طباعة هذه الصفحة

حرفـة تقليديّـة تستدعـي الاهتمـام

صناعـة السّعــف مصــدر رزق عائلات بورقلـة

ورقلة:إيمان كافي

«زينـــب» و«حليمـــة» مكفوفتـــان بأنامـــل مبدعـــة
«زيــــان» ترفــــع التّحــــدّي


تعد صناعة السّعف من الحرف التقليدية التي امتهنها الأجداد في الولايات الجنوبية للبلاد والمعروفة بانتشار زراعة النخيل فيها، وتعتمد هذه الحرفة على أوراق سعف النخيل التي تجمع وتصنع باليد في شكل منسوج، ولا تزال صناعة السعف حرفة للعديد من النساء في ورقلة وما جاورها، كما تتفنـّن الكثير منهن في تصنيع العديد من منتجات السعف على غرار، القفة، الطبق، الكسكاس، المظلة والسلال وغيرها من المنتوجات الأخرى التي تنوعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.

 تقدّم «عائشة زيان»، حرفية في صناعة السعف والسلالة هي وأختاها حليمة وزينب اللّتان التقت بهما «الشعب» خلال فعاليات صالون إبداعات المرأة الذي نظّم بالمركز الثقافي الإسلامي، عملا حرفيا فنيا وإبداعيا تجسده في منتوجات متنوعة مصنّعة من سعف النخيل، وتتنوع بين «طبق السعف» الذي يستخدم لفتل الكسكس وكذا  «الكسكاس» الذي يستخدم في طهوه. وقد اعتبرت المتحدّثة أنّ هذا النوع من الفنون قد أُدخلت عليه العديد من اللمسات العصرية المستحدثة، في رؤية جديدة تسعى لتطويره وتكييفه مع متطلبات العصر، من خلال إدماج الألوان والاعتماد على تدرّجها وتناسقها لشد الناظرين، وتصنيع أشكال جديدة أيضا أكثر طلبا على غرار القفة المصنّعة من السعف وحقيبة اليد بكل أشكالها.
ولم يعد فن صناعة السعف محصورا في أشكاله التقليدية، فقد حقّقت هذه الوثبة في الصناعة التقليدية استقطابا كبيرا من الجمهور، الذي يلاحظ أنّ حرصه على التمسك بمثل هذه العادات في اقتناء المواد المصنعة من السعف عاد بقوة، ويرجع ذلك بالأساس إلى الوعي بالقيمة الصحية لاعتماد هذا النوع من المنتوجات عوضا عن غيرها، وإدراكا منهم لأهمية هذه الصناعة التي تعد تعبيرا مهما عن الثقافة المحلية نظرا لارتباطها الوطيد بعادات المجتمع التقليدي، فضلا عن أنّ الأشكال العصرية التي أخرجت هذه الحرفة من حدودها نحو فضاء الإبداع الحر والمفيد، في نفس الوقت شجّعت على العودة إليها بقوة حتى أضحت جزءا لا يتجزّأ من جهاز العروس في عدة مناطق، وحتى في تفاصيل العرس وهو أمر محفز للغاية كما تقول عائشة، ويدفعها وأختيها إلى التفكير جديا في إنشاء ورشة خاصة لصناعة السعف والسلالة، وتوسيع إنتاج هذه الصناعة وتشغيل يد عاملة خارج الأسرة من أجل تعميم استفادة أسر أخرى بمنطقة «أم الرانب» من هذه الحرفة، التي قبل أن تكون مصدرا للدخل كانت ولا تزال إرثا من الجدات والأمهات يجب العمل من أجل تحقيق استمراريتها بتواصل الأجيال خاصة في هذه المنطقة الريفية التي تشكل فيها اليد العاملة للمرأة الريفية هناك دعما حقيقيا للدخل الأسري.
وتشكّل هذه الحرفة كما ذكرت محدّثتنا مصدر دخل هام بالنسبة للعائلة، مشيرة إلى أنّهم من بين الأسر المنتجة، فبالإضافة إلى صناعة منتجات السعف تحمل عائشة وزينب وحليمة مسؤولية الحفاظ على ثراث وأصالة المنطقة من خلال هذه الحرفة التي تعد من بين الحرف الضاربة في عمق الماضي، التي تؤكد على مكانة النخلة في الوسط المحلي، حيث أن ممارسة هذه المهنة كانت محصورة في البيت حتى أن منتجاتهم كانت تباع بأثمان قليلة جدا على الرغم من المشقة التي يتكبّدها الحرفيون لصناعة أي منتج والوقت، الذي قد يتواصل لأسبوع كامل في أحيان كثيرة، إلا أن مشاركتهم في المعارض ساعدت على الترويج لمنتجاتهم بشكل أفضل.
