طباعة هذه الصفحة

نعمة على البعض ونقمة على الآخر

ثورة حقيقية فجّرتها تكنولوجيات الإعلام والإتصال الحديثة

نور الدين بوطغان

ثورة حقيقية أطلقتها وسائل تكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة، في مجال العلاقات بين الجزائريين ....ثورة مسّت كل الجوانب، طالما أن استعمالات هذه التكنولوجيات لا تعرف الحدود، إنها تتسع من يوم الآخر، لاسيما مع الإستخدامات الجديدة التي أتاحت الجيل الثالث للهاتف  النقال، والانتشار الكبير للشبكة في جميع مجالات الحياة، حيث  يقدر عدد المستخدمين له بالجزائر 11 مليون مستخدم.

باختصار، انخرط الجزائريون كبارا و صغارا، رجالا ونساء،في هذا العالم الجديد ليس حبا فيه و اكتشاف خباياه، بقدر ما هو ضرورة لمواكبة العصر، حتى الأطفال و المراهقين أصبحوا يملكون هواتف نقالة، ولوحات الكترونية،ويطالبون أولياءهم بتوفير شبكة الأنترنت في البيوت،وهو شيء جميل ويثلج الصدر دون شك، لكن بما أن هذه التكنولوجيا هي سلاح المستقبل، فيتعين حسن استخدامها بشكل سليم، حتى لا ينقلب السحر على الساحر.
الهاتف النقال يوطّد الصلة أكثر
لا يمكن لأحد أن ينكر اليوم أن استعمال الهاتف النقال لم يعد يقتصر على فئة معينة، إذ يصل عدد المشتركين عدد السكان، أصبح الجزائريون كبارا أو صغارا يستعملونه في حياتهم للضرورة والترفيه عن النفس على حد سواء، رغم بعض السلبيات التي حجبتها الايجابيات.
أصبح النقال بالنسبة للجزائريين عبارة عن مذكرة، تحمل العديد من أسماء الأقرباء، الجيران والأصدقاء . فما أن يصادف أحد معارفه أو أصدقائه القدامى، حتى يتبادل معه أرقام الهاتف، ومن دون شك، فإن الكثير منهم يتواصلون عبره، وقد تتطور العلاقات أكثر فأكثر، فيستخدم كوسيلة لحل مشاكلهم وقضاء مصالحهم.
لكن السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا، هل الهاتف النقال حافظ على صلة الرحم من خلال اكتفاء الكثير من الناس بإجراء مكالمة أو رسالة نصية فقط، دون تحمل مشقّة التنقل وزيارة الأقرباء، خاصة أثناء المناسبات السعيدة كالأعياد؟، هذا ما جعل العلاقات الأسرية وحتى الصداقات القديمة تتوارى خلف أجهزة صغيرة، لا تكلف صاحبها ثواني أو دقائق من الوقت، وبضعة دنانير، ليطمئن على من شاء دون عناء، الظاهرة تتسع من يوم إلى آخر، مع تعقد الحياة العصرية وسرعتها، دافعة مصير العلاقات الحميمة بين الأهل إلى مصير مجهول.
 يجدر التذكير، بأن متعاملي النقال أحصت خلال أيام عيد الفطر الماضي أكثر من 900 ألف رسالة نصية تبادلها الجزائريون من أجل التهاني بهده المناسبة السعيدة، ناهيك عن المكالمات الهاتفية التي لم تصل إلى المخاطبين بسبب ضغط شبكة الاتصالات.
وفي هذا الشأن أجمع الأخصائيون الاجتماعيون أن الهاتف النقال يبقى الوسيلة الأكثر استعمالا في التواصل بين الجزائريين، وتبقى ايجابياته لا تحصى مقارنة بالسلبيات، حيث ساهم في إقامة العديد من العلاقات بين الأفراد، واختصر وقتهم وسهّل عليهم قضاء حاجياتهم؟ ثم ألم يكشف لنا الواقع بأن الجزائري الذي ينسى هاتفه في البيت،يقضي يومه في حالة اضطراب، ولا يسترجع هدوءه إلا باستعادته؟ إنه هاجس الاتصال و التواصل الذي استحوذ عليه؟، وبدونه يبدو الفرد وكأنه ينقصه شيء لا يقدر بثمن، ولم يعد الجزائري يبالي لما ينفقه عن هاتفه، وبلغ به الأمر أن يخصّص ميزانية لاقتناء آخر ما ابتكرته شركات صناعة الهواتف النقالة.
«الفيسبوك» يجتاح حياتنا
كانت دهشتنا كبيرة، عند استطلاعنا لأراء بعض الشباب، في نوادي الانترنت، بخصوص أهمية شبكات التواصل الاجتماعي في مجال التعارف والتواصل بين الجزائريين في مختلف مناطق البلاد، وفي هذا الصدد أكد لنا شاب في الـ22 من عمره، أنه أصبح مدمنا بالفعل على الفايسبوك، وأنه تمكّن خلال سنة من فتح حسابه وإضافة حوالي 150 صديق، من الجنسين، ومن مختلف نواحي البلاد.
 وأضاف قائلا: «استقبلت مؤخرا صديقا من ولاية بعيدة»، استضافته في البيت وتلقيت دعوة منه لزيارته مستقبلا، كما عرض عليّ العمل بولايته إذا كنت في حاجة إلى ذلك». ونفس الكلام سمعناه من الكثير من الشباب الذين كوّنوا صداقات بواسطة شبكة التواصل الاجتماعي فقربت أكثر فأكثر الجزائريين من بعضهم البعض.
ولما سألنا بعض الشباب، هل أثّرت هذه الشبكات على علاقات القرابة التي تجمعهم بأقاربهم؟، أجابوا  أن هؤلاء لهم مكانة خاصة، وأكدوا أنه وحتى وإن كثر الأصدقاء عبر الانترنت، فإن القرابة العائلية وصداقة الطفولة تبقيان دائما في الصدارة، لكنهم لم ينكروا أنه في المناسبات الدينية، استعملوا كذلك وسائل تكنولوجيا حديثة بهدف لم شملهم لحضور وليمة أو مناسبة سارة مثلا، خاصة القاطنين بعيدا عن مدنهم وحتى المقيمين بالخارج، لاسيما من خلال خدمات السكايب على سبيل المثال.
وبخصوص تأثير العلاقات الالكترونية إن صح التعبير، وهي في عالم افتراضي بامتياز، أكدوا أن هذا لا يمكن إنكاره، إذ قلّل شيئا ما من اللقاءات المباشرة بالأصدقاء الحقيقيين، خاصة من أبناء الحي والمدينة، إلى حدّ أن أصبح مستخدم الفيسبوك لا يرى ويتعامل إلا مع أفراد عالمه الجديد.
من أجل ربع مليار صداقة على الأقل
بلغ عدد مستخدمي شبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك «في الجزائر حسب المسؤول الأول عن هذا الموقع 5 ملايين مستخدم، لتحتل بلادنا المرتبة الثالثة عربيا بعد مصر والمغرب، وبزيادة حوالي 25000 مستخدم شهريا، فيما بلغ عدد الصفحات أكثر من 165700 صفحة، مع تسجيل إضافة آلاف الأصدقاء يوميا، وبلغ عدد المستخدمين من الإناث أكثر من 3105000 مقابل 1895000 من الذكور.
وما يمكن قوله في هذا الصدد، أن العلاقات التي ساهمت شبكة  التواصل الاجتماعي في بلورتها بين الجزائريين، حسب استطلاعنا، متنوعة ومتعددة، على رأسها الصداقة،والعلاقات العاطفية، وعلاقات الأعمال والمهن وتبادل الأفكار والأخبار، والتضامن والتكافل، وحتى الحوارات ذات الطابع الفكري والديني، وأنه ترتب عن التجربة، مع الانتشار المتزايد للانترنت في البيوت، أن الجزائريين المعروفين بضعف الاتصال فيما بينهم في حياتهم الاجتماعية وحتى المهنية، بدأوا شيئا فشيئا، وعكس العديد من الهيئات والإدارات التي تفتقر كثيرا لهذه القيمة، يفندون مقولة الانطواء وعدم التواصل، ويزيلون الحاجز وينخرطون بقوة في عالم الاتصال من بابه الواسع، ولا ريب أن ذلك سينعكس إيجابا على حياتهم في مختلف مجالاتها، وليس من الضروري التأكيد أن كثيرا من حالات الزواج تمت بفضل الانترنت، وصداقات قوية كذلك تم ربطها بنجاح، ناهيك عن صفقات أعمال وتجارة وتبادل زيارات، وهجرة من أجل الظفر بعمل.
 سلبيات يتعين تجّنبها
يكشف لنا الواقع أن المحاكم الجزائرية بدأت حقا تفصل في قضايا ترتبط بالجرائم الالكترونية، والسبب هو الاستعمال السيء لهذه الوسيلة التكنولوجية التي أدرجها المشرع الجزائري في قانون العقوبات.
وما ينبغي الإشارة إلية إلى ما تتركه مثل هذه المشاكل من صدمات نفسية وحالات اكتئاب معقدة، خاصة ذوي القلوب الطيبة والرقيقة، التي تنسى في لحظات ضعف أنها في مواجهة عالم افتراضي، وقد يكون الصديق الالكتروني وهميا تماما، أو لا يعدو أنه يتسلى وغير جاد.
قصة وعبرة
 من القصص المؤثرة في هذا  المجال، ذلك الشخص الذي تعلّق بإحدى الإعلاميات الجزائريات بالخارج، وكانت شبكة الفيسبوك كوسيلة للتواصل معها، ولم تبخل عليه بطيبتها ولطفها وتواصلها الدائم، وهو غارق في التعلق بها بكل سذاجة، وبلغ به الأمر أن أرسل لها هدية عبر طرد بريدي، تعبيرا عن اهتمامه الشديد بها، واستمر الحال هكذا إلى أن اقترح عليها تبادل مكالمات هاتفية، تمهيدا لتوطيد العلاقة التي اعتقد المسكين أنها بالفعل توطدت، وأنها ستصل إلى مرحلة تبادل الزيارات، فحذفته دون سابق إنذار من قائمة الأصدقاء تماما، ولم تعد ترد على رسائله، ورفضت استلام الطرد، وهو موقف لم يكن يخطر بباله إطلاقا، ما أصابه بصدمة نفسية اضطرته إلى العلاج.
هي قصص كثيرة تسبّب فيها العالم الافتراضي، والذي لا ننكر أنه أقام علاقات اجتماعية وطيدة بين الجزائريين داخل وخارج الوطن، كما ساهم في مدّ جسور التكافل والتضامن بينهم إلا أنه يجب تفادي الانغماس الكلي في علاقات العالم الافتراضي، حتى لا تحدث مثل هذه الصدمات.
من أجل علاقات ناجحة
المأمول من العلاقات التي أفرزتها وسائل الاتصال الحديثة بين الجزائريين أن تكون ناجحة ونافعة، ولن يكون هذا إلا بالمزيد من التلاحم والشعور بالإخوة والمصير المشترك في الوطن، والعمل على تعزيز أواصر التضامن والتلاحم والتعاون، ونبذ الجهوية تماما، لتنمية الشعور بالوطنية، علاوة على التواصل مع أفراد من دول أخرى، لاكتساب المعرفة وتبادل الأفكار والتجارب، بما يخدم مصالح الجزائريين وبلدهم، ولتحقيق كل ذلك يتعين التحلي بالصدق، والمسؤولية الكاملة إزاء الأصدقاء، وتجنب كل أشكال التعدي والممارسات غير المسؤولة، خاصة على شبكات التواصل الاجتماعي، وهنا تقع المسؤولية على الأولياء ايضا، وكل الفاعلين من رجال إعلام وتربية والتعليم والأئمة، وبالطبع دون أن يؤثر إنشاء علاقات الصداقة على علاقات القرابة الحقيقية مع الأهل، والأقارب، وصلة الرحم التي حثّ عليها ديننا الحنيف.