنسبة لي يعد الأمر صعبا جدا، لأن جهاز الكومبيوتر موجود في غرفة أتقاسمها مع أخواي فلا أستطيع أن أقوم بمثل هذه المغامرة، خاصة وأن والدي على دراية بكل المآسي التي تقع بسبب الاستخدام السيّئ له، لذلك إن تجرأت على زيارة أو فتح تلك المواقع السيئة سيكسر أبي الجهاز، لا محالة، وربما سيحرمني منه طويلا، لذلك أضطر إلى التزام الخطوط الحمراء، رغم كل تلك الروايات التي أسمعها من زملائي في الثانوية».
«دعاء.ص»، 17 سنة، طالبة بالسنة ثانية ثانوي تقول عن علاقة المراهق بالانترنيت: «بالإضافة إلى كونه تكنولوجيا يعجز الإنسان عن البقاء بعيدا عنها وهو عالم يوفر لمتصفحه كمّا هائلا من المعلومات التي تساعد في الدراسة والمعرفة وفي التفتح على العالم الخارجي بكل تفاصيله الدقيقة، لكن وجب الحذر عند استعماله». وتضيف دعاء قائلة: «إن سلمت أن الانترنيت هو اختبار حقيقي لأخلاق وضمير الشخص الذي يجلس أمام شاشة الحاسوب لأن في تلك الجلسة تلعب المراقبة الذاتية الدور الأكبر لتكون الشبكة العنكبوتية إيجابية لا سلبية».
وواصلت حديثها قائلة: «تقدم المواقع «الإباحية» أو تلك المتعلقة بكل ما نصفه عندنا بـ»عيب» إغراءً كبيرا للمراهق ولديّ زملاء لا ينامون الليل بسببها، فهم في اتّصال دائم معها، بل بعض زميلاتي تستغلن خدمة «السكايب» لأغراض مشينة وكل ذلك بعيدا عن أعين الأهل الذين يوفّرون لأبنائهم كل وسائل الراحة والترفيه، والحاسوب اليوم في غرفة النوم أو في البيت ضرورة لابد من توفيرها، غافلين عن العواقب التي قد تنجم عن ذلك، وأرى أن أفضل مكان لوضع الجهاز هو غرفة الجلوس التي تمنع عن المراهق البقاء بمفرده حتى لا يملك الجرأة على زيارة المواقع المخلة بالحياء، لأنه حتما سيخاف من العقاب».

زبائن لهم حرية تصفح المواقع

«كمال.ب»، 34 سنة، صاحب مقهى انترنت ببرج البحري، سألناه عن زبائنه المراهقين فقال: «المراهقون أكثر إقبالا على محلّه لأنهم يشعرون براحة أكبر في تصفّح المواقع التي يريدونها، على خلاف المنزل أين يكون محاطا بمراقبة لصيقة من الأب والأم والإخوة الأكبر منه سنّا...، فتراهم يختارون آخر مكان حتى لا يرى أحد ما يفعلون». وأضاف كمال: «... وطبعا إن سألتهم عن سبب مجيئهم إلى هنا يتحجّج الواحد منهم بالبحوث التي لا يمكن كتابتها بدون اللجوء إلى الانترنيت للاطلاع على آخر المعلومات والتطورات العلمية، خاصة وأنها تختصر وقت البحث وتساعد في إنجازه في أقل وقت ممكن…».
وبشأن الرقابة التي يجب أن تتم داخل مقاهي الانترنيت، يجيب كمال: «لا يمكنني القيام بذلك فأولا وأخيرا هي حرية شخصية ولا يمكنني تحديد المواقع التي يجب زيارتها، وكل ما يمكنني القيام به هو تعليق ملاحظة داخل المحل «اتّقي الله فيما ترى». مضيفا «المسألة هنا ترجع إلى الضمير الذي يحرّك كل شخص وهو الرقيب الحقيقي الذي لا يسمع الواحد منّا سواه... أوافقكم الرأي إن قلت إن مثل تلك المواقع خطر حقيقي على المراهق، لأنه أصلا في مرحلة حرجة ولا يمكن إعطاءه مثل هذه المعلومات التي يتحفّظ مجتمعنا عليها ويصنّفها في خانة «الطابوهات»، لأنها ستكون بالنسبة لسنّه صدمة قد تكون لها عواقب وخيمة على شخصيته المستقبلية. ولكن أكرر وأقول، إن الأمر ليس متعلقا بمقهى الانترنت، بل بالشخص نفسه لأن الحياة في النهاية خيارات».

سلطة أبوية عاجزة

«جمال.و»، 50 سنة، أب لأربعة أبناء، يتحدث عن الانترنيت فيقول: «هو بالنسبة لي الغول الذي يتهدد أبنائي، خاصة إثنين منهم مراهقين، تتراوح أعمارهما بين 16 و18 سنة، لأنهما يعيشان حالة تمرد دائم على كل ما أطلبه منهما ويرفضان أن أمارس عليهما سلطتي الأبوية، ما جعل مراقبة ما يتصفّحانه من مواقع عبر الانترنيت أمرا صعبا جدا ويكاد يكون مستحيلا».
ويشرح جمال الأمر قائلا: «منع الانترنيت عنهما داخل المنزل ممكن، أما خارجه هما يملكان الحرية الكاملة لزيارة المواقع التي تثير فضولهما بعيدا عن كل القواعد التي أضعها داخل البيت، ما جعلني أفكر في حلّ لهذه المشكلة». ويضيف: «... استعنت بمساعدة أكبر أبنائي الذي يحضر رسالة ماجستير في تخصص الأدب العربي، حتى يتسنّى له الحديث معهما ليطلعهما بذكاء عن الخطر الداهم الذي يتعرضان له إن هما لم يلتزما بحدود الأخلاق والدين عند تصفح المواقع الإلكترونية…».
ويستطرد قائلا:» كنا في السابق نخاف على ابنائنا من الشارع ومن تلك الصداقات التي يعقدونها بعيدا عن مراقبة الاباء ولكن الانترنيت اصبح فيه كل شيء ممكن...اما اليوم فان ارادوا مليون صديق عليهم فقط فتح صفحة فايس بوك خاصة بهم...، فهل يمكنني كاب وكسلطة تربوية على ابني ان اراقب كل ما يتداوله فيها ؟...»
واسترسل قائلا: «في إحدى المرات طلبت من أحد أبنائي الكلمة السرية لصفحته على الفايسبوك، خاصة وأنه كانت تراودني شكوك بسبب تغيّر سلوكه، حتى أتعرّف على الأصدقاء الذين يتواصلون معه... تعلمين ماذا فعل؟؟، هرب من البيت العائلي إلى جده وأخبره أنني أضيّق عليه الخناق وأقسو عليه وأحاول التدخل في خصوصياته… بقي هناك لثلاثة أشهر، وأخبرني إبن أخي أنه فتح صفحة فايسبوك جديدة باسم مغاير حتى لا أتمكن من تعقّب ما يفعله،... إنه أمر خطير ومحيّر لأنني، كأب، أقف عاجزا تماما أمام الانترنيت وبعدما سمعت أن 80 من المائة من الجزائريين من مستعملي هذه الشبكة العنكبوتية يزورون مواقع إباحية، لا أملك سوى الدعاء بحفظ أبنائنا من أيّ سوء».

الاستعمال السلبي يؤثر
على شخصية المراهق

السيد بودينة كان له رأي في الموضوع، خاصة وأنه في احتكاك دائم مع هذه الفئة، باعتباره مرشدا تربوياً. يقول في هذا الصدد، إن تكنولوجيا المعلوماتية من الأسباب التي جعلت الشباب بمن فيهم المراهقون يعيشون تيهانا حقيقيا لما توفره من عوالم افتراضية قد تنتهي بهم في مواقع سلبية لها تأثير مدمّر على شخصية المراهق التي تكون غير مكتملة وغير ناضجة لتستطيع غربلة الكم الهائل من المعلومات التي تقدمها الشبكة العنكبوتية.
وما زاد الطين بلة، أن إطلاق خدمة الجيل الثالث جعل الأمر أكثر سوءاً، لأن المراهق في السابق كان لابد من تصفح الانترنيت عبر الكمبيوتر، أما اليوم فيكفيه هاتف ذكي لفعل ذلك وتخيّلوا الحرية التي تتوفر لدية بعيدا عن مراقبة الأهل، رغم أن هذا المنتوج التكنولوجي يحتاج إلى تأهيل لاستعماله.