«زينب» و«حليمة»...مثالان للإرادة الخلاّقة
«زينب» و»حليمة» حرفيتان على الرغم من أنهما مكفوفتين، إلاّ أنّهما تعلّمتا هذه الحرفة عن طريق السمع عندما كانت أختهما عائشة تتعلّم مع بعض فتيات العائلة صناعة السعف، حيث تقول «زينب» أنّها كانت في محاولاتها الأولى تستخدم شوكة النخلة كإبرة، ولم يتوقع أحد أن تتقنها بتلك السرعة، وذلك قناعة منها بأن من «يريد يستطيع»، هي حرفة نشأت في أحضانها منذ كانت طفلة بدأت منها في صنع «الطبق التقليدي» و»القنينة» (كأس لشرب الماء مصنوع من السعف)، كما اعتبرت أنها بمثل هذا العمل لم تشعر يوما بأنها مكفوفة أو فقيرة، وغير قادرة على تقديم الإضافة لمجتمعها، وقد ساعدتها في ذلك البيئة الحاضنة، حيث تعرف منطقة أم الرانب كما ذكرت بأنها ريفية تحرص العائلات فيها على تعليم البنات كل الحرف التقليدية التي تعرف بها المنطقة لشغل وقتهن، كما تتحول في كثير من الأحيان هذه الحرف من هواية إلى احتراف، ومصدر دخل تعيل به النساء عائلاتهن، حتى أن منهن أمهات درّسوا أولادهن ووصلوا إلى مراتب عليا بالاعتماد على المدخول البسيط لهذه الحرفة، خاصة وأن بعض الأواني لا يكاد يخلو بيت منها، كما أن سكان المنطقة من المستحيل أن يعتمدوا في طبخهم على أواني غير مصنعة من السعف، لذلك فهي صناعة مهمة ومتجددة، وتسجل طلبا كبيرا عليها.
وعلى الرغم من المجهود الكبير الذي تبذله «زينب»، وخبرتها التي تقارب 3 عقود، إلاّ أنّ ما جنته من هذه الحرفة قليل جدا، ومع ذلك ظلّت متشبّتة بضرورة الحفاظ على هذا الموروث أيضا، وهو أمر يتطلب كما ذكرت بذل المزيد من الجهد من طرف الجميع، مشيرة إلى أنّها تناشد السلطات إلى تقديم الدعم الممكن من أجل تشجيعها هي وأختيها على فتح ورشة لحل مشكل نقص اليد العاملة بالنسبة لهن.
صناعة السّعف ذات بعد بيئي وصحي
 من جهتها حليمة زيان، التي تمارس صناعة السعف والسلالة منذ سنوات، كما أنها مكلفة بالبيع ترى أنه من المهم لفت الانتباه إلى الجانبين الصحي والبيئي في استخدام هذا النوع من المنتجات، والتي تلقى طلبا كبيرا عليها، ومن بين أكثر المنتجات طلبا حافظات الأكل وهي متعددة الاستعمال، كما أن أشكالها مختلفة وعصرية بشكل جذاب، ويرجع الإقبال عليها إلى إدراك العديد من المشترين لضرورة العودة إلى المنتجات الطبيعية بعيدا عن المنتجات المصنعة التي قد تخلّف أضرارا صحية مع مرور الزمن، وهو ما استنبطته كما ذكرت من أفواه بعض الأطباء الذين توافدوا لاقتناء منتجاتهم خلال مختلف المعارض التي شاركوا فيها.
أما بخصوص المادة الأولية وهي سعف النخيل، فقد أكّدت «حليمة» أنه وعلى الرغم من أن النخيل زراعة تعرف بها منطقتنا، إلاّ أنّ الحرفيين في هذا المجال يشتكون نقصها الواضح، حيث أن هذه المادة ليست متوفرة بشكل كبير لتسهيل اقتنائها، مشيرة إلى أنه من المؤسف جدا أن نرى غابات شاسعة من النخيل تحرق عمدا، في حين أنها توفر دخلا مهما لعائلات أخرى